[ توسعت دائرة الخلاف بين الجانبين مؤخرا ]
يوم بعد آخر، تأخذ الخلافات بين مليشيا الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، فصلا جديدا من التطور، والتصعيد والمواجهة.
من حالة الاعتداء في الوزارات، إلى المواجهة، والمناورات في الحديث والشتم في القطاعات، إلى وسائل الإعلام مؤخرا، والمنقسمة بين الطرفين، بل إلى الحديث بين القيادات الرئيسية للطرفين.
رسائل متبادلة
قبل أيام ظهر صالح في خطاب حمل كثير من الرسائل، ومن بين تلك الرسائل، كانت موجهة ربما إلى جماعة الحوثي، حيث قال "نحن لدينا إعلام ومن ضمنه قناة اليمن اليوم، والتي هي منبر لكل اليمنيين، وتنقل وجهات نظر الجميع لا وجهة نظر واحدة، ولم تكن تمارس تصرفات وسلوك إقصائي، ونحن ندعوها إلى السير في هذا الاتجاه بشكل أكبر"، في إشارة فهمها البعض أنها موجهة إلى حليفتهم مليشيا الحوثي التي أقصتهم وتواجههم عبرها.
بعد هذا الخطاب بيومين تقريبا، وتحديدا يوم السبت الماضي، نشرت صحيفة الثورة في صنعاء خبرا عن إطلاق سراح نجل صالح "أحمد"، ورفع الإقامة الجبرية عنه من قبل دولة الإمارات وسفره إلى السويد عن طريق فرنسا.
هذا الخبر فتح النار بين الطرفين، وذهبت وسائل إعلام المؤتمر نحو مهاجمة الحوثيين، واعتبرته نوعا من التصعيد للخلافات بينهم وأنه هناك استهداف واضح للمؤتمريين ولقيادة المؤتمر.
وحسب ناشطين ومحللين، فإنه لأول مرة يرد مكتب نجل صالح على خبر نشر يتعلق بشأنه، حيث تناولت وسائل إعلام صالح خبر نفي مصدر مسؤول في مكتب أحمد علي، وعدم صحة ذلك.
واعتبرت وسائل إعلام صالح ذلك "افتراء وكذب وكلام غير مسؤول، ويعكس حالة النزوع إلى تزييف الحقائق، وعدم المسؤولية التي تسكن نفوس من صاغ الخبر ووجه بنشره".
وأخذ التراشق الإعلامي بين الطرفين أكثر من أسلوب على مستوى الإذاعات التابعة لهم، وعلى مستوى القنوات التلفزيونية، وعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي.
الكاتب الصحفي نبيل الصوفي، والمحسوب على حزب صالح، شن هجوما بعد هذا التطور على زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، حيث قال "يمكن الأيام ذي أفهم سر إصرار عبدالملك الحوثي على البقاء في صعدة، وعلى استمراره الحديث عن الشعب بلغة الثوري الشعبي، وعلى تفضيل بقاء اللجان الشعبية كذراع مسلح يشرف عليها هو مباشرة، ولا علاقة لها بكل الترتيبات الرسمية التي تحدث في صنعاء، أدرك الرجل صعوبة إدارة اليمنيين سياسيا، ففضل البقاء في دائرة الدين".
اقرأ أيضا: الحوثي - صالح.. حلفاء في الحرب.. أعداء في السلطة
وتابع الصوفي -في صفحته بموقع فيسبوك "حين يطالب الدولة بعمل ما، ويهدد بالشعب، هو يتحدث عن أصحابه في السلطة قبل خصومه، يعرف أن السلطة والمصالح، غالبت كل الأنبياء والدعاة والمصلحين ومن كان يحمل رديف الخطيب، يكون أكثر بعدا عن الدين حين يحكم دون رقابة شعبية".
وأضاف الصوفي "في صنعاء فإن السياسة هي الاختبار الحقيقي، أما الشعارات فحتى فرعون قدم نفسه خائفا على دين أتباعه، وكل الطغاة مرروا تجاربهم تحت أغلفة دينية، وقريش بكها كانت إلا خائفة على دين آبائهم، ومن صعدة، يطالبهم عبدالملك بأن يعبدون الله في الحكم، كما عبدوه في الحرب، مقدمين التوجيه على الفرص".
خلافات عميقة
هذا التصعيد، حسب محللين وسياسيين، تطور واضح وكبير في عمق الخلافات والمواجهات بين الحليفين، وإن هناك مواجهة واستعدادات لمواجهات أكبر بينهما تبرز مؤشراتها في الواجهة بين الحين والأخر.
يذكر أن الخلافات بين الطرفين بدأت من بعد إعلان اللجنة الثورية من قبل مليشيات الحوثي، والتي من حينها قامت بحملة تغييرات واسعة في قطاعات الدولة وشكلت فريقا مسلحا تحت مسمى "المشرفين" والذين انتشروا في قطاعات الدولة، وبدؤوا يمارسون سياسة الإقصاء والتفرد بالقرار والإشراف عليها ونهب الواردات، وما إلى ذلك.
ومن حينها، وحسب مصادر سياسية في صنعاء تحدثت لـ"الموقع بوست"، بدأ الخلاف بين الطرفين وتطور إلى أن تم إحلال اللجنة الثورية، وتشكيل مجلس سياسي، ومن ثم حكومة مناصفة بين الطرفين، والتي في إطارها توسعت الخلافات على المناصب، والمقاعد، والوزرات، وبدأ كل يفرض شروطه، وأعلنت الحكومة بعد أشهر من الخلافات والتوترات والتي ما زالت قائمة بين الطرفين وحتى يومنا هذا.
شرف ميدان آخر
لعل ما يحصل مع وزير الخارجية هشام شرف، وما يحصل مع وزير المالية صالح شعبان، خير دليل على استمرار الخلافات بشكل كبير.
الهجوم والتراشق الإعلامي، بل ومواجهة كل طرف لأخر تظهر من خلال صفحات المناصرين للطرفين والذين صار كل واحد يقود حملة ضد الآخر. ففي هذا السياق، يقود المحامي محمد محمد المسوري المحسوب على حزب صالح، حملة مكثفة على مليشيات الحوثي، بل ويكشف حجم الفساد الذي تقوم به هذه الجماعة في إطار السيطرة على شركات النفط والغاز، ويتحدث المسوري بلغة الأرقام وبالوثائق.
اقرأ أيضا: خلافات الانقلابيين.. الحصاد المُر للتحالف المُر (تحليل خاص)
ويذهب المسوري نحو كشف بعض ما تقوم به جماعة الحوثي من تنسيق مع أطراف خارجية، ومع أمريكا، حيث يقول في أحد منشوراته ساخرا "الموت لأمريكا.. وبالحضن يا أمريكا"، ويكشف المسوري بعض جوانب من مواقف الحوثيين التي كان حاضرا فيها هو.
وبشأن هشام شرف، يقول المسوري إن وزير الخارجية هشام شرف قدم أوراق اعتماده فور توليه مهامه بوزارة الخارجية ولم يقدمها للسفير الأمريكي أو السفير الإيراني أو السعودي في ظهران الجنوب. معتبرا جماعة الحوثي جماعة فساد ونهب ولصوصية. واتهم المسوري محمد عبدالسلام بإدارته لمهاجمة هشام شرف، بهدف منع وجود أي منافس له في السياسة الخارجية، وتوعد بأنه سينشر تفاصيل وأسرار ما يقوم به هذا الرجل وبالوثائق.
وبالمقابل، يقود محمد علي العماد، المحسوب على جماعة الحوثي، حملة أخرى ضد جماعة صالح، حيث يقول على صفحته بموقع فيسبوك إن "عفاش ماسك على شعبان وهو خائف من تسريب وثائق تكشف ابتزاز عفاش".
ويتهم العماد "عفاش وجماعته بممارسة ابتزاز ونصب وسرقة"، حسب تعبيره، وما إلى ذلك من أمور كثيرة تحولت إلى مساحة تراشق بين مناصري الطرفين، والجميع يتحدث وينشر وثائق وكل طرف يتوعد بفضح الطرف الآخر.
حرب الوثائق
وهناك وثائق وشكاوى تقدم إلى المحكمة بين فترة وأخرى، ومن بين هذه الشكاوى التي تقدم بها هشام شرف ضد من قال إنهم عصابة سلاح خارجة عن القانون، ولكنهم لم يذكروا من هي العصابة المسلحة لا الوزير شرف ولا المحامي عنه محمد المسوري، لكن في مجمل الأمور هو أن الخلافات محل تصاعد مستمر، وتأخذ بالتطور لتصل إلى المحاكم.
هناك أيضا حملة مداهمات للمنازل من قبل مليشيا الحوثي تتم لبعض مناصري حزب صالح، وآخر هذه المداهمات تمت على منزل المؤتمري يحيى العابد. وتفيد معلومات بأن الحوثيين أنشؤوا سجونا خاصة للمنتمين لحزب المؤتمر (جناح المخلوع صالح) مؤخرا، وأن هناك استعدادات لحملة اعتقالات كبيرة من قبل الحوثيين للمؤتمرين وإيداعهم السجون.
الاغتيالات أيضا، سلوك جديد بدأ الطرفان للتحضير له في صنعاء وخارج صنعاء، ولعل ما جرى يوم الأحد الماضي دليلا واضحا على ذلك، حيث نفذ مسلحون مجهولون عملية اغتيال استهدفت القيادي في جماعة الحوثي أبو يوسف حطبة نجل القيادي الحوثي أحمد صلاح وثلاثة من مرافقيه، وتتهم جماعة الحوثي في وسائل إعلامها صالح بالوقوف وراء العملية. وتقول المعلومات إن المذكور يعمل مسؤولا للإمدادات العسكرية في جبهات نهم، ومن القيادات البارزة التي عليها تكتيم كبير وتحفظ.
وتتهم جماعة الحوثي حليفها صالح بإعداد خطة لمواجهتهم تبدأ إعلاميا ومن تنفيذ مسلسل اغتيالات وذلك بهدف تركيعهم وإرضاخهم له وقد تنتهي بالمواجهات العسكرية إذا رفضوا، وهذا حسب ما تم تناقله في بعض وسائل إعلام الحوثي.
يذكر أن قيادات عسكرية وسياسية من الطرفين تعرضوا لمحاولات اغتيال في صنعاء، فالبعض منهم نجا والبعض الآخر أصيب.
التصدع يشمل زوايا عديدة
وتتهم قيادات حوثية المخلوع صالح بممارسة سياسة يظهر من خلالها أنه متخوفا من جماعة الحوثي، وكل تخوفه هو من المستقبل، ولما بعد انتهاء الحرب، أو توقفها بشكل أو بآخر.
ملف الخلافات ليس وليد اللحظة وإنما قد يكون بدأ منذ وقت مبكر بين حلفاء صنعاء حلفاء الحرب والسيطرة وبسط النفوذ على الدولة بقوة السلاح. حيث تشير المصادر إلى أن صالح جاء بفكرة المجلس السياسي، بعد أن شعر بالخطر أكثر خصوصا في ظل بقاء اللجنة الثورية العليا هي من تتحكم بزمام الأمور، وتصدر القرارات، والتعيينات، وبقاء المؤتمر خارج هذه اللجنة أشعره بالقلق.
التوظيف، والتعيينات، من قبل مليشيا الحوثي في مؤسسات الدولة، تطور آخر في الخلافات بين الطرفين، حيث تقول مصادر سياسية إن الحوثيين يعمدون لتعيين موظفين بدون مؤهلات أو كفاءات أو خبرات، ويتعمدون إقصاء المؤتمر بشكل كبير.
اقرأ أيضا: كيف ساعد المخلوع علي صالح جماعة الحوثي على التمدد والانتشار؟ (تحليل)
يأتي بعد ذلك جباية الإيرادات إلى مؤسسات تابعة لحركتهم، وحسابات خارجة عن حسابات المؤسسات، وهو ما أزعج أنصار المؤتمر الذين شعروا أنهم أقصوا من هذه التجارة الرابحة أو الفيد للعائدات التي لم تعد تصل إلى الشعب ولمصلحته بقدر ما تذهب إلى جيوب الأطراف وتحت مسميات عدة منها مسمى المجهود الحربي.
الخلافات بين الطرفين تأخذ مساحتها وتمتد إلى السلك العسكري، فالسلك العسكري الذي لم يعد كذلك، وتحول إلى سلك مليشاوي حسب تعبير كثيرين، تحول إلى ساحة خلاف، فالمؤتمر يشعر أن الحوثيين يريدون اقتحام المعسكرات والسيطرة عليها، وهو يشعر أن قوته فيها ومصدر الضغط الذي ظل يلعب عليه صالح منذ قدومه إلى السلطة.
ومن بين نقاط الخلاف أيضا، طبقا لمصادر، سيطرة الحوثيين على وسائل الإعلام الرسمية، وتحويلها إلى وسائل إعلام ناطقة باسمهم، وتغييب صوت المؤتمر منها بشكل متعمد، يأتي بعد ذلك، وطبقا للمعلومات، شعور المؤتمر بتجاوز مليشيا الحوثي في مسالة التعامل مع الخارج والعلاقات الدولية، ومحاولتها في بعض الأحيان تجاوز المؤتمر في الاتفاقيات التي تتم كما حصل فيما يتعلق باتفاق ظهران الجنوب مع السعودية، وطبقا لمصادر فإن ذهاب الحوثي وحيدا إلى ظهران الجنوب قبل فترة، يعد إحدى النقاط التي أوجدت الخلافات ووسعتها.
ملف الخلافات يبدو كبيرا ومتطورا، ومستمر نحو الانفجار بشكل أكبر، في ظل الاستمرار في السيطرة على موارد الدولة والتصرف بها بشكل شخصي ولصالح جماعات وأفراد فرضوا أنفسهم بقوة السلاح وحولوا الدولة إلى مساحة للعبث والفيد والنهب، حسب تعبير سياسيين وناشطين ومهتمين.
من هذا المربع، ومن خلال هذه القراءة السياسية والمؤشرات التي تبرز على الأرض وفي واجهة التطورات، يقول سياسيون إن تحالف الحوثي وصالح يتجه نحو التشتت والانهيار السريع، وإنه لن يدوم طويلا، خصوصا وأنه تحالف قائم على المصلحة، وفي نفس الوقت هو تحالف حرب على الدولة والشعب وليس تحالفا سياسيا قائما على شراكة سياسية ونزاهة ومصداقية في التعامل وما يتم القيام به.
وتوقع سياسيون، بعد نشر خبر نجل صالح، أن تتفاقم حدة المواجهات بشكل كبير، حيث سيبدأ كل طرف بفضح الطرف الآخر وكشف المستور.