[ المفلحي أثناء أدائه اليمين الدستورية أمام الرئيس هادي - سبأ ]
عامٌ وعشرةُ أشهر مضت على تحرير العاصمة المؤقتة عدن، واستعادتها من قبضة ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية.
خلال هذه الفترة تم تعيين ثلاثة محافظين، أقيل اثنان منهم، الأول نايف البكري، بينما قتل الثاني بعملية إرهابية وهو جعفر محمد سعد، وآخرهم الثالث عيدروس الزبيدي.
وعين عبدالعزيز المفلحي خلفا للمحافظ السابق عيدروس الزبيدي، ليكون بذلك المحافظ الرابع الذي يتولى شؤون العاصمة المؤقتة عدن، خلال فترة لم تتجاوز العامين.
وحظي المحافظ السابق عيدروس بأطول فترة في منصبه كمحافظ لعدن، من بين سابقيه البكري وجعفر محمد سعد، فقد استمرت فترته لعام وأربعة أشهر، إلا أنهُ لم يتمكن من تحسين وضع عدن وجعلها عاصمة مؤقتةً لليمنين كما هي صفتها.
عجز عيدروس عن تشغيل المؤسسات الحكومية، والتي بقيت مغلقةً أبوابها أمام المواطنين، في حين امتلأت السجون بمئات المعتقلين الذين ينتظرون ميعاد مزاولة المحاكم والنيابات لنشاطاتها، وتوازى ذلك مع تزايد لافت في مستوى الانتهاكات بحقوق الانسان، لتشهد شوارع العاصمة المؤقتة عدن احتجاجات دائمة لمئات المواطنين لمطالبة السلطات المحلية بالقيام بواجباتها، لكن دون أن يلقوا أي استجابةً تذكر، عدا حزمة من الوعود والتي لم تعد تؤثر على المواطنين.
ولقي قرار إقالة عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ لعدن قبولا لدى شريحة واسعةٍ من المواطنين في عدن، كونهم لم يلمسوا أي تغيير يذكر خلال فترته، خصوصا في ملف الخدمات، عدا بعض الإنجازات الأمنية، والتي شابها تجاوزات قانونية واضحة.
ويعلق المواطنون في العاصمة المؤقتة عدن آمالهم على المحافظ الجديد عبدالعزيز المفلحي، والذي أدى القسم الدستورية الأحد 30 أبريل أمام رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي في العاصمة السعودية الرياض.
ويستطلع "الموقع بوست" من خلال هذه المادة الصحفية أبرز المطالب التي يريدها المواطنون في العاصمة المؤقتة عدن، من محافظهم الجديد عبدالعزيز المفلحي، وكذا أهم الملفات التي يجب عليه تجاوزها لضمان الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء.
في مدينة ساحلية كالعاصمة المؤقتة عدن، ترتفع فيها درجات الحرارة والرطوبة لمستويات قياسية، ويعتمد سكانها على خدمة الكهرباء في مختلف مناحي الحياة، وبدونها تتحول حياة المواطنين إلى جحيم.
يفيد المواطن علي رشيد بأن عدن وأهلها عاشوا معاناة مريرة خلال فترة المحافظ السابق، فقد شهدت تراجعا كبيرا في مستوى الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الكهرباء والمياه.
"لم نلمس أي تحسن في مستوى الخدمات وخصوصا الكهرباء، والتي كانت تحوز على النصيب الأكبر من وعود المحافظ السابق، إلا أنها كانت مجرد وعود كاذبة لتنويم المواطنين"، يضيف رشيد في حديثه لـ"الموقع بوست".
وذكر أنه على المحافظ المفلحي وضع ملف الخدمات وفي مقدمته الكهرباء والمياه في أعلى قائمة أولوياته، كون المواطنين في عدن لا يستطيعون العيش بدونها، لاسيما في فصل الصيف والذي بدأت ملامحه بالظهور.
مشيرا إلى أن استقرار العاصمة المؤقتة عدن لن يكون إلا باستقرار الخدمات الأساسية، حيث يعمل انهيار الخدمات على خلق حالة من الفوضى في الشارع، والتي قد تستغلها بعض الأطراف الانقلابية لتنفيذ أجندتها في إثارة الفوضى بالمدن المحررة.
المحاكم والنيابات
تمكنت إدارة المحافظ الزبيدي من تحقيق نجاحات أمنية معقولة، لكنها كانت بأيدي أجهزة أمنية تفتقر للمؤسسية، مما جعل هذه الإنجازات ملازمة للانتهاكات ومصادرة الحريات.
وتضج سجون العاصمة المؤقتة عدن بمئات المعتقلين والمخفيين قسريا، في حين بقيت إدارة الزبيدي عاجزة عن تسيير إجراءاتهم القانونية، في ظل توقف شبه كامل لأعمال المحاكم والنيابات، مما زاد من موجة السخط الشعبي، والتي ترجمت في عشرات الوقفات احتجاجية لأهالي المعتقلين والمخفيين قسريا، دون أن تحرك السلطات المحلية ساكنا، بالرغم من كون إعادة تفعيل دور المحاكم والنيابات من صميم واجباتها.
وفي هذا السياق يوضح المحامي والناشط الحقوقي نزار سرارو بأن إعادة الحياة للمحاكم والنيابات يعد مطلبا شعبيا قبل أن يكون قانونيا، فهناك مئات المعتقلين خلف قضبان السجون وهم بانتظار البت في قضاياهم، فقد تجاوزت فترات احتجازهم المدة القانونية.
اقرأ أيضا: أين أخفق عيدروس وبن بريك؟ وهل تُصلح قرارات هادي الوضع في عدن؟
وأضاف في حديثه لـ"الموقع بوست" أنه على المحافظ المفلحي أن يستمر في الخطة الأمنية التي انتهى منها المحافظ السابق، ويطور من الأجهزة الأمنية ويرفع من مستواها المؤسسي، بدلا من العشوائية التي تعيشها حاليا، والتي بكل تأكيد تؤثر سلبا على مستوى الوضع الأمني.
مستدركا بأن كل الإنجازات الأمنية التي تحققت خلال فترة المحافظ السابق، والتي ستتحقق خلال فترة المحافظ المفلحي، ستكون مهددة بحال ما استمر إغلاق المحاكم والنيابات، كونها ستؤدي لمزيد من الانتهاكات والتي ستؤثر على الشارع بشكل عام.
وقال "على المحافظ المفلحي أن يحسن اختيار طاقمه بعناية، معتمدا على معايير الكفاءة، بعيدا عن المناطقية والعنصرية والتي وقع فيها سلفه الزبيدي".
وأشار إلى أن إجراءات منع التجوال بالسلاح، ووقف ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس، ومنع تجول السيارات الغير مرقمة، لم تستطع سلطات المحافظ السابق تنفيذها، وعلى المحافظ الجديد البدء بها كونها ستثبت وجود الدولة، وستسهم بشكل كبير في فرض الأمن والاستقرار.
واختتم الناشط الحقوقي سرارو حديثه لـ"الموقع بوست" بمطالبة المحافظ المفلحي بالاهتمام بشكاوى المواطنين وتحديد مواعيد لمقابلتهم، مشددا على أهمية اختيار شخصية مناسبة لإدارة مكتبه، كون مدير مكتب المحافظ السابق كان بمثابة سياج شائك بين المواطنين والمحافظ.
العمل مع الجميع
عملت إدارة المحافظ السابق الزبيدي على إهمال الأطراف الفاعلة في المجتمع، من أحزاب سياسية وتكتلات مجتمع مدني، لتظهر بذلك إدارته بصبغة واحدة، غير قادرة على التعامل مع الجميع، حيث جعلت منهم أعداءا، أو أعداءا متوقعين في أحسن الأحوال.
وفي ذات السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي عبدالرقيب الهدياني إن "على المحافظ الجديد العمل على تجميع لحمة عدن أحزابا ومنظمات ومكونات شعبية واجتماعية، وأن يشتغل بهم ومن خلالهم فعدن تحتاج أن تشعر بهذه اللحمة بدل التفكك أن تحس بالأمان بدل التوتر وأن تعرف طريقها في مسار الشرعية وليس التوهان تحت شعارات النشاز".
"على المحافظ المفلحي وهو اقتصادي كبير أن ينقل العاصمة المؤقتة عدن من التحسن الأمني الذي تحقق جزئيا عبر محافظها السابق عيدروس الزبيدي، إلى الاستقرار الخدماتي المنشود، فلا معنى للأمن طالما حياة الناس دون خدمات"، يضيف الهدياني في حديثه لـ"الموقع بوست".
ويضيف "على محافظ عدن الجديد أن يحقق لعدن مكانتها الطبيعية كعاصمة للشرعية دون إقصاء، ولا مناطقية، ولا عنصرية، حيث يأوي إليها كل أنصار الشرعية من كل ربوع الوطن دون تمييز".
وأشار إلى أن هناك ملفات كثيرة، تتمثل في إزالة الاشتباك بين التشكيلات الأمنية بمختلفها وكذلك مكونات المقاومة، وأن يتم تأطيرها بشكل مؤسسي في أجهزة الدولة، لكي لا يسمح في نشوب توترات قد تتطور لحد المواجهات المسلحة، كما حدث خلال فترة المحافظ السابق عيدروس الزبيدي.
أزمة المساجد
يقول الشيخ جمال السقاف عضو رابطة علماء ودعاة عدن "على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها المواطن في عدن، جراء تعطل الخدمات وانسداد أفقها، كان يحدو المواطن الأمل في الوعود التي تطلق بين الفينة والأخرى، إلا أنه اكتشف أنها مسكنات وكذبات زادت من تعاسته وتذمره".
"وفي الوقت العصيب هذا، والتوقيت الغريب، فتحت المحافظة ممثلة بمدير أوقافها ملفا آخر، ليعمق المعاناة، ويعطي مؤشرا أن لا أمل في عودة الحياة لطبيعتها، وذلك من خلال تجريف المساجد واستهداف أئمتها المشهود لهم بالاعتدال والوقوف أمام الانقلابيين بالتغيير والعزل"، يضيف السقاف في حديثه لـ"الموقع بوست".
وقال "لا أدل على ذلك من رفض المحافظ السابق عيدروس الزبيدي لأوامر الوزير السابق للأوقاف بإقالة مدير مكتب الأوقاف بعدن، لما أحدثه من لغط واسع في صفوف الأئمة والدعاة".
وتابع "على المحافظ الجديد أن يعي مكامن الخلل والخور في المحافظة، ويعرف أسبابها ودواعيها، وهي كثيرة وشائكة، وبحاجة لعزيمة وفريق عمل مخلص متجانس ومتخصص بعيدا عن المحاصصة أو الإقصاء".
ويرى السقاف أن من الأولويات التي تنتظر تدخل المحافظ المفلحي، إعادة النظر في التعيينات التي تمت على أساس المناطقية أو الحزبية، وكذلك النظر الجاد والسريع في أمر المساجد التي أخذت على عاتقها حماية المواطن من الانقلابيين والوقوف مع الشرعية بكل وضوح، وإيقاف التجريف الحاصل لها لحساب طرف واحد.
ويشير إلى أن ما تعرضت له مساجد عدن خلال فترة المحافظ السابق، من تجريف للأئمة والخطباء، وتعيين آخرين منتمين لفصيل واحد، أدى لتولد إشكاليات تهدد النسيج الاجتماعي، وعلى المحافظ الجديد الاهتمام بهذا الملف، لما للمساجد من تأثير على حياة المواطنين.