[ شهد الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية تحولًا كبيرًا مع بداية عهد الرئيس ترامب ]
شهد الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية تحولًا كبيرًا مع بداية عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب، ويأتي هذا التحول في سياق التشدد الأمريكي ضد إيران وحلفائها من جماعات ومليشيات شيعية مسلحة تثير النزاعات الطائفية وتهدد استقرار المنطقة والعالم، بالإضافة إلى تهديد أهم طرق التجارة العالمية المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وتوج هذا التشدد بإقدام الولايات المتحدة على التدخل العسكري المحدود في سوريا وتدمير إحدى أهم القواعد العسكرية الجوية التابعة لجيش بشار الأسد، ردًا على قتله لمئات الأبرياء بأسلحة كيمائية في بلدة خان شيخون، وكانت الرسائل السياسية التي أراد دونالد ترامب إرسالها لإيران وحلفائها في المنطقة من وراء ذلك التدخل أكثر من الأهداف العسكرية التي أراد تحقيقها.
- الفرق بين الإدارتين
وفي ما يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الأزمة اليمنية، نلاحظ أنه لأول مرة يصف مسؤول أمريكي بارز جماعة الحوثيين بأنها جماعة إرهابية، رغم عدم تصنيف الولايات المتحدة رسميًا للجماعة ضمن قائمة الإرهاب، كما نلاحظ أن الإدارة الجديدة لا تمانع أو تضغط على دول التحالف العربي بقيادة السعودية بتخفيف هجماتها العسكرية ضد مواقع الانقلابيين والضغط باتجاه الحل السياسي، كما كانت تفعل الإدارة السابقة.
لقد كانت مواقف الإدارة الأمريكية السابقة (إدارة باراك أوباما) محل استياء السياسيين والنخب اليمنية المناهضة للانقلاب، ووُصِفت مواقفها بأنها تهدف لإنقاذ الانقلابيين، وكان آخر تلك المواقف، مبادرة جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق، والتي قال فيها إن الحوثيين أقلية في اليمن ويجب إشراكهم في السلطة.
وعلى عكس الإدارة السابقة، تبدو الإدارة الأمريكية الجديدة مؤيدة لدول التحالف العربي وللسلطة اليمنية الشرعية، ويتضح ذلك من دعوة السفير الأمريكي السابق لدى اليمن جيرالد فايرستاين إلى دعم دول التحالف العربي والسلطة اليمنية الشرعية لتحرير ميناء الحديدة، وهي الدعوة التي أثارت استياء روسيا، والتي حذرت على لسان المتحدثة باسم خارجيتها ماريا زاخاروفا من تحرير ميناء الحديدة، مبررةً تحذيرها بأنه لدوافع إنسانية، والخشية من أن يصب ذلك في صالح الجماعات الإرهابية.
وأيضًا، تحدثت تقارير إعلامية أمريكية عن استعداد الإدارة الأمريكية الجديدة للتعاون مع دول التحالف العربي بخصوص تحرير مدينة وميناء الحديدة، وذلك من أجل حماية أهم طرق الملاحة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر أمام تهديدات المليشيات الانقلابية، كون ذلك يشكل حماية للمصالح الأمريكية في المنطقة.
- تحولات ملفتة
أثناء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، كانت تصريحات دونالد ترامب تتسم بالعدائية ضد السعودية، وتتسم بالعدائية أكثر ضد إيران. وبعد الإعلان عن فوزه في الانتخابات، أبدى الإعلام الفارسي تفاؤله بذلك، بسبب تصريحات ترامب العدائية ضد السعودية، رغم أن تصريحاته العدائية ضد إيران كانت أكثر، ووصلت حد التهديد العسكري، فيما التصريحات ضد السعودية ركزت على الاستفادة القصوى من الموارد المالية السعودية، وربط التحالف السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية بحجم الموارد الاقتصادية والتجارية لصالح الولايات المتحدة.
كان تفاؤل الإعلام الفارسي بدونالد ترامب يعكس تفاؤل السلطات الإيرانية وحلفائها الشيعة في العالم العربي، ذلك أن طهران كانت تعتقد أنها ستتحصن وراء الاتفاق النووي مع الغرب، وستتحصن وراء حليفتها روسيا، إزاء تهديدات ترامب، خاصة وأنه كان يتطلع إلى تقوية علاقة بلاده بروسيا، هذا من جانب، ومن جانب آخر، كانت طهران تراهن على اختلاف وجهات النظر بين دونالد ترامب والسلطات السعودية بخصوص الأزمة السورية، وتعتقد أن هذا الاختلاف سينعكس على مختلف الملفات الساخنة في المنطقة، بما يصب في صالح المشروع الفارسي.
لم يدم التفاؤل الإيراني كثيرًا، فبعد أن بدأت تتضح ملامح سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء الملفات الساخنة في المشرق العربي، وتكثيف ترامب لتهديداته ضد إيران، وبالمقابل تحسن علاقة بلاده بالسعودية بعد حالة من الفتور شهدتها العلاقة في أواخر عهد سلفه باراك أوباما، كل ذلك جعل إيران تراجع حساباتها، وفجأة، اختفت التصريحات الإيرانية العدائية ضد السعودية، وقام الرئيس الإيراني حسن روحاني، في منتصف فبراير الماضي، بزيارة إلى كلٍّ من سلطنة عمان ودولة الكويت، وذلك بهدف تحسين علاقة بلاده بدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لعل ذلك يسهم في تخفيف حدة الضغوط والتهديدات الأمريكية ضد بلاده.
- أسباب التحول
هناك عدة أسباب لتحولات الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية، لعل أهمها، اعتقاد الإدارة الأمريكية أن إيران وحلفاءها من جماعات وميليشيات شيعية مسلحة في المنطقة العربية يشكلون خطرًا على المصالح الأمريكية وعلى أمن المنطقة التي تعتبر مجالًا حيويًا للنفوذ والمصالح الأمريكية.
وعزز من هذا الاعتقاد، التهديدات التي يشكلها الانقلابيون في اليمن على أهم طرق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، خاصة بعد أن هاجمت ميليشيات الحوثيين وقوات المخلوع علي صالح سفينة إغاثة إماراتية، ثم حاملة طائرات أمريكية، وبعدها فرقاطة حربية سعودية، قبالة السواحل اليمنية الغربية. وأخيرًا، نَشْر الانقلابيين لألغام بحرية تهدد مرور السفن التجارية وناقلات النفط والمساعدات الإنسانية وغيرها.
- مؤشرات التحول
بدأت مؤشرات تحولات الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية بشكل واضح، عندما وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فلين، قبل استقالته في منتصف فبراير الماضي، جماعة الحوثيين بأنها أحد التنظيمات الإرهابية الوكيلة لإيران، وجاء تصريحه هذا بعد أن هاجم الانقلابيون فرقاطة حربية سعودية في البحر الأحمر، في أواخر شهر يناير الماضي.
وتكمن أهمية تصريح فلين في أنه جاء مغايرًا لموقف الإدارات الأمريكية السابقة التي رفضت تصنيف جماعة الحوثيين ضمن قائمة الجماعات والمنظمات الإرهابية رغم تكرر المطالب اليمنية الرسمية بهذا الخصوص، كما أن الإدارة الحالية لم تصنفهم رسميًا بعد كجماعة إرهابية، رغم الإشارات الواضحة لذلك، من خلال اتهامات دونالد ترامب لإيران بدعم الإرهاب، وواضح أن الحوثيين أحد الجماعات التي تدعمها إيران.
وبعد أن استشعرت الإدارة الأمريكية حجم الخطر الذي يشكله الانقلابيون على طريق التجارة الدولية، أرسلت مدمرة تابعة للبحرية إلى قبالة السواحل اليمنية الغربية، في 3 فبراير الماضي، لحماية السفن التجارية وغيرها.
التطورات السابقة ألقت بظلالها على توجهات الإدارة الأمريكية وموقفها من الأزمة اليمنية، وذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، حينها، أن واشنطن تدرس خطوات أكثر صرامة ضد جماعة الحوثيين، بما في ذلك هجمات الطائرات بدون طيار، ونشر مستشارين عسكريين لمساعدة القوات اليمنية الشرعية.
وفي أواخر شهر مارس الماضي، أكد الجنرال جوزف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في إفادة أمام مجلس الشيوخ، بأن الحوثيين نشروا صواريخ ومنظومة رادارات وألغامًا وقوارب مفخخة في الساحل الغربي لليمن وبدعم من إيران، وقال إن هذه الأسلحة تهدد التجارة والسفن والعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
من جانبه، تقدم جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي، بطلب إلى البيت الأبيض، في 27 مارس الماضي، من أجل رفع القيود المفروضة في عهد أوباما على الدعم العسكري الأمريكي لدول التحالف العربي التي تشن حرباً ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران.
وذكر ماتيس، في مذكرته لمستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، الذي تم تعيينه في هذا المنصب في فبراير الماضي خلفاً لمايكل فلين، أن دعم العمليات التي تنفذها قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة سيساعد على محاربة تهديد مشترك للجانبين الخليجي والأمريكي، ويقصد به الخطر الذي تمثله إيران ووكلاؤها من الحوثيين في اليمن.
- العلاقة مع السعودية
وانعكست تحولات الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية على علاقتها مع السعودية، بعد أن سادت الشكوك حول مستقبل تلك العلاقة قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية وأثناء الإعلان عن فوز دونالد ترامب، ذلك أن الموقف الأمريكي المتشدد ضد إيران، وانعكاس ذلك على موقفها من الأزمة اليمنية، أسهم في تقريب وجهات النظر بين الإدارة الأمريكية وقيادة المملكة السعودية، التي تقود تحالفًا عربيًا ضد الانقلابيين في اليمن وضد النفوذ الفارسي في المنطقة.
وظهرت ملامح التقارب بين واشنطن والرياض بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، في شهر مارس الماضي، حيث أجرى مباحثات مع الإدارة الأمريكية الجديدة حول الملفات الساخنة في منطقة المشرق العربي، وكان للزيارة والمباحثات صدى إعلاميًا كبيرًا، بعد أن ذكرت تقارير إعلامية أن من نتائج الزيارة وما تخللها من مباحثات ربما إعطاء ضوء أخضر أمريكي لقوات التحالف العربي بتحرير ميناء الحديدة من سيطرة الانقلابيين، من أجل تأمين أهم طرق التجارة الدولية من خطر الانقلابيين، ولوحظ أن التحالف العربي بدأ استعداداته لتحرير ميناء الحديدة بعد زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة.
كما أشارت تقارير إعلامية أمريكية إلى إمكانية مشاركة القوات الأمريكية في معركة تحرير الحديدة، ليس فقط من خلال الدعم اللوجستي والاستخباراتي، بل بدعم قوات التحالف العربي عسكرياً، وذلك بهدف تأمين خطوط الملاحة الدولية.