[ احتجاجات سابقة لأفراد الجالية اليمنية بأمريكا ]
يعيش ملايين اليمنيين في مختلف بلدان العالم، التي هاجروا إليها قبل ما يزيد عن نحو خمسة آلاف سنة، فأثروا في تلك المجتمعات وتأثروا بها.
وتعد الجالية اليمنية في أمريكا واحدة من أعرق وأقدم تلك الجاليات، والتي تقول بعض المراجع، إن اليمنيين بدأوا بالهجرة إليها منذ عام 1869، لكن من غير المعروف كم يبلغ عدد أفرادها، وهو مؤشر على ضعف الاهتمام الحكومي بتلك الجماعات الكبيرة في الخارج، لكن تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن عددهم يفوق أربعمائة ألف.
وتعتبر الجالية اليمينة في متشجن، من أكثر الجاليات كثافة في أمريكا، تليها كاليفورنيا، ومن ثم نيويورك.
ويكاد يغيب دور الجاليات اليمنية المختلفة في هذا التوقيت، فهي غير متفاعلة كما ينبغي مع مختلف القضايا التي تشهدها البلاد مؤخرا، مع أنه يمكن لها أن تلعب دورا كبيرا في دعم الملف اليمني في الخارج، وكشف حقيقة ما يجري، خاصة في ظل وجود لوبي يتبع الانقلابيين يقوم بتزييف الحقائق.
ويبدو أن ركود الحقل الدبلوماسي خلال فترة الحرب، انعكس هو الآخر على أداء الجاليات اليمنية في مختلف دول العالم ونشاطها.
غير أن هناك نشاط متواضع، بدأ منذ سقوط الدولة في 21 سبتمبر/أيلول 2014، فنظم بعض أفراد الجالية اليمنية بأمريكا، عديد من الوقفات الاحتجاجية، والمظاهرات أمام الأمم المتحدة للتنديد بالانقلاب، وجرائمه ضد المدنيين الأبرياء.
ومؤخرا برزت بعض الأنشطة للجالية اليمنية في أمريكا، عقب صدور قرار الإدارة الأمريكية الجديدة، الذي قضى بمنع مواطني 7 دول بينها اليمن، من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، استجاب لها المئات من اليمنيين.
جهود ومعوقات
وبالنسبة للمظاهرة التي كان الناشط زيد ناجي أحد منظميها، في بروكلين بنيويورك، فهي كما يقول نتاج فكرة تهدف لإبراز اليمني الأمريكي، وتقديمه على أنه عملي ويمتلك علاقات بشكل إيجابي مع من حوله ويؤثر ويتأثر، وكانت نتيجة جهود كبيرة قدمتها الناشطة اليمنية دبي المنتصر.
وعن دور الجالية اليمنية في أمريكا بالتعريف بالملف اليمني، والانقلاب وخطورته على مستقبل البلد، ومختلف القضايا، يشعر ناجي بالأسف لعدم قيام الجاليات في مختلف البلدان بدورها، برغم امتلاكها للمقومات، واقتصار ذلك على الجهود الفردية.
ويشير في حديثه لـ"الموقع بوست" إلى تجربة التكتل اليمني الأمريكي والشباب المحسوب على التيار المُعتدل، الذين يعادون كل من التحالف الحوثمؤتمري في الشمال، والعنصرية المناطقية في الجنوب، ويقومون بالتعريف بالقضية اليمنية عن طريق مظاهرات أقاموها أمام البيت الأبيض والأمم المتحدة، بالتزامن مع أحداث سياسية، فضلا عن عمل معرض صور لضحايا تعز العام المنصرم.
وعن المشكلات التي تواجهها الجالية اليمنية، يذكر ناجي أن أبرزها غياب القيادة، وشح الإمكانيات، وغياب العمل المؤسسي، فضلا عن إهمال الشرعية، وهو ما يجعل الجهود الفردية الطوعية غير مرتبة، بسبب انشغال المتطوعين.
وكون الجالية هي صورة مصغرة للوطن، تعدُّ الانقسامات الحاصلة في أبناء الجالية اليمنية بأمريكا، هي أحد أسباب عدم قيامها بدورها تجاه البلد، وفق ناجي.
الافتقار للحس الوطني
وهو ما يتفق معه الكاتب الصحفي محمد عُبيد، الذي يُعزي سبب قيام الجالية اليمنية بأمريكا بدورها، لخدمة الوطن، إلى ساعات العمل الطويلة التي يقضيها معظم أبناء الجالية في المحلات التجارية التي يعملون بها، وتبلغ 12 ساعة باليوم، وكذا تدني مستوى تعليم الكثير منهم، وهو ما يعيق عقد اجتماعات دورية لمناقشة مشكلاتهم.
ومن ضمن أسباب عدم تأثير الجالية اليمنية بأمريكا، بما يخدم الوطن، تطرق عبيد في حديثه لـ"الموقع بوست" إلى عدم وجود تنسيق بين الجاليات في مختلف الولايات، فضلا عن انجرار الكثير منهم خلف المماحكات، والعمل لصالح طيف معين يخدمونه.
ويُبيّن أن الجالية وتحديدا في نيويورك، تهتم بالقضايا السياسية العقيمة، المرتبطة بالمخلوع صالح، بعيدا عن هموم المغترب، لافتا إلى وجود لوبي مدعوم يعمل لصالحه، يقوم بحشد أبناء الجالية لتنفيذ وقفات احتجاجية ضد ما يسمونه" العدوان.
ويضيف عبيد أن أولئك الأفراد يتحدثون باسم الجالية اليمنية، دون أن ينتخبهم أحد، وهم من الفاسدين، ويعملوا لصالح أحزاب، بعيدا عن مصلحة اليمنيين.
ويذكر أن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي نص على منع سبع دول من دخول بلاده، أيقظ الجالية اليمنية التي كانت في سبات منذ سنوات.
وبدلا من ذلك يدعو الكاتب اليمني، وأحد أفراد الجالية اليمنية بأمريكا، أن يكون ولاءهم للوطن والإنسان اليمني، وليس لشخص معين، وأن يعمل أفراد الجالية على تدارس هموم المغترب، ويقدموا له الخدمات، ويعالجوا كثير من المشكلات التي تواجههم، للارتقاء بهم.
كما يشيد بالجالية اليمنية في "ماتشجن"، والتي تعمل بطريقة منظمة، وتقوم بانتخاب من يمثلهم، وهم من المتعلمين وأصحاب الكفاءات، ويُرجع عبيد نجاح تجربتهم هناك، إلى ارتفاع نسبة خريجي الجامعات الأمريكية منهم.
توحيد الجهود
وأمام الانقسام الحاصل داخل أبناء الجالية اليمنية بأمريكا، التي تفتقر للتنظيم، تطالب الناشطة السياسية لطيفة علي، بنزع وجه الانتماء السياسي، وتوحيده في صالح خدمة قضاياهم الداخلية الأمريكية، والتي تعد جوهر وجودهم كمواطنين أمريكان.
وتطرقت في تصريحها لـ"الموقع بوست" إلى وجود عشرات الجمعيات والمؤسسات اليمنية التي تعبر عن هويات وخلفيات معينة وحزبية، دون وجود أي كيان يمني أمريكي موحد واحد، يمكن أن ينسق بين كل تلك الكيانات، مشيرة إلى ضرورة استغلال الفرص التي يقدمها المجتمع الأمريكي، للمؤسسة المثابرة، أو حتى على صعيد المستوى الشخصي.
وأعاق تباين الخلفيات السياسية، ووجود كيانات هشة، إضافة إلى العقلية اليمنية غير المتفاعلة والخاملة سياسيا وتنظيميا، وكذا الفكر العشوائي في التعاطي مع الأحداث ومواجهة رد الفعل وليس خلقه، أعاق خروج مظاهرة حاشدة في" متشجن" أكبر الولايات الأمريكية كثافة سكانية، لمواجهة التعسف التميزي غير المسبوق، الذي قامت به إدارة الرئيس ترامب، بحسب علي.
وتعوِّل الناشطة علي، على الجالية اليمنية الناشئة بجيلها الثاني والثالث، كونها تخطو نحو العلم والاندماج الإيجابي في هويتها التي ولدت فيها (الأمريكية)، والتي بإمكانها أن تكوِّن كيانا يمنيا أمريكيا فاعلا، ليصبح لاحقا لوبي ضاغط وذو أثر في فرض قضاياهم الأمريكية أو في البلد الأم.
وتقوم الجالية اليمنية بأمريكا بمحاولات من أجل إيصال صوت اليمن، عبر عديد من الوقفات التي تنفذها أمام الأمم المتحدة للتنديد بالانقلاب، لكن الأمر كما تؤكد "علي" ليس بتلك السهولة، ذلك أن الصورة المختلطة لدي الرأي العام الأمريكي، والتي يقودها التوجه الرسمي بشقيه الإعلامي والحكومي، إلا أن الأول يتصور الحرب بين أقلية دينية ونظام سياسي، في ظل تدخل إقليمي قتل وتسبب في الكثير من الضحايا المدنيين، ويلقي عليها الضوء أكثر بكثير من الضحايا الذين سقطوا ويسقطون على أيدي الانقلابيين.
وتذكر في ختام حديثها أن الدبلوماسية اليمنية لم تدعم جهود الناشطين السياسيين والفاعلين والأكاديميين الموالين للشرعية، وظل الجهد الفردي يشق طريقا صعبا للوصول إلى مشرعي الكونجرس والإعلام الأمريكي، لإيصال وجهة النظر المضادة للانقلاب، خاصة في ظل دعمها عبر الصمت عن انتهاكاتهم.