تسببت الحرب الدائرة في اليمن، منذ أواخر مارس من العام 2015، في مضاعفة معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصا بعد أن غادرت عشرات المنظمات التي كانت ترعى الآلاف منهم.
ولم تقتصر الحرب على مضاعفة معاناتهم، بل أَضافت لشريحتهم آلاف المعاقين، الأمر الذي جعل ما تبقى من المنظمات التي لا تزال تصارع من أجل البقاء عاجزة عن استيعابهم وتقديم خدماتها لهم.
يفيد الصندوق الوطني لرعاية وتأهيل المعاقين أن الحرب الدائرة في البلاد خلّفت 5 آلاف معاق حركيا إلى الآن، متوقعا ارتفاع الأعداد خلال فترة القادمة.
وكان الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين قد أكد في وقت سابق أن أكثر من 350 مركزاً ومنظمة ومعهد خاص توقف في اليمن بعد نشوب الحرب وانقطاع الموارد.
مراسلة "الموقع بوست" التقت بعدد من المعاقين والمؤسسات المختصة في هذا الشأن لتنقل للعالم صورة لمعاناة هذه الشريحة التي تشكل 12% من إجمالي السكان في اليمن وتعيش خارج دائرة الاهتمام المحلية والعالمية.
تضاعف الإعاقة
الشاب محمد صالح حسن الخولاني يبلغ من العمر 25 سنة، معاق حركيا من بعد ولادته بعام، يأمل بأن تتوقف الحرب التي جعلت من إعاقته وزملائه إعاقة مضاعفة.
يؤكد محمد الخولاني لـ"الموقع بوست" أن معاناته وزملاءه في الصندوق الوطني للمعاقين بسبب الحرب تضاعفت، مشيرا إلى أن قلة وشحة موارد الصندوق ضاعفت من معاناتهم، وأصبح المعاقون الذين يحتاجون للأدوية في وضع مأساوي.
وأكد الخولاني أن استيراد الأدوية أصبح شبه مستحيلا، مشيرا إلى أن الأدوية الضرورية يتم استيرادها عن طريق المسافرين وفاعلي الخير وأحيانا تتأخر كثيرا، لافتا إلى أن صعوبة الحصول على الدواء للمعاقين دفع ما يقرب من 85% إلى التوقف عن تناول الأدوية.
وتطرق الخولاني في حديثه لـ"الموقع بوست" إلى موضوع المعاقين المصابين بالتصلب اللوحي، مشيرا إلى أنهم أكثر شريحة تعاني من انقطاع الدواء عنها، كون الأدوية الخاصة بهم خاصة، وتحتاج إلى ظروف خاصة كحفظها في درجة حرارة معينة، كونها حساسة.
وحول أسعار أدوية المصابين بالتصلب اللوحي، أفاد الخولاني أن قيمة الإبرة الواحدة يتجاوز 75 ألف ريال، والبديل عنها تصل أسعار إلى 35 ألف ريال.
وأضاف: "هذه الأدوية ضرورية جدا لمريض التصلب اللوحي، وفي حال لم يستخدمها، قد يتحول إلى جثة هامدة"، داعيا كل المنظمات الفاعلة ومن لهم الرأي والسلطة إلى أن ينظروا إلى هذه الحالات بعين العطف والرحمة.
أتمنى أن تتوقف الحرب
الشاب محمد خالد يبلغ من العمر 22 عاما، معاق في رجليه، طموح وصاحب موهبة، لم تقف الإعاقة أمام حلمه بالتعليم ومواصلة دراسته الجامعية، حيث تخرج العام المنصرم من كلية التجارة والاقتصاد قسم المحاسبة.
أكد محمد في تصريح لـ"الموقع بوست" أن الحرب ضاعفت معاناتهم في جميع الجوانب، وخاصة بعد إعلان العديد من المنظمات إغلاق أبوابها، مضيفا أن الأدوية هي أكثر المواضيع التي أرقت المعاقين بسبب عدم توفرها، أو غلاء أسعارها.
وأبدى الشاب محمد خلال حديث تفاؤله، مؤكدا أن إعاقته لن تقف عائقا أمامه في الحصول على عمل في مجال تخصصه، لكنه تمنى في نفس الوقت أن تتوقف الحرب لكي تفسح له المجال في تحقيق طموحاته.
مسلسل طويل من المعاناة
تقول المديرة التنفيذية لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين، نوال المروني، إن الحرب تسببت ولا تزال في الكثير من الآلام والمعاناة لذوي الاحتياجات الخاصة في صنعاء وبقية المحافظات.
وأوضحت المروني في تصريح لـ"الموقع بوست" أن عدد المعاقين بسبب الحرب بلغ 5 آلاف معاق وما خفي كان أعظم.
وتوقعت أن تشهد الأيام القادمة توافد أعداد كبيرة إلى الصندوق وباقي المؤسسات، من القرى والأرياف، التي تشهد مواجهات، لأن الحرب لا تزال تسحق الآلاف وتخلف العشرات من المعاقين حركيا.
وأشارت المروني إلى أن 92 ألف معاق، وفقاً لإحصاءات الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين، يحتاجون للرعاية، موزعين في عدد من المؤسسات المختصة ومسجلة لدى الصندوق الوطني، مشيرة إلى أن العشرات من المؤسسات الراعية لذوي الاحتياجات الخاصة أبلغت الصندوق أنها لا تستطيع مواصلة عملها بسبب الأزمة المالية، الأمر الذي يسبب ضغطا كبيرا لها.
وأفادت المروني أن أكثر من 40% من المنظمات المهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة أغلقت أبوابها، وما تبقى منها تواجه عجزا كبيرا، والعديد منها في طريقها للإغلاق.
وأكدت المروني أن الصندوق الوطني يعاني من شحة كبيرة في النفقات، بعد توقف الشركات التي يوجد له أسهم فيها مثل مصنع إسمنت عمران الذي كانت تصله منه إيرادات مهولة.
ودعت المروني خلال حديثها لـ"الموقع بوست" كافة المنظمات العاملة في مجال الصحة والتعليم، مثل اليونيسيف والصحة العالمية، إلى توفير أدوية للمعاقين ومرضى الصرع التي لا يستطيع المركز شراءها نظرا لشحة موارده المالية.
الحرب زادت من متاعبهم
مديرة مؤسسة "خذ بيدي"، لذوي الاحتياجات الخاصة، إيمان الآنسي، أكدت هي الأخرى أن المعاقين يعانون أشد معاناتهم بسبب استمرار الحرب وتوقف معظم الجهات الداعمة.
وقالت الآنسي في تصريح لـ"الموقع بوست" أن المؤسسة ترعى 1300 معاق بشكل ثابت، حيث يعتمدون جميعا اعتمادا كليا على دعم المؤسسة، مشيرة إلى أن هذا العدد الكبير يخشون من توقف المؤسسة عن العمل بسبب شحة الموارد المالية وانقطاع الدعم من العديد من الجهات.
وتحدثت الآنسي عن عجز المؤسسة عن توفير سماعة أذن لطفلة لديها إعاقة سمعية رغم أن حالتها المرضية تتوجب توفيرها.
ودعت المنظمات الحقوقية والإنسانية وفاعلي الخير لإنقاذ مؤسسة "خذ بيدي"، وعشرات من المنظمات من الإغلاق، محذرة من كارثة قد تصيب ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يشكلون نسبة كبيرة في شرائح المجتمع اليمني.