وضع الحوثيون منذ بداية تمردهم على سلطة الدولة قبل أكثر من عشر سنوات أعينهم على محافظة حجة، المحاذية لمحافظة صعدة، وكذا على الحدود مع المملكة العربية السعودية، والتي تمتد أيضا إلى البحر الأحمر غربا، ما جعل منها هدفا إستراتيجيا للعصابة المتمردة ذات الأجندة الطائفية المرتبطة بمخططات نظام الملالي الطائفي في طهران.
 
وبناء على ذلك التوجه الإستراتيجي، مضت الجماعة في تنفيذ برامج السيطرة على هذه المحافظة المهمة بالنسبة لمخططهم، على مراحل وفي عدة اتجاهات، ابتداءً من بسط نفوذهم الاقتصادي من خلال شراء الأراضي الواسعة في المنطقة الخضراء بين ميدي وحرض، والتي استخدمت لأغراض عديدة خدمت الميليشيات كما ذكرنا بالتفصيل في تقرير سابق، وصولا إلى إنشاء مركز لإدارة أعمالهم غير المشروعة في شمال الشمال، وتحديدا في منطقة "أبودوار" التابعة لمديرية مستبأ بمحافظة حجة، لتنفيذ مخططاتهم.
 
وفي هذه المساحة، يسلط "الموقع بوست" الضوء على لغز "أبو دوار"، بمحافظة حجة، في محاولة لكشف بعض أسرار مركز عمليات المليشيات التي أنشأته لبسط سيطرتها على المنطقة الممتدة من صعدة وحتى البحر الأحمر.
 
الأهمية الجغرافية لموقع "أبو دوار"
 
تقع منطقة "أبو دوار" في قلب مديرية مستبأ، التابعة لمحافظة حجة، وتحيط بها جبال حجور الشاهقة من كافة الاتجاهات، يحدها من الشمال وشحة وحرض الحدودية، كما تحيط بها مديريات كشر وخيران المحرق وعبس وحيران من باقي الاتجاهات.
 
وتمر من منطقة "أبو دوار" طريق فرعية تنفذ من بين الجبال مباشرة إلى محافظة صعدة وتحديدا "الملاحيظ" المتصلة بمنطقة مران مباشرة.
 
وتزداد أهمية "أبو دوار"، مع قربها من الحدود الشمالية والغربية لليمن مع المملكة العربية السعودية، إلى جانب كونها تعتبر مسقط رأس الرجل الثاني في قيادة الجماعة يوسف المداني، وهو الأمر الذي سهل لهم مهمة الدخول إليها وفرض سيطرتهم عليها بالقوة، بعد أن جلبوا أكثر من 1000 مسلح إليها في 2011، تحت مبرر حماية القيادي يوسف المداني.
 
بداية غامضة ومفاجئة
 
فوجئ الأهالي في منطقة "أبو دوار" ومديرية مستبأ بشكل عام، مع نهاية 2011، بقدوم القيادي الحوثي يوسف المداني، والذي يعتبر صهر مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، إلى المديرية بصحبة ما يزيد على ألف عنصر من مليشيات الجماعة من صعدة للسيطرة على مركز المديرية، وحينها تمركز المسلحون في عدد من المدارس والمراكز الصحية بالقوة.
 
وقال تقرير صادر عن فريق حقوقي زار المنطقة بداية 2012 إن المسؤول عن تلك المجاميع المسلحة حينها، أبو يحيى المطري، والذي عين فيما بعد وكيلا لمحافظة حجة لشؤون الدفاع والأمن، قال في رده على تساؤلات الفريق عن سبب مجيئهم للمنطقة ما نصه: "جئنا لحماية منزل المداني (صهر زعيم الحوثيين)، ونشر أفكارنا سلمياً، ولم نجد معارضة من أبناء مستبأ".
 
وبالرغم من هذا التبرير، إلا أن المليشيات مارست منذ وصولها أساليب قمعية بحق المواطنين في مركز مديرية مستبأ، من خلال الاعتداء والاعتقال لكل من يعترض عليهم، فضلا عن مصادرة مؤسسات الدولة، وطرد مسؤوليها منذ وصولهم، وهو ما كشف عن نواياهم الحقيقية وتوجهاتهم الجادة في جعل المنطقة مركزاً مهماً لإدارة وتنفيذ خططهم الميليشاوية على المدى القريب والبعيد سواء مع الدولة أو المعارضين لهم من المواطنين وكذا دول الجوار، وهو ما تحقق بالفعل.
 
تواطؤ رسمي
 
يذكر الدكتور رياض الغيلي، صاحب بحث "التنظيم السري للهاشمية السياسية"، أن اتفاقاً سرياً تم بين المخلوع صالح والتنظيم عبر اللواء يحيى الشامي إبان ثورة الشباب السلمية، وقبل اقتحام الحوثيين مستبأ قضى بتسليم محافظتي صعدة وحجة للحوثيين، وعلى إثره تم تكليف قائد الجماعة يوسف المداني بالسيطرة الميدانية على محافظة حجة، حيث انطلق على رأس حملة مسلحة إلى مسقط رأسه في منطقة أبو دوار بمديرية مستبأ، وهناك اتخذ من منزلهم القديم مركزاً للقيادة العسكرية، حيث مثلت تلك الخطوة والاتفاق أولى خطوات التواطؤ الرسمي معهم.
 
وبحسب صحيفة أخبار اليوم فقد غادر مدير المديرية محمد العلوي منها بمجرد وصول المداني لمستبأ دون مقاومة أو اعتراض تمهيداً لإسقاطها بأيديهم، كما أن قيادة محافظة حجة حينها لزمت الصمت إزاء هذه التحركات المسلحة التي تمثل تنفيذا للاتفاق بين صالح والحوثيين، وبما يمكنهم من الانطلاق للسيطرة على المحافظة بشكل عام.
 
تطور نوعي لدور المنطقة
 
تطور دور منطقة "أبو دوار" تطورا نوعيا، خلال فترة وجيزة من دخول مليشيات الحوثي إليها، حيث تحولت إلى مركز تدريب لعناصرهم من مختلف مديريات حجة، وبعد ذلك خاضت المليشيات حرباً مع قبائل حجور امتدت لأشهر في إطار سعيهم للسيطرة على جبال كشر وقارة ووشحة المطلة على حرض وميدي وعبس الحدودية والمهمة، غير أنهم فشلوا في ذلك، وظلوا يسيطرون على مستبأ وما حولها، ليقفزوا بنفوذهم مباشرة وفي أقل من عامين للسيطرة على زمام الأمر بمركز المحافظة.
 
انتهاكات بالجملة
 
بدأت مليشيات صعدة منذ وصولها إلى مستبأ في مصادرة عدد من المرافق الحكومية لتتمركز فيها، حارمين المواطنين من التعليم والصحة وغيرها.
 
وبعد ذلك، فرضت المليشيات إتاوات على أبناء مديرية مستبأ بالقوة، إلى جانب أعمال القمع والتهديد لكل من يعارضهم، ثم توسعت بعد ذلك انتهاكاتهم لتشمل أبناء حجور بشكل عام، حيث تنوعت تلك الانتهاكات بين القتل المباشر والتهجير والنزوح لعشرات الآلاف، وكذا زراعة الألغام التي ذهب ضحيتها المئات ما بين قتيل ومعاق، في حين لا تزال تلك الألغام تهدد حياة السكان حتى اليوم.
 
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن الحوثيين عمدوا إلى قطع الطريق، وخلق الخوف بدلاً من الأمن، كل ذلك من أجل أن يحكمون قبضتهم على المنطقة بقوة السلاح.
 
ورغم التحذيرات التي أطلقها قبليون بمديرية كشر حينها من مغبة تمادي الحوثيين في غيهم وغض النظر عن تصرفاتهم الهمجية، إلا أن تلك التحذيرات لم تلق آذانا صاغية.
 
مركز استراتيجي
 
ومع بداية الانقلاب الحوثي في نهاية 2014 على السلطة، بدأ الحوثيون في فتح جبهات الحرب الداخلية والخارجية، فكانت منطقة "أبو دوار" أحد أهم المراكز التي انطلقت منها الميليشيات لفتح جبهات قتال مع الجيش السعودي، لتتحول هذه المنطقة إلى مركز إستراتيجي لإدارة مواجهاتهم المسلحة مع السعودية.
 
كما استقبلت المنطقة الآلاف من مقاتلي الجماعة القادمون من حجة وعمران وصعدة وغيرها، والذين كان يتم تفويجهم إلى الحدود السعودية للمشاركة في المعارك مع القوات السعودية.
 
وهذا الدور جعل من منطقة "أبو دوار" محط اهتمام كبير من قبل قيادات جماعة الحوثي، حيث قام عدد من قيادات الصف الأول في الجماعة بزيارات مكثفة للمنطقة، وفي مقدمتهم رئيس ما يسمى "اللجنة الثورية" محمد علي الحوثي الذي زارها أكثر من مرة تأكيداً على أهمية المركز بالنسبة لهم.
 
الخداع من أجل التوغل
 
نجحت مليشيات الحوثي في خداع وتضليل العديد من الأطراف والشخصيات السياسية لتحقيق أهدافها التوسعية، وحول هذا يقول أمين عام محافظة حجة السابق أمين القدمي إن "الحوثي استغل الأزمة التي مرت بها اليمن وقرر التوغل داخل المحافظة، وكانت أول خطوة يقوم بها هي إرسال يوسف المداني برفقة مجموعة مسلحين إلى منطقة أبو دوار حيث منزل والده".
وأضاف القدمي أن "دخول المداني بطريقة مسلحة أثار حفيظة أبناء المحافظة"، منوهاً إلى أن بعض قيادات المحافظة كان طرحهم على "أنه لا داعي للدخول مع المداني في مواجهة، خصوصاً وأنه -أي المداني- جاء ضيفاً يزور منزل والده لا أقل ولا أكثر".
 
وتحدث القدمي عن تلقيهم بلاغات وشكاوى تفيد بوجود ممارسات واعتداءات على المواطنين من قبل عناصر الحوثي، والتي وصلت حد منع الناس من الصلاة في المساجد، مؤكداً أن إمكانات السلطة المحلية أمنياً وعسكرياً أقل بكثير من إمكانيات الحوثي الذي يسيطر على مديرية مستبأ ويقطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى بقية المديريات وهو ما جعلهم يقفون عاجزين عن فعل شيء يضمن حماية وأمن وسلامة المواطن.
 
 وقال القدمي إنه تواصل مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح والرئيس الحالي عبدربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر الذي كان حينها قائدا للمنطقة الشمالية الغربية، إلا أنهم طلبوا منهم في قيادة المحافظة عمل أي مخرج يساعد على تهدئة الأوضاع، دون أن يقدموا لهم أي عون.
 
استغلال الأحداث
 
ومن أجل التوسع استغلت جماعة الحوثي الأوضاع السياسية التي سادت عام 2011، لتتخاطب مع كل طرف بما يتناسب معه ويحقق هدفها الإستراتيجي، وفي هذا الشأن نقل الفريق الإعلامي والحقوقي الذي زار المنطقة حينها ما أكده وكيل محافظة حجة إسماعيل المهيم، والذي قال: "لقد حاول الحوثيون مغازلة الثوار بداية الثورة وقالوا لهم نحن معكم ثم انقلبوا عليهم وغالطوا المشترك بداية دخولهم إلى محافظة حجة بالقول نحن جميعاً هدفنا إسقاط النظام وسنعمل على إسقاطه أولاً في هذه المنطقة ورفع يد الدولة منها، في حين كانوا يقولون لبعض قيادات المؤتمر الشعبي العام أنهم جاؤوا لمقاتلة الإصلاحيين وإذا بهم يبدأون بالمؤتمر قبل غيره".
 
وأكد وكيل المحافظة المهيم المنتمي إلى مديرية مستبأ أن أبناء المديرية رفضوا بأن تتخذ مديريتهم قاعدة للحوثيين، إلا أن المليشيات القادمة من صعدة نجحت في تحويلها إلى مركز مسلح يدير المعارك الحدودية من الخلف وسط الجبال، وبعيدا عن الأنظار.