[ حسم معركة الساحل الغربي ستؤثر على مجريات الصراع باليمن ]
تستمد معركة تحرير الساحل الغربي لليمن من سيطرة الميليشيات الانقلابية أهميتها من كونها ستؤثر على مجريات الصراع في الداخل من جهة، وتمثل استباقاً لأي تدخل دولي محتمل والتأثير عليه من خلال تحييد أهمية مضيق باب المندب حتى لا يكون بوابة للتدخل الدولي من جهة أخرى.
وتأتي الخشية من التدخل الدولي بغرض السيطرة على مضيق باب المندب بذريعة حماية أهم طرق التجارة الدولية المارة من خلاله، خاصة أن هناك تحولات جديدة يشهدها العالم تنذر بصراع كارثي، تتمثل أهم هذه التحولات في التقارب بين روسيا وأمريكا على حساب القضايا العربية الساخنة، واستعادة روسيا لنفوذها في البلدان التي امتد نفوذها إليها إبان الحقبة السوفيتية، وأيضاً استعادة إيران لنفوذها في المناطق التي امتد نفوذها إليها إبان حقبة الإمبراطورية الفارسية قديماً، وما ينطوي عليه كل ذلك من مؤشرات صراع مستقبلية قد تتحول إلى حرب عالمية شاملة يكون مسرحها العالم العربي.
وتهدف معركة تحرير الساحل الغربي إلى تأمين مضيق باب المندب الاستراتيجي، وفرض المزيد من الحصار على الميليشيات الانقلابية، خاصة ما يتعلق بمسألة تهريب السلاح، وتجارة استيراد المشتقات النفطية، التي أصبحت حكراً على قيادات الانقلاب، وبالتالي، سيؤثر ذلك بشكل مرحلي على المواجهات العسكرية في مختلف الجبهات.
وتزامنت معركة تحرير الساحل الغربي -التي تولت مهمتها المنطقة العسكرية الرابعة، وإشراف وقيادة الرئيس عبد ربه هادي، ومشاركة دول التحالف العربي- تزامنت مع تصعيد عسكري في جبهات صعدة والجوف وشبوة ونهم، المطلة على مشارف العاصمة صنعاء. فيا ترى، ما الذي يعنيه هذا التصعيد في مختلف الجبهات؟ وإلى أي مدى سيؤثر ذلك على مجريات الأزمة اليمنية، والدور الخارجي، خاصة الدور المساند للانقلابيين؟
- دلالة التوقيت
لعل الدلالة الأهم في ما يتعلق بتوقيت المعركة، تلك التي تؤكد بأن الضغوط الدولية، خاصة الأمريكية، على دول التحالف العربي والسلطة الشرعية، والتي تحول دون الحسم العسكري، وتدفع باتجاه الحل السياسي، هي ضغوط حقيقية، وليست مجرد تحليلات للمراقبين والمتابعين.
ويعني ذلك أن التصعيد العسكري في الساحل الغربي، بالتزامن مع التصعيد في أهم الجبهات في الداخل، يأتي في وقت ينشغل فيه المجتمع الدولي عن الأزمة اليمنية، وبالتالي، فإن ذلك يمثل فرصة ثمينة للتحالف العربي والسلطة الشرعية لتحقيق تقدم سريع على الأرض، حتى يتم الحسم العسكري أو يعلن الانقلابيون استسلامهم، أو على الأقل ترجيح كفة الصراع لصالح السلطة الشرعية خلال المرحلة المقبلة، في حال عاود المجتمع الدولي ضغوطه التي تحول دون الحسم العسكري.
ويتمثل انشغال المجتمع الدولي عن الأزمة اليمنية في التالي: الولايات المتحدة الأمريكية مشغولة بانتقال السلطة من الرئيس باراك أوباما إلى الرئيس الجديد دونالد ترامب، ومنظمة الأمم المتحدة مشغولة بترتيب وضعها الجديد بعد تغيير أمينها العام، وروسيا مشغولة بترتيب الوضع في سوريا بعد معركة حلب واتفاقها مع تركيا بشأن وقف إطلاق النار في سوريا، والتمهيد للحل السياسي هناك.
وبخصوص إيران، الداعم الرئيسي للانقلابيين، فهي حائرة بعد الاتفاق الروسي التركي بشأن وقف إطلاق النار في سوريا والترتيب لعملية سياسية بين نظام الأسد وفصائل المعارضة المعتدلة، حيث ترى إيران أن الاتفاق همشها، وتخشى من تمدد النفوذ الروسي في سوريا والمنطقة على حسابها، خاصة وأن روسيا حصدت التضحيات الإيرانية وتضحيات الميليشيات الموالية لها في اللحظات الأخيرة، بالإضافة إلى أنها -أي إيران- تترقب السياسة الجديدة للرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، إزاءها، لا سيما وأن تصريحاته حيالها أثناء حملته الانتخابية كانت متشددة.
- تأثير المعركة
لا شك أن لمعركة تحرير الساحل الغربي لليمن تأثير كبير على مختلف الجبهات في الداخل، كون ذلك سيربك الميليشيات الانقلابية، وسيجعلها تقوم بسحب جنود وعتاد من الجبهات الأخرى بغرض تعزيز مقاتليها في الساحل الغربي، وسيسهم ذلك في تخفيف الضغط على الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في الجبهات الأخرى، وإذا تم التخطيط بدقة لاستثمار هذه التطورات، فإن ذلك سيجعل الميليشيات الانقلابية تنهار سريعاً، وستكون معركة الحسم قصيرة جداً.
وتتميز جبهة تحرير الساحل الغربي لليمن عن غيرها من الجبهات في الداخل أنها ستكون الأكثر استنزافاً للانقلابيين، ذلك أن الطبيعة الجغرافية للمنطقة تتسم في الغالب بأنها سهلية، ولا توجد فيها مرتفعات جبلية تساعد الميليشيات الانقلابية على التمترس خلفها وإعاقة تقدم قوات الجيش الوطني إلا بشكل محدود، كما أن تحركات العتاد العسكري ومجاميع الميليشيات في هذه الجبهة ستكون مكشوفة تماماً أمام طائرات التحالف العربي، ما يعني أنها بالفعل ستكون جبهة استنزاف قاتلة للميليشيات الانقلابية.
وخلال المرحلة الماضية، كثفت الميليشيات الانقلابية من حشد المقاتلين والعتاد العسكري إلى المواقع العسكرية في الساحل الغربي، كونها تمثل الشريان الحيوي للميليشيات الانقلابية، اقتصادياً وعسكرياً، فمن هناك يتم تهريب السلاح، واستيراد المشتقات النفطية والمواد الغذائية والأدوية وغيرها، واحتكر قادة الانقلاب تجارة الاستيراد، وأسسوا شركات للتجارة والاستيراد والتوكيلات في العاصمة صنعاء، وعرقلوا عمل الشركات الأخرى، وحققوا ثراءً سريعاً خلال فترة قصيرة.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد عملية "عاصفة الحزم" قام الانقلابيون بتسريح كافة الجنود الذين كانوا مرابطين في المواقع العسكرية والألوية الواقعة بالقرب من مضيق باب المندب وفي مدينة المخاء وغيرها من المدن الساحلية الغربية، وذلك لأنهم ينتمون إلى محافظات مختلفة، خاصة تعز وإب ومحافظات جنوبية، وكونهم من المحسوبين على اللواء علي محسن الأحمر، لأن هذه الألوية كانت تابعة للمنطقة العسكرية الغربية التي كان يقودها اللواء على محسن الأحمر قبل هيكلة الجيش، وأبقى الانقلابيون على الجنود والضباط المنتمون إلى محافظات عمران وذمار وصنعاء، ونقلوا ألوية تابعة لما يسمى "الحرس الجمهوري" وميليشيات قبلية، بغرض تعزيز سيطرتهم هناك.
- فرصة ذهبية
التطورات المتسارعة في الساحل الغربي لليمن، وتمكن قوات الجيش الوطني، مسنودة بطائرات دول التحالف العربي، من السيطرة على عدة مواقع بالقرب من مضيق باب المندب، خاصة معسكر العمري، والتقدم صوب مدينة المخا، وسط فرار لما تبقى من الميليشيات الانقلابية، وفقاً لمصادر عسكرية، كل ذلك يعني أنه في حال توفرت الإرادة والتخطيط للحسم العسكري فإن ذلك أمراً ممكناً بكل سهولة وبأقل التكاليف، وأن الميليشيات الانقلابية لم تعد تتمتع بالقوة العسكرية التي تمكنها من ترجيح كفة الصراع لصالحها.
وإذا كانت الميليشيات الانقلابية تمتلك بالفعل القوة العسكرية المؤثرة على الأرض، فإنها لن تظل في موقع الدفاع في مختلف الجبهات منذ أكثر من عام، وستفرض سيطرتها بالقوة على كل أو معظم الأراضي اليمنية.
وأخيراً، تشكل المرحلة الحالية فرصة ذهبية لدول التحالف العربي والسلطة الشرعية لتكثيف الحرب ضد الانقلابيين حتى يتم الحسم، كونها مرحلة ينشغل فيها المجتمع الدولي عن الأزمة اليمنية، وهي فرصة لن تتكرر مرة أخرى، وتعد الأنسب للحسم العسكري، والقضاء على الانقلاب.