[ صورة جماعية للحكومة التي شكلها الحوثيين ]
مرَ العام 2016م ثقيلاً على الانقلابيين في اليمن، متبلوراً نحو أساليب بقدر ما أظهرت التخبط أظهرت محاولتهم الظهور بمظهر المسيطر الفارض لشروطه والمهيمن على قرار انهاء الحرب من عدمه.
أظهر طرفا الانقلاب أنهما يعملان بشكل مختلف عن الآخر في تحالف محدود الزمن والأهداف، وهو ما ظهر واضحاً جلياً في خلافاتهم المستمرة طوال العام، فمع فشل إجراء مشاورات بييل "سويسرا" يناير/كانون الثاني كان الطرفين يريدان أن يثبتا أنهما ليسا وافداً واحداً، وتبرأ علي عبدالله صالح مراراً من سياسة الحوثيين لإدارة المحافظات الواقعة تحت سيطرتهما، كما أظهر الحوثيون مراراً أنهم يستخدمون "صالح" لترسيخ جذورهم في مؤسسات الدولة.
ولذلك كانت اجتماعات خارجية عديدة يظهر الحوثيين فيها فقط دون ممثلين عن المؤتمر الشعبي العام، بالرغم من ذلك فقد مثل الهدف المشترك والضربات المشتركة الموجهة لطرفي الانقلاب عاملاً مؤثراً في بقاءهما متحدين كما في24 فبراير/ شباط، عندما وافق مجلس الأمن الدولي على قرار بالإجماع على تمديد العقوبات التي فرضها على الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وأقاربه، وجماعة الحوثي المسلحة، عاماً كاملاً، بموجب القرار (2216).
لكن التطور الأبرز في تحلفها كما هو التطور الأبرز في الحرب بشكل عام، كان النقلة النوعية في (مارس/ آذار) الذي على الحدود، عندما توجّه وفد للحوثيين من محافظة صعدة عبر منفذ علب، إلى مدينة ظهران الجنوب السعودية، لعقد لقاءات مباشرة مع الجانب السعودي، لينتج الاتفاق الأهم والذي يعتمد عليه برنامج الأمم المتحدة للسلام في اليمن، فقد أعلن عن اتفاق (10 ابريل/نيسان) أو اتفاق (ظهران الجنوب) .
ونجحت فعلاً في الأسابيع الأولى بتطبيق الهدنة في المناطق الحدودية، كما نجحت أكثر في عملية لتبادل أسرى، سلم الحوثيون خلالها نحو 10 جنود سعوديين، وتسلموا العشرات من مسلحي الجماعة الأسرى لدى الجيش السعودي، وآخرين قال الحوثيون إنهم أُسروا في جبهات القتال الداخلية باليمن، إلى جانب نزع الألغام.
وقام الحوثيون خلال مدة طويلة من الهدنة بنزع تلك الألغام، وكان اللافت أن صالح لم يعلم بتلك التطورات إلا عبر وسائل الإعلام، وهو ما أثار غضبه بشكل مستمر، وكانت أول نقطة سوداء تظهر في تحالفهما للعلن.
مشاورات الكويت
حط وفد الحوثي/صالح في مطار الكويت ومروا على السجاد الأحمر، ليبدوا طوال المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة في (21 ابريل/ نيسان) واستمرت حتى (أغسطس/ آب) في تقديم أنفسهم دولياً واجتهدوا لعقد لقاءات مع السفراء والمبعوثين الأوروبيين والغربيين إلى جانب العرب والخليجيين، وانطلقت بمشاركة 14 عضواً لكل طرف، واستمرت المشاورات لما يزيد عن ثلاثة أشهر، وصلت أحياناً إلى وقف العمل والتنفيذ، حتى تحركها مجموعة السفراء 18 الذين يعملون بالقرب من مكان المشاورات، إضافة إلى تدخل أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، وفي 22 مايو/ آيار، تدخل أمير قطر تميم آل ثاني لإعادة الوفد الحكومي للمشاورات بعد أن أوقف مشاركته خمسة أيام.
وتخبط الحوثيون وصالح بشأن الاعتراف واللا اعتراف بحركتهم الانقلابية وبالسلطة الشرعية، وفي معظم الأوقات كان الحوثيون يوافقون على بعض المواضيع، وما يلبثوا أن ينقضوها في اليوم التالي، كما قال دبلوماسيون.
و حصل الحوثيون خلال المشاورات على ما يشبه "اعتراف غربي"، وتمكنوا من ترويج مشاريعهم دولياً؛ وقدم الطرفان وجهة نظرهما للحل في البلاد، وفي 30 يونيو/ حزيران، عُلقت المشاورات مدة 15 يوماً بسبب عيد الفطر، وقال المبعوث الدولي، حينها، إنه قدم رؤية أعدها من خلال المشاورات بالتوفيق بين رؤيتي الوفدين، تتضمن شقاً سياسياً بتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة مختلف الأطراف، وشقاً أمنياً يتعلق بانسحاب الحوثيين وحلفائهم من صنعاء ومدن أخرى، بصورة متزامنة ومتسلسلة في آن واحد.
لكن الحكومة اليمنية رفضتها فور سريان الحديث عنها، فيما تمنع الحوثيون ثم وافقوا، وقام المبعوث بتعديلها لتصبح رؤية الحل الأمني قبل الحديث عن السياسي وهو ما رفضه الوفد الحوثي بشكل قاطع.
وخرج الحوثيون من مشاورات الكويت دون تحقيق انتصار سياسي، لكنهم حققوا لقاءات دولية عديدة، وقد تكون تلك هي النقطة الأبرز بحصولهم على ضوء أخضر بالتحرك، نحو تشكيل مجلس سياسي حتى قبل انتهاء مشاورات الكويت بأيام.
المجلس السياسي وحكومة الحوثيين
قبل الإعلان عن انتهاء مشاورات الكويت وفي 28 يوليو/ تموز، وقّع الحوثيون وحزب صالح، لأول مرة، اتفاقاً يتضمن تشكيل "مجلس سياسي أعلى" يدير المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، ويتألف من عشرة أشخاص، بالمناصفة بين الجماعة والحزب، على أن يتم تبادل الرئاسة بين الشريكين وأعلن عن "الصماد" رئيساً.
ولم يحظ المجلس بأي اعتراف دولي أو محلي، وبعدها جرى عقد مجلس النواب (البرلمان) بعد أن تم حلّه من قبل اللجنة الثورية للحوثيين في فبراير/ شباط 2015م.
وأنعقد المجلس في 13 أغسطس/آب بلا صيغة قانونية أو دستورية، حتى بدون نصاب مكتمل، وحشدوا للمقاعد الفارغة أفراداً من الحوثيين ليكونوا أعضاء للمجلس خلال تلك الساعات الوجيزة، ومثل إعلان المجلس مصدراً لشرخ جديد بين تحالف الحوثي/ صالح، وأعلن بشكل واضح أن "صالح" شريك فيما يرتكبه الحوثيون في البلاد، وهي الدائرة التي نفى صالح مراراً أن يكون جزء منها، ومثلت اللجنة الثورية مصدراً مزعجاً للتحالف فعودة العمل بالدستور (كما جاء في إعلان العمل بالمجلس) يزحزح اللجنة من العمل، وبذلك اندلعت أعمال سخط بين الموالين لـ"صالح" والحوثيين في المؤسسات الواقعة تحت سيطرتهم.
تأخر المجلس في تسمية حكومته التي ارتقبها أنصار الطرفين، ومع زيادة الشقاق والخلاف بين "صالح" و "الحوثي" بشأن التعيينات العسكرية والهيمنة الأمنية، أعلن الحوثيون في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني عن حكومة يديرها "عبدالعزيز بن حبتور" مناصفة مع حزب الرئيس اليمني السابق، وأعلنت عن حكومة مكونة من 44 حقيبة وزارية كأعلى عدد في الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ قيام الجمهورية اليمنية.
وقدم بن حبتور وفريقه برنامجهم إلى مجلس النواب الذي أعاد الحوثيون والمجلس تفعيله، في وقت أدان المجتمع الدولي والإقليم تشكيلها، واعتبرها ولد الشيخ عراقيل إضافية للسلام في البلاد.
وينص البرنامج على كون الحكومة هي لـ"إدارة الحرب"، وإخراج واردات للجماعة بعد نقل البنك المركزي اليمني في سبتمبر/ أيلول من صنعاء إلى عدن.
وسعت الحكومة الجديدة بعد تشكلها في مراسلة دول العالم من أجل الحصول على اعتراف لكن دون جدوى وأنتهى العام فيما الموظفون الحكوميون بدون رواتب بعد أفرغ الحوثيون خزينة البنك المركزي قبل نقله، وقال صالح: "إن لا علاقة له بنهب ذلك المال"، وبذلك انتهت كل آمال السلام مع الحوثيين وصالح وبقي الخيار العسكري وحده المسيطر.
الانقلاب والاعتراف الدولي
لم تعترف أي دولة بالحوثيين، ومع ذلك حصلوا على استشارات مجانية من دبلوماسيين أجانب، كما أن التواصل مع الجماعة من قبل سفراء أوروبيون إلى جانب روسيا جعلهم يظهرون بمظهر المنتصر القوي، وبدون ذلك التأييد الغربي ما كان الحوثيون سيصمدون طويلاً في الحرب.
وكان للقاءات الحوثيين في مشاورات الكويت الأثر الأكبر في كسر عزلتهم الدولية في صنعاء التي عاشوها خلال عام 2015م، فقد التقوا معظم الدبلوماسيين والممثلين للدول.
كما استقبلهم أمير الكويت والمسؤولين الكويتيين أكثر من مرة، وتمكن الحوثيون من ارسال وفود إلى إيران ما يقرب من (8) وفود خلال العام إضافة إلى وفود إلى الجزائر وتونس والعراق.
وفي (16 أغسطس/آب)، حضر القائم بأعمال السفارة الروسية في صنعاء حفل المجلس السياسي في صنعاء كما حضر ممثل للأمم المتحدة، إلى جانب ذلك تلقى الحوثيون إرشادات من الدبلوماسي الروسي كما تشير وثائق لتلفزيون بلقيس من اجتماعات الحوثيين بالمسؤول. و28أغسطس/آب وصل وفد المشاورات التابع للحوثيين إلى بغداد.
بعد وصول وفود سابقة إلى طهران، وفي 30 أغسطس/آب والأول من سبتمبر/أيلول استقبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وفد "الحوثي" الذي يرأسه شقيق زعيم الجماعة يحيى بدر الدين الحوثي.
وألتقى الوفد بوزير الخارجية العراقي ومسؤولين في البرلمان إلى جانب لقاءات مكثفة مع قيادات طائفية في وقت كانت الأمم المتحدة تسعى لاستئناف المشاورات اليمنية.
وفي 15نوفمبر/ تشرين الثاني قال وزير الخارجية الأمريكي انه التقى وفد الحوثيين في مسقط وبحث معهم حل الأزمة، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها كيري لقاءه بوفد الحوثيين، والذي اعتبر انتهاكاً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن سلطنة عمان استقبلت وفد الحوثيين ومثلت وسيطهم الاستراتيجي مع العالم.
وفي ذلك ملاحظة مهمة أن تلك الوفود واللقاءات لم يكن فريق المخلوع جزءاً منها، بل إن الحوثيين أبلغوا روسيا خلال زيارة لهم في (ديسمبر/كانون الأول) أن حزب صالح إما مع الشرعية اليمنية، أو تحولوا إلى مسلحين تابعين للجماعة، ولم يبقى إلا صالح وعائلته، وهذا ايضاً ما يعمق جراحات التحالف الانقلابي مع نهاية العام.
وتقلى الحوثيون دعماً من سفيرة الاتحاد الأوروبي فحسب الوثائق تلقت الجماعة اتصالاً في فبراير/شباط من سفيرة الاتحاد الأوروبي لبحث الجهود المبذولة للسلام في اليمن، وتطرقت إلى أن دبلوماسيين يريدون استماع محادثتها مع حسين العزي، كما طلبت بالإفراج عن عامل اغاثة ألماني يحمل الجنسية الأمريكية اختطف من قبل الحوثيين، وتلقى الحوثيون رسالة من السفارة الإيطالية تقول إن الحوثيين في الحديدة رفضوا تسليم سيارة السفارة المدرعة.
استثمار حقوق الإنسان
استثمر الحوثيون في سوق حقوق الإنسان فحسب تقارير داخلية للحوثيين -وثيقة (7ابريل) (21/2016)- ذكرت أن الحوثيين مولوا التقارير لنشطاء حقوقيين يمنيين وأجانب في جنيف ولندن وندواتهم في المدينتين بالشراكة مع منظمات دولية أخرى تدين بالكراهية للسعودية والولاء لإيران.
وتشير وثيقة إلى أن مؤتمرات (جنيف مارس/آذار) و(بيروت/فبراير/شباط) كانت بتمويل الحوثيين بالرغم من كونهن مستقلات ويتبعن منظمات أخرى، ففي مؤتمر لندن كانت تكاليف هؤلاء الناشطات (10 ألف دولار) تشمل الإقامة، كما أن مجتمع الناشطات اللواتي كنّ جزءً من نداءات الأمم المتحدة للضغط على المشاورات في الكويت قدمن تقريراً عن تحركاتهن للحوثيين.