[ مدينة إب ]
يواصل الانقلابيون ارتكاب أبشع الجرائم في محافظة إب بشكل شبه يومي ضد المدنيين العزل لمجرد الاشتباه في مواقفهم السياسية، وتكشف الإحصائيات عن جرائم وانتهاكات بالجملة لا يوجد مثيلاً لها في بقية المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون.
وتشمل الجرائم التي يرتكبها الانقلابيون ضد المدنيين العزل في محافظة إب: القتل، الاختطاف، الإخفاء القسري، عمليات التعذيب الوحشية ضد السجناء، القصف العشوائي ضد منازل المواطنين، نهب الأراضي والبيوت والسيارات، توقيف المرتبات والفصل من الوظائف، نهب ممتلكات للدولة والتجار وبعض المواطنين وبيعها، بالإضافة إلى مداهمة المنازل وتفتيشها، وترويع النساء والأطفال.
ما يحصل في محافظة إب من انتهاكات يعود لسببين رئيسيين: الأول، أن محافظة إب هي أول محافظة ظهرت فيها انتفاضة شعبية ضد الميليشيات الانقلابية بمجرد وصولها هناك، بعد السيطرة على العاصمة صنعاء، بمعنى أنها أول من أسس لمفهوم المقاومة الشعبية، وبالتالي، فالجرائم التي يرتكبها الانقلابيون هناك تأتي بدافع الحقد والانتقام. والثاني، تعتبر الأساليب الوحشية في التعامل مع المواطنين، واعتقال الناشطين، بمثابة قمع استباقي لأي انتفاضة مسلحة ضد الميليشيات في المحافظة.
المقاومة المسلحة
كانت محافظة إب هي السباقة في تدشين المقاومة الشعبية المسلحة ضد الميليشيات الانقلابية، فبعد سيطرة الميليشيات على العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014، اتجهت إلى محافظة ذمار، التي لم تقاوم قط، ثم إلى محافظة إب مباشرة، لتتجه بعد ذلك إلى محافظة تعز، ثم محافظة عدن.
وفور وصول ميليشيات الحوثيين إلى محافظة إب، اندلعت المعارك مباشرة، في مركز المحافظة (مدينة إب)، ومدينة يريم، ومديرية الرضمة، ومديرية العدين فيما بعد، بالإضافة إلى اندلاع معارك متفرقة ومحدودة في بعض المديريات، ونصب الكمائن لتعزيزات الانقلابيين في مدينة يريم ونقيل سمارة ومدينة القاعدة، وخاضت المقاومة الشعبية هذه المعارك بدون أي دعم أو مساندة من أي جهة كانت، بل خاضت المواجهات بشكل مفاجئ بعد وصول الميليشيات الحوثية إلى هناك، ولم يكن هناك أي ترتيب أو استعدادات، كما كان الحال في محافظة مأرب مثلاً، التي استعدت لمواجهة الميليشيات الانقلابية قبل أن تغزوها.
وعندما بدأت الميليشيات الحوثية تنهار سريعاً وفي وقت مبكر أمام المقاومة الشعبية، تدخلت الألوية العسكرية المرابطة في المحافظة، التي تعرف بـ"الحرس الجمهوري"، بالإضافة إلى وحدات "الأمن العام" والشرطة، إلى جانب الميليشيات الانقلابية، خاصة في يريم والرضمة، واستخدمت الأسلحة الثقيلة في مواجهة المقاومة الشعبية، لكن المقاومة الشعبية كانت تفتقر للتسليح والتدريب والتنسيق فيما بينها، بسبب اندلاع المعارك بشكل مفاجئ، مما أدى إلى انسحابها، لعدم قدرتها على مواجهة جيش الدولة.
وفي مدينة إب، تعرضت المقاومة الشعبية لخدعة تسببت في إحباطها، فعندما وصلت ميليشيات الحوثيين إلى المدينة ونصبت نقاط التفتيش في شوارعها، تمكنت المقاومة من السيطرة على المدينة، وانسحبت ميليشيات الحوثيين إلى استاد إب الرياضي، وتم محاصرتها هناك، وكانت تحصل مناوشات محدودة في بعض الشوارع، إلا أن بعض المسؤولين في المحافظة تدخلوا وأقنعوا أفراد المقاومة بالانسحاب، وأن تتسلم قوات الأمن في المحافظة مهمة نصب النقاط العسكرية وحفظ الأمن، وبعد انسحاب المقاومة، عاودت ميليشيات الحوثيين السيطرة على المدينة بتواطؤ من قوات الأمن، ونصبت نقاط التفتيش فيها بعد وصول تعزيزات عسكرية.
انعدام الدعم والمساندة
عندما اندلعت المعارك في بعض مديريات محافظة إب، لم تكن دول التحالف العربي قد تدخلت عسكرياً في إطار عملية "عاصفة الحزم"، كما أنه لم يكن يوجد ألوية عسكرية في المحافظة مساندة للشرعية وللمقاومة الشعبية لتتدخل في الحرب وتشكل نوعاً من التوازن العسكري، كما حدث في محافظة تعز فيما بعد.
أيضاً، فالمعارك اندلعت في إب في وقتٍ مازال الجميع مذهولين بعد استيلاء الميليشيات الانقلابية على العاصمة صنعاء، وكان يبدو للمتابعين أن المعارك في محافظة إب عبثية، وأن سيطرة الانقلابيين عليها لا يشكل حدثاً كبيراً بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء، ونهب أسلحة الجيش وممتلكات الدولة وممتلكات الخصوم السياسيين.
كما أن المشائخ القبليين الموالين للمخلوع علي صالح في محافظة إب، وبعض قيادات حزب المؤتمر هناك، سهلوا للميليشيات الاتقلابية مهمة السيطرة على المحافظة، وتحولوا إلى "طابور خامس" ساعد الميليشيات الانقلابية على ملاحقة الناشطين المعارضين لها، وتدمير بيوتهم ونهب ممتلكاتهم.
لم يستسلم الأحرار من أبناء محافظة إب تماماً، بعد أن خذلهم الجميع، حيث انخرطوا في مختلف جبهات القتال، خاصة في مأرب وتعز، همهم الوطن بأكمله وليس محافظتهم فقط، وقدموا الكثير من الشهداء خارج محافظتهم، أبرزهم الشيخ الشهيد نائف الجماعي، ويتم حالياً تجهيز لوائين عسكريين من أبناء محافظة إب في مأرب استعداداً لمعركة تحرير المحافظة.
وفي مديرية العدين، استطاعت المقاومة الشعبية في منطقتي الشعاور والأهمول الصمود أكثر من عام أمام الميليشيات الانقلابية، رغم فارق التسليح والتدريب، وتمكنت المقاومة الشعبية في مديرية العدين من تحرير المديرية بالكامل وطرد الميليشيات الانقلابية منها مرتين، لكنها لم تحصل على الدعم من السلطة الشرعية أو دول التحالف العربي للحفاظ على هذا النصر، وكانت الميليشيات الانقلابية تعاود السيطرة على المديرية بعد وصول تعزيزات عسكرية كبيرة.
أهمية محافظة إب
تعتبر محافظة إب مهمة جداً من الناحية الجغرافية بالنسبة للانقلابيين، حيث تقع في مركز وسط بين عدة محافظات، ولذلك فالسيطرة عليها مبكراً ضمن لهم السيطرة على أهم طرق الإمداد العسكري إلى محافظات تعز والحديدة والضالع، حيث تعتبر محافظة إب بوابة إلى الثلاث المحافظات المذكورة.
كما أن استماتتهم في السيطرة على مديرية العدين، التي حررتها المقاومة الشعبية مرتين، قبل أن يسيطر عليها الانقلابيون تماماً، تأتي بسبب أهمية الطريق المار وسط المديرية، والذي يربط بين محافظتي إب والحديدة، وهذا الطريق تمر من خلاله كل الواردات عبر ميناء الحديدة، ليتم نقلها إلى العاصمة صنعاء، وتزداد أهمية هذا الطريق كونه الطريق الوحيد الذي ينقل واردات ميناء الحديدة إلى صنعاء، والطريق البديل المار عبر نقيل شهارة يتسم بالوعورة، وغير مناسب لناقلات البضائع الكبيرة.
لم ينس الانقلابيون الخسائر التي تكبدوها في محافظة إب بداية انتفاشتهم، ولو لم يتمكنوا من السيطرة على محافظة إب لما كانوا تقدموا إلى تعز وعدن والضالع وغيرها، ولهذا، فهم يخشون ظهور انتفاضة شعبية مجدداً ضدهم في هذه المحافظة، وبالتالي، فهم يرتكبون أبشع الجرائم ضد أبناء المحافظة، انتقاماً منهم، ووضع حد لأي تحرك مسلح ضدهم، ووأد أي انتفاضة قبل أن تبدأ.