[ قوات الجيش الوطني - ارشيف ]
تواصل القيادة العسكرية لدول التحالف العربي، والحكومة اليمنية الشرعية، استحداث المزيد من الجبهات في حربها على الانقلابيين في اليمن، آخرها، جبهتي باب المندب ومحافظة صعدة، رغم أن الحرب في الجبهات الأخرى مازالت تراوح مكانها دون تقدم حقيقي لأي طرف، باستثناء تقدم محدود للجيش الوطني والمقاومة الشعبية مؤخراً في محافظة تعز.
والسؤال هنا: ما الفائدة من تعدد الجبهات دون تحقيق تقدم نوعي على الأرض في أيٍ منها؟ وهل هذا التعدد يشكل استنزافاً عسكرياً للانقلابيين أم استنزافاً للجيش الوطني والمقاومة الشعبية ودول التحالف العربي؟ ومن هو الطرف الأكثر خسارة بسبب تعدد الجبهات؟ وهل التدخل العسكري لدول التحالف العربي بقيادة السعودية يتم التخطيط له من قبل خبراء عسكريين محترفين، أم أن هناك اختراق غربي في هذا الخصوص يهدف إلى إنهاك دول الخليج وتقوية الجماعات الطائفية والعنصرية في العالم العربي؟ أم أن دول التحالف العربي تهدف من وراء تعدد الجبهات إلى استنزاف القوة البشرية للانقلابيين بعد أن قضت على معظم عتادهم العسكري؟
الهدف الأساسي
يتمثل الهدف الأساسي من الحرب على الانقلابيين في اليمن في القضاء على الانقلاب، وعودة السلطة الشرعية لأداء مهامها من العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى استئناف المسار السياسي وفقاً لمخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2216.
وبما أن الانقلابيين أحكموا سيطرتهم على العاصمة صنعاء، ويتخذون منها مركزاً عسكرياً لإدارة الحرب، ويتواجد فيها معظم -إن لم يكن كل- قادة الانقلاب، فإنه كان يفترض أن تركز دول التحالف العربي على تحرير العاصمة صنعاء من الانقلابيين، والسيطرة على طريق بري من أقرب مركز حدودي إلى العاصمة بهدف استمرار عملية التموين العسكري، فإذا تم تحرير العاصمة، فإن ميليشيات الانقلابيين في بقية المحافظات ستنهار، لعدم وجود حاضنة شعبية من جانب، ولرمزية العاصمة وما يعنيه تحريرها من جانب آخر.
لا شك أن تخطيط العمليات العسكرية لدول التحالف العربي يتم من قبل ضباط وخبراء أكفاء، وربما تم الاستعانة بخبراء غربيين، وربما أن هذه الخطط تشمل حتى طريقة إدارة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية للحرب، لكن عند التأمل في الخطط العسكرية لأبرز الحروب الحديثة سنجد أن إدارة المعركة في اليمن تختلف جذرياً، دون أن يثار ذلك من قبل محللين وخبراء عسكريين، وإيضاح الجوانب السلبية والجوانب الإيجابية في طريقة إدارة دول التحالف العربي للمعركة.
الحروب الحديثة
هناك عدة أنماط للخطط العسكرية في الحروب الحديثة، تختلف بحسب نوعية أهداف الحرب، فمثلاً، عندما هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية دولة العراق بغرض القضاء على نظام صدام حسين، فإنها ركزت بشكل رئيسي على العاصمة بغداد، وحتى الدخول البري استهدف العاصمة مباشرة، ولم تفتح عدة جبهات في مناطق بعيدة عن العاصمة، حتى تمكنت من السيطرة عليها، فسهل عليها السيطرة على كامل الدولة العراقية.
وكررت نفس الأمر في أفغانستان، عندما أرادت القضاء على نظام حركة طالبان، حيث استهدفت بعملياتها العسكرية العاصمة كابول مباشرة حتى سيطرت عليها.
وعندما تدخلت دولاً غربية ضد نظام معمر القذافي في ليبيا، بسبب جرائمه الوحشية ضد المدنيين، فإنها استهدفت بعملياتها العسكرية العاصمة طرابلس مباشرة حتى تم تحريرها وسيطرة الثوار عليها، ثم تمكن الثوار من السيطرة على بقية المدن الواحدة تلو الأخرى بسهولة.
أما دول التحالف العربي عندما تدخلت في اليمن ضد الانقلابيين بطلب من الرئيس هادي، فإنها لم تستهدف تحرير العاصمة صنعاء مباشرة، وكانت عملياتها العسكرية خليطاً من تكتيكات الحروب الأهلية، والحروب بين الدول، والحروب التي تُشَن ضد أنظمة بعينها بغرض تغييرها أو القضاء عليها.
تتسم الحروب الأهلية بتعدد الجبهات في الداخل، والحروب بين الدول عادة ما تكون في المناطق الحدودية، فيما الحروب التي تشنها دولاً كبرى أو تحالف من عدة دول بهدف القضاء على نظام ما أو تغييره، فإنها تستهدف العاصمة مباشرة، لرمزيتها، وتمركز النظام الحاكم وقواته في داخلها، وسيطرته على كل مؤسسات الدولة داخلها، وما يشكله سقوطها من تأثير كبير معنوياً على النظام الحاكم فيها، وهروب رموزه أو القبض عليهم ومحاكمتهم، سواء كان نظاماً شرعياً أو انقلابياً.
المكاسب والخسائر
لا شك أن تعدد جبهات الحرب اليمنية يشكل استنزافاً لكل الأطراف، خاصة الانقلابيين، لكن هذا الاستنزاف عادة ما يتم امتصاصه من قبل كل الأطراف أيضاً. فمثلاً، الجيش الوطني والمقاومة الشعبية يمتصون خسائرهم من خلال تدريب وضم العديد ممن يلتحقون بجبهات القتال، والتجنيد في صفوف الجيش الوطني، واستمرار دعم التحالف العربي للجيش الوطني بالأسلحة المختلفة.
وكذلك الأمر بالنسبة للانقلابيين، فهم يمتصون خسائرهم البشرية من خلال استمرار حشد المقاتلين القبليين عديمي القيمة، وأيضاً حشد الأطفال إلى جبهات القتال، بالإضافة إلى إقدام إيران على تهريب أسلحة للانقلابيين بأساليب مختلفة تعويضاً لهم بعدما خسروا أبرز وأغلب عتادهم العسكري بسبب قصف طائرات التحالف العربي لمخازن الأسلحة التابعة لهم.
ورغم كل ذلك، إلا أن هناك تحولاً مهماً سيتضح أثره فيما بعد، يتعلق بالجانب العسكري، وسيكون لذلك تأثير على الحياة السياسية برمتها، بصرف النظر عن النتيجة أو الكيفية التي ستنتهي بها الحرب، سواء طال أمدها أم لا، ذلك أنه في الوقت الذي خسر الجيش الموالي للانقلابيين معظم عتاده العسكري، وتحول غالبية أفراده إلى ميليشيات طائفية وعنصرية، فإن هناك جيشاً وطنياً يتشكل من كل المحافظات، ويتم تدريبه باحترافية، وكل يوم تتسع دائرته، ويحصل على دعم نوعي من حيث التسليح من قبل دول التحالف العربي، يضاف إلى ما بحوزته من أسلحة لم يتمكن الانقلابيون من السيطرة عليها مبكراً.
وإذا استمر الاهتمام ببناء هذا الجيش على نفس المنوال، وبعيداً عن الولاءات الضيقة والمتخلفة، فإنه سيكون صمام أمان اليمن مستقبلاً، وسنداً لدول الخليج في حال تعرضت لغزو فارسي أو غيره.