[ لحظة توقيع الرئيس السابق على المبادرة الخليجية في العام 2011 ]
مرّت خمسة أعوام على المبادرة الخليجية التي أُعلن عنها في أبريل/نيسان 2011، ووقعت عليها مختلف الأطراف في اليمن في مثل هذا اليوم(23 نوفمبر/تشرين الثاني)، بعد أن كرر صالح سيناريو رفض التوقيع عليها لثلاث مرات.
وضمنت المبادرة الخليجية التي جاءت لحل المعضلة اليمنية ، عقب اندلاع ثورة 11 فبراير/شباط 2011، الحصانة من الملاحقة القانونية لصالح ولأفراد أسرته، وكذا تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكانا هذين البندين هما أكثر النقاط التي أثارت غضب وامتعاض بعض شباب الثورة، المطالبين بمحاكمة النظام السابق.
تم التوقيع على المبادرة، وخرجت اليمن من أزمة كبيرة لعدة أشهر، بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد وفقا للمبادرة، ثم انتقلت إلى المربع الأول الذي عاشت فيه اليمن على صفيح ساخن منذ ذلك التوقيت وحتى اليوم، الذي تشهد فيه البلاد حربا شرسة، أحد أبرز اللاعبين فيها هو صالح وأركان نظامه.
ويقول مراقبون إن صالح على الرغم من الامتيازات التي حصل عليها من المبادرة، لكنه تعمد إفشالها؛ لتصفية حساباته مع خصومه الذين طالبوا بإسقاط نظامه وتنحيه من السلطة، فعمد إلى دعم صعود قوى جديدة" ممثلة بالحوثيين"، لإفشال الثورة، وغرقت على إثرها البلد في دوامة صراعات، انتهت بحرب طاحنة بين القوات الشرعية، والانقلابيين( الحوثي وصالح).
وبقيت حتى اليوم المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، إحدى المرجعيات الرئيسية التي تتمسك بها الحكومة الشرعية والتحالف والأمم المتحدة، لأي حل يُنهي الأزمة في البلاد، بعد توافق مختلف القوى السياسية عليها.
كثير من الجدل دار حول جدوى المبادرة، والمتسبب بإعاقتها، وبرز السؤال حول إمكانية وجود مبادرة خليجية ثانية، تنهي الأزمة اليمنية، بعد وجود حلول أخرى قدمتها أطراف دولية، لم تلتزم بالمرجعيات الثلاث لأي حل في اليمن.
الحل الأمثل
يقول المحلل السياسي فيصل علي، إن المبادرة الخليجية كانت مكافأة نهاية خدمة مشرفة للرئيس السابق علي عبدالله صالح والذي حكم اليمن لأطول فترة منذ ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، وهو الحاكم اليمني الحميري الوحيد الذي حكم اليمن لمدة 33 عاما منذ 1200 سنة، وأعاد تحقيق وحدة البلاد التي عجز عنها قادة الشطرين قبله، على الرغم من أخطائه الكثيرة والمجازر التي ارتكبها كمجزرة الكرامة بصنعاء وحرق ساحة الحرية بتعز.
ويتابع في حديثه لـ(الموقع بوست)" المبادرة كانت بداية للمصالحة التي كان يجب أن تكون بعد انتخاب" هادي"، وهو ما لم يحدث، وبدلا من أن تشتغل الأحزاب في السياسية، عملت في حقل الخصومات، وهو ما وفر الفرصة لأصحاب المشاريع الصغيرة كالحداثيين الذين سوقوا للحوثيين واغروهم باقتحام صنعاء، وكذلك الحوثيين المدعومين من إيران والذين نفذوا انقلابا لصالحها".
ويضيف" بعد أن وصل الناس لقناعة بضرورة تسليم السلطة، كانت المبادرة هي الحل الأمثل، لتنتهي الثورة السلمية، بتسليم سلمي للسلطة، وهو ما حرصت عليه دول الخليج وتحديدا السعودية، لتخرج اليمن بحل لا غالب ولا مغلوب فيه".
إعاقة الحوثيين للمبادرة
ويستدرك" علي" بالقول" لكن الحوثيين والملكيين كحزب الحق واتحاد القوى الشعبية الممثلة لهم، وحرضوا الشباب ضد المبادرة، لأنهم لا يريدوا اليمن أن تخرج بحل يرضي الجميع، وتأُثر بعض من الشباب بتلك الأفكار، لكنهم لم يكونوا يملكوا أي رؤية مغايرة".
وعن الحاجة إلى مبادرة خليجية ثانية، يؤكد المحلل السياسي اليمني، أن اليمن لا يحتاج إلى ذلك، وإنما يحتاج إلى منح المبادرة المزيد من التطبيق على أرض الواقع حتى إجراء انتخابات .
ويشير في ختام حديثه إلى وجود محاولات عدة منها سعودية، لإيجاد حل أقرب إلى المصالحة، لكنه لن يتم بعد دخول إيران على الخط التي تشكل تهديدا وجوديا للأمن القومي العربي، مؤكدا عدم جدوى أي مصالحة على غرار ما حدث في السبعينات حين جيء بالرئيس عبدالرحمن الإرياني كحل توافقي، وأن أي مصالحة حقيقية هي بين القوى اليمنية الحقيقية، ولا مصالحة مع إيران وأتباعها.
مرتكزات خاطئة للحلول
من جهته يرى الكاتب الصحفي فهد سلطان، أن مبادرات حل الأزمة اليمنية، قامت على مرتكزات خاطئة، وتجاوزت في مجملها الواقع اليمني المعقد أصلا.
ويؤكد في تصريح خصه(الموقع بوست) أن أغلب تلك المبادرات لم تكن من أجل إعادة الاستقرار لليمن، بقدر ما عملت على تأخير المشكلة وترحيلها لفترة قادمة، بحيث يسهل السيطرة، وإعادة ترتيب وضع البلد، وفق مصالح الدول الكبرى والإقليمية، التي تعيد رسم خريطة المنطقة، وإعادة تموضع للدول الفاعلة.
وينتقد" سلطان" بشدة المبادرات التي قدمها مختلف الأطراف لحل الأزمة، كونها ساوت بين الشرعية والانقلاب، دون أن تضع اعتبارا للشارع اليمني، أو للمرتكزات من الدولة والشرعية والثورة، وهو ما يعني إعادة إنتاج المشكلات ولو بعد حين، لافتا إلى عدم وجود رغبة دولية حقيقية في إيقاف الحرب في اليمن, ومثلها في سوريا وليبيا وعدد من دول الربيع العربي.
وعن الدور الذي قام به الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي أنتخب وفقا للمبادرة الخليجية، يقول الكاتب" سلطان" إنه عمل على تفويت عديد من الفرص، ووجد الجميع نفسه في حالة ارتباك مما يجري.
ويستطرد" بغير كسر الحوثيين عسكرياً وإسعاده الدولة بالقوة، فكل المبادرات ستؤسس لحروب مستقبلية، وأشد ضراوة، وقد تخرج عن السيطرة ويصل مداها إلى الإقليم".
وجرى التوقيع على المبادرة الخليجية في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بعد أن شهدت البلاد محطات عنف كثيرة جراء تعنت صالح، وتم نقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي في غضون 30 يوما، وأقيمت الانتخابات رسميا في 21 فبراير/شباط 2012، لتنتهي بذلك الجهود التي قامت بها دول الخليج في تحقيق المصالحة.
وشملت الآلية التنفيذية للمبادرة عدة خطوات، هي تشكيل لجنة عسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار، تعمل عدد من الأمور أبرزها، إنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وكذا إنهاء جميع النزاعات المسلحة، وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن، وإخلاء العاصمة وباقي المدن من المليشيات والمجموعات المسلحة وغير النظامية.
أما خطوات الفترة الانتقالية وفقا للمبادرة، فتضمنت المرحلة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، وعقد المؤتمر، وصياغة الدستور بواسطة اللجنة الدستورية، والاستفتاء عليه، ثم التحضير لإجراء انتخابات عامة في نهاية العملية الانتقالية، وهو ما لم يحدث بعد انقلاب سبتمبر/أيلول 2014، الذي دخلت البلاد على إثره في حرب شرسة.