تعددت المساعي التي قام بها المجتمع الدولي لاحتواء الأزمة اليمنية، ونتج عن ذلك إصدار قرارات أممية عدة، أبرزها قرار 2216 الذي شكّل قاعدة عريضة يمكن أن يرتكز عليها أي مشروع حل للأزمة، التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام ونصف، إلا أنه أصبح العقدة التي يرفض الانقلابيون تجاوزها؛ في محاولة لإطالة عمر الحرب، والحصول على مزيد من المكاسب، التي لا يمكن أن يحصلوا عليها إذا تخلوا عن سلاحهم.
على إثر هذا شهد الملف اليمني محاولات للقفز على القرار 2216، منها مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والقرار البريطاني- الذي من المتوقع أنه تم تأجيله- وينص على وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار، واستئناف العملية السياسية، قبل تسليم الانقلابيين للسلاح الذي نهبوه من معسكرات الدولة، ما يشكل خطرا على مستقبل اليمن.
وبموازاة ذلك تُمارس ضغوطا عدة من قبل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، على التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والداعم للشرعية اليمنية، منها قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" جاستا"، الذي يتيح لضحايا أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001م، بمحاسبة زعماء وحكومات دول أجنبية.
توريط السعودية
وعلى هذا الصعيد يرى الباحث السياسي نبيل البكيري أن هناك أطرافا (لم يسمها)، ترغب بتوريط التحالف العربي والمملكة العربية السعودية تحديدا؛ عن طريق الضغط عليها بالتهديد بعدم تزويدها بالسلاح، وابتزازها عبر استغلال ملف حقوق الإنسان.
ويوضح لـ(الموقع بوست) أن ذلك يأتي في إطار السياسيات التي تهدف، لرسم خارطة المنطقة طائفيا.
وأشار "البكيري" إلى أن وجود رؤيتين متناقضتين، تُمثل إحداهما رؤية الشرعية والتحالف المدعومة بالمرجعيات الدولية، وأخرى للانقلابيين وداعميهم الإقليميين، هما سبب استمرار الصراع في اليمن.
وبالنظر إلى المستفيد من استمرار الوضع على ما هو عليه، تأتي في المقدمة دولة إيران التي يصفها البعض بأنها أداة في يد أمريكا لتنفيذ سياستها في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى روسيا، التي فتح عدم الاستقرار في المنطقة شهيتها لاستعادة نفوذها، في ظل تكامل وتبادل للأدوار تقوم به إلى جانب الدول كاملة السيادة, فضلا عن دعم الانقلابيين، من أجل سياسة تفتيت المنطقة التي اتضحت منذ سقوط العراق عام 2003.
إطالة الصراع
يضاف إلى ذلك تهديد أمن السعودية بمواصلة دعم الانقلابيين، وإطالة أمد الصراع، ما يعني أن ذلك قد يشكل خطرا عليها باستنزافها عسكريا واقتصاديا على المدى الطويل، وبقاء الحال على ما هو عليه، زاد من تعقيدات الأزمة، والخشية من دخول اللاعبين الأبرز في المنطقة المملكة العربية السعودية وإيران، في صراع مباشر، خاصة بعد تنامي تهديد الملاحة في مضيق باب المندب الاستراتيجي، والذي تشرف اليمن على جزء منه، وما قد يترتب عليه من تشظي دول المنطقة بشكل أكبر.
وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي فيصل علي، إن الحرب الدائرة في البلاد، هي حرب اليمنيين المؤجلة من قرون ضد الأئمة، إلا أن" أبعاد الصراع الدولي واضحة للعيان منذ السماح للانقلابيين باقتحام عمران والعاصمة صنعاء عام 2014، والانتشار في المحافظات، وكذا الضغوط الدولية التي جعلت الحكومة الشرعية ترضخ للحوثيين من البداية، فضلا عن تهريب إيران الأسلحة الثقيلة للحوثيين عبر السواحل اليمنية، بغطاء دولي.
ويضيف لـ(الموقع بوست) أن اللاعبين الدوليين أسهموا في هذه الحرب بشكل كبير، ببيعهم الأسلحة للتحالف العربي، ثم إيعازهم للمنظمات المدنية للمطالبة بإيقاف بيع الأسلحة لهم، وهذا" لذر الرماد في العيون"، حد وصفه.
دوامة صراع
ووقعت اليمن- وفقا للمحلل السياسي اليمني- في دوامة صراعات بين دول، وشركات أسلحة ومستلزمات طبية دولية، ومصالح متشعبة لأطراف ظاهرة وأخرى مستترة، لافتا إلى أن تغذية الصراع في البلاد، ستشتعل أكثر، مع استمرار التصعيد في مضيق باب المندب، الذي يعد" سر سعادة اليمن وشقائها معا"، في إشارة إلى أهمية موقعه الاستراتيجي، الذي جعل اليمن تكتسب أهمية بالغة، بالإضافة إلى سهولة تحول تلك النعمة إلى نقمة، إذا ما تضاربت مصالح الدول في ذلك الممر المائي الحيوي.
يشار إلى أن المجتمع الدولي بذل جهودا هشة، للخروج من نفق الأزمة المظلم، وعقدت ثلاث جولات للمشاورات، إلا أنها أخفقت جميعها، في ظل تساهل الأمم المتحدة، وعدم إلزامها للانقلابيين بتنفيذ القرارات الصادرة عنها؛ لتحقيق السلام الذي لا يؤسس لصراعات جديدة في اليمن.
ونتيجة لاستمرار ذلك الصراع التي ضاقت دائرة الحل فيه، جراء تعقد ملف الأزمة اليمنية وتشعبه، واستمرار تمسك الانقلابيين برؤيتهم التي تتجاهل المرجعيات الثلاث لأي مشاورات، والإصرار على البدء بالمسار السياسي قبل تسليم السلاح، دفع المواطن اليمني ضريبة صراع الكبار باهظا.
أوضاع كارثية
وتشير إحصائية حديثة صدرت عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" إلى وجود ما يقرب من 11 مليون شخص في اليمن، يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، منهم 4.8 يواجهون حالة طوارئ، فيما يعني مليون طفل من سوء التغذية، واحد من كل ثلاثة أطفال دون الخامسة يعاني من سوء التغذية الحاد، و850 ألف طفل مهددون بالمجاعة الحقيقة، كما أن أكثر من سبعة ملايين لا يحصلوا على الرعاية الصحية الأساسية، نتيجة إغلاق حوالي 600 مستشفى ومرفق صحي بسبب القصف، أو نقص الوقود.
وفي تقرير صدر عن الأمم المتحدة مؤخرا، فقد قتل في اليمن ما يقارب عشرة آلاف خلال 18 شهرا، وتسببت الحرب التي أشعل فتيلها الحوثيون بتشريد أكثر من ثلاثة ملايين يمني، فضلا عن إجبار نحو 200 ألف آخرين للبحث عن مأوى خارج البلاد، كما تتحدث الإحصائيات عن ارتفاع نسبة الفقر إلى 85%.