سارع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، اليوم الاثنين 10 أكتوبر/تشرين الأول، بتوجيه أصابع الاتهام إلى التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، بناء على معلومات تقارير وصفها بـ"الأولية"، وتحميله مسؤولية قصف الصالة الكبرى بالعاصمة صنعاء، الذي راح ضحيته قرابة 700 بين قتيل وجريح.
وشدد "مون" على وجوب أن تكون هناك مساءلة عن سير الحرب في اليمن، داعيا مفوض حقوق الإنسان في المنظمة إلى العمل، من أجل التحقيقات الشاملة في ادعاءات الانتهاكات.
ووصف مراقبون تصريحات "مون" بـ"غير الحيادية"، واعتبروها نوعا من الابتزاز، كما أظهرت انحياز الأمم المتحدة للانقلابيين في اليمن، كونها تسرعت وأطلقت الاتهامات، قبل أن تكتمل التحقيقات التي قال التحالف في بيان صادر عنه، إنه سوف يجري تحقيقا بشكل فوري من قبل قيادته، وبمشاركة خبراء من الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل احتمال تورط الرئيس المخلوع أو الحوثيين بالحادثة، وهو ما ألمح إليه وزير الثقافة السابق خالد الرويشان، الذي تساءل في تدوينة له بحسابه بموقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك" عن اشتعال قاعة العزاء لوقت طويل" بقوله" أين كانت سيارات الإطفاء؟ متى حضر رجال الدفاع المدني؟"، فضلا عن قيام الانقلابيين اليوم بتجريف آثار القصف الذي طال القاعة الكبرى في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
كما أن سيطرة الدول الكبرى على الأمم المتحدة جعلها تخضع لسياسات تلك الدول، بعيدا عن الهدف الذي أنشئت لأجله المتمثل بـالمحافظة على السلم العالمي، والأمن والتعاون الاقتصادي والاجتماعي الدولي، ففقدت مصداقيتها لدى الشعوب.
وفي ظل النفي وتبادل الاتهامات بين التحالف العربي والحوثيين، سقطت ورقة التوت عن الأمم المتحدة، وظهر انحيازها بشكل كامل للانقلابيين في اليمن.
حبل نجاة الانقلابيين
وفي هذا السياق يرى المحلل السياسي سمير الصلاحي أن الأمم المتحدة لم تكن ملتزمة بالهدف الذي أنشئت لأجله، وكان مبعوثها السابق إلى اليمن جمال بن عمر، جسر عبور لإخراج المليشيا من سجن مران بصعدة إلى شوارع العاصمة صنعاء.
مضيفا في حديثه لـ(الموقع بوست) أن الأمم المتحدة لم تكن حريصة على الانتقال باليمن من مربع الدماء إلى مربع السلام، مؤكدا أنها لو أرادت وهي التي رعت الحوار الوطني، وتدير الانتقال السياسي في البلاد" لكانت تحركت لتنفيذ القرار الأممي 2216 بالقوة العسكرية، خصوصا واليمن تقع تحت الفصل السابع".
وقال المحلل السياسي اليمني، إن الأمم المتحدة خلال الصراعات في المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل، كانت الوقود الذي يشعل الحرائق، وتحولت إلى مجرد عباءة لتنفيذ مخططات بعض الدول العظمى.
وإذا ما استعرضنا الجهود الأممية منذ الانقلاب في العام 2014- وفقا لـ"الصلاحي"- نجد أنها حين سقطت صنعاء أوعزت إلى مندوبها "بن عمر" آنذاك، أن يترك اليمن، ولم نشاهد أي تحرك جاد للإفراج عن الرئيس عبدربه منصور هادي، أو استعادة الدولة والعودة إلى اتفاق السلم والشراكة، الذي تم تحت رعايتها.
وأكد "الصلاحي" في ختام حديثه أن الأمم المتحدة لا يعول عليها، فتاريخها" لا يعترف إلا بالقوي، ولا تنفذ إلا أجندة بعض الدول العظمى، التي تسعى لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، وفقا للمخططات الصهيونية".
تاريخ طويل من اللامهنية
يحفل سجل الأمم المتحدة بالعديد من القضايا التي أظهرت انحيازها الكلي للانقلابيين في اليمن، وغضها الطرف عن جرائم الحوثيين في باقي المحافظات كـ"تعز"، المحاصرة منذ أكثر من عام.
فمع انطلاق عاصفة الحزم كانت الأمم المتحدة، كانت تكيل بمكيالين في التعامل مع ضحايا التحالف والانقلابيين، كما صدر قرار من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أدرج فيه التحالف العربي ضمن القائمة السوداء للدول والمجموعات المسلحة، التي تنتهك حقول الطفل أثناء الصراع، متجاهلا جرائم المليشيا الانقلابية بحق المدنيين في مختلف المحافظات.
وأمام ممارسات المنظمات التابعة للأمم المتحدة الكثير، التي تفتقر للمهنية، قالت الحكومة اليمنية مطلع العام الجاري، إن ممثل الأمم المتحدة رئيس المفوضية السامية لليمن جورج أبو الزلف شخص غير مرغوب به بسبب عدم حياده، قبل أن تتراجع عن قرار طرده بعد ذلك.
وفي منتصف أغسطس/آب الماضي، دعت الحكومة اليمنية، المنظمات الدولية إلى" تحري المصداقية"، وعدم الاعتماد على تقارير إعلامية محلية، حول الوضع الدائر في البلاد، بعد احتجاجها على انحياز الأمم المتحدة.
ورفضت الحكومة بيان منسق الشئون الإنسانية في اليمن جيمي ماكغولدريك، الذي ساوى بين الضحية والجلاد، والذي حث فيه" المجتمع الدولي على التأثير على الأطراف المتنازعة في اليمن، ودفع?ا إلى التوصل سريعا إلى حل سلمي يضع مصلحة الشعب فوق كل الاعتبارات"، دون أن يؤكد حسب الحكومة" حقيقية أن العنف جاء نتيجة لانقلاب دام، واعتداءات مستمرة من المتمردين"، وفقا لوكالة الأنباء اليمنية" سبأ".
وبدا انحياز "ماكغولدريك " واضحا بعد أن أشار إلى أن" تقارير إعلامية محلية أفادت بقتل وتشويه أطفال ونساء وتدمير منازل وإلحاق الضرر والدمار بمصنع مواد غذائية، وأحد الأسواق من الهجمات البرية والضربات الجوية خصوصا في العاصمة صنعاء ومحافظات تعز وصعدة والحديدة"، متجاهلا جرائم الانقلابيين بحق المدنيين في" تعز" خاصة.
وقبل أيام، اقتصرت زيارة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية ومنسق لإغاثة في حالة الطوارئ ستيفن أوبراين، على العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة الواقعتين تحت سيطرة الانقلابيين، بينما لم يزر محافظة تعز، التي ارتكبت المليشيا فيها مجزرة ذهب ضحيتها 4 أطفال، وأصيب 8 آخرين، في قصف عشوائي طال منطقة "بير باشا" المكتظة بالسكان والواقعة غرب المحافظة، وهو ما يؤكد تعاطي مسئولي الأمم المتحدة مع الحوثيين، ودعمهم برفع تقارير تخدمهم، بتضخيمها لأضرار استهداف التحالف لمواقعهم، والتغاضي عن جرائم المليشيا بحق المدنيين في مختلف المحافظات.
وبذلك تكون الأمم المتحدة، داعمة للانقلابيين، وتشكل الغطاء لهم، فيواصلوا إغراق اليمن في حمام الدم، واستمرار الصراع في البلاد، مع الاستفادة من تقارير المنظمات التابعة لها، لابتزاز دول التحالف العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، كان آخرها ما قاله المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي نيد برايس يوم أمس الأحد 9 أكتوبر/تشرين الأول إن" التعاون الأمني الأمريكي مع السعودية ليس شيكا على بياض"، في إشارة إلى أن بلاده سوف تقلص دعمها للتحالف الداعم للشرعية في اليمن.