[ يمنيون بالخارج ]
تسببت الصراعات والحرب في اليمن، وهي الصراعات الدامية التي لا تلوح لها نهاية في الأفق حتى الآن؛ في تسريح المئات من الكوادر اليمنية، وكان من بينهم الصيدلي عبد الله أحمد، الذي أغلقت أمامه كل سبل العمل في مجال تخصصه العلمي. اختار عبد الله أن يلتحق بجبهات القتال، لأنه لم ير من حل سوى إنهاء وضع الحصار عن تعز، الذي أفقده عمله، وأغلق سبل الحياة في وجهه.
ويواجه العديد من الحاصلين على الشهادات العليا في اليمن وضعًا مشابهًا فيما يخص البطالة، لكن الكثير منهم يختارون اختيارًا مختلفًا تمامًا عن اختيار عبد الله، وهو خيار الهجرة والفرار، على أمل أن يجدوا في الغربة وطنًا لا يضطرون فيه لحمل السلاح. علمًا بأن الحرب أفقدت مليون ونصف مليون مواطن يمني وظائفهم.
صورة من السطح
بحسب أرقام البنك الدولي وجامعة الدول العربية، فقد ارتفعت نسبة هجرة العقول من أصحاب الكفاءات والأكاديميين والمخترعين في مختلف التخصصات، من المنطقة العربية ارتفاعًا ملحوظًا وكبيرًا، وتصل بعض التقديرات إلى أن العقول والكوادر المهاجرة من العالم العربي تمثل 50% من مجموع تلك الكوادر العربية.
وعقدت العديد من التقارير، مقارنات بين إسرائيل المتقدمة على الصعيدين العلمي والتكنولوجي، والتي تجذب العلماء والمفكرين والمخترعين والمهاجرين ذوي الشهادات العليا، من أوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وتوطنهم في أراضيها، وبين الدول العربية التي تفقد بشكل سنوي أنبغ عقولها وأكثرهم تفوقًا، فعلى سبيل المثال يذكر جهاز الإحصاء المصري، أن 822 عالمًا مصريًا متخصصين في تخصصات نادرة للغاية يعيشون في الخارج.
وتشير الأرقام إلى أن ما يقارب 20 مليون مواطن من الشرق الأوسط، هم مهاجرون في مختلف بقاع العالم، وتحتل اليمن مرتبة متقدمة في تصدير عقولها للخارج من بين الدول العربية، مع فلسطين والعراق والجزائر وسوريا والأردن ولبنان، بعد مصر والمغرب، علمًا بأن اليمن وسوريا يسيران بتقدم الآن ليصبحا الأكثر تصديرًا لعقولهما، بسبب النزاعات والحروب المستمرة على أراضيهما، فمنذ عامين تقريبًا، كانت الصومال تحتل المرتبة الأولى من حيث أعلى نسبة مهاجرين من أصحاب التعليم العالي إلى خارج الوطن، تليها لبنان والمغرب، لكن اليمن الآن صارت مرشحة بقوة لتحتل موقعًا قريبًا من الصومال في هذا السياق.
ويُعد الأطباء، بشكل عام، شريحة عظمى بين المهاجرين العرب إلى الخارج من أصحاب الشهادات العليا، وهو ما يراه البعض سببًا أساسيًا في تدهور وعرقلة التقدم الطبي والخدمة الطبية التي تقدمها الدول العربية لمواطنيها، والواقع أن اليمن واحدة من الدول التي يتسرب منها الأطباء بوتيرة متسارعة للغاية، بالأخص في السنوات الثلاث الأخيرة.
في اليمن، وتحديدًا بعد عاصفة الحزم، ارتفعت نسبة البطالة بين الشباب اليمني بوتيرة متسارعة للغاية، علمًا بأنها كانت مرتفعة للغاية حتى قبل عصافة الحزم، وكانت تصل إلى نسبة قدرها 52%، بحسب أرقام الأمم المتحدة، ومنذ بداية العاصفة، توقفت العديد من الأعمال في الشركات والمؤسسات والمنظمات والجامعات بشكل شبه كلي، نتيجة للحرب الدائرة في البلاد.
عقول اليمن تزدهر في الغرب
خلال السنوات الثلاث الماضية، وبسبب الأزمات السياسية المتلاحقة والعنف العكسري المشتعل وانسداد أفق الحلول، هجر اليمن أكثر من خمسة آلاف كادر يمني نوعي، هذا إلى جانب عشرات الآلاف من حملة الشهادات العليا والمتوسطة، الذين يعملون في دول الجوار، وتشير التقارير إلى أنه من جراء الأزمة السياسية، تعطلت حركة الاستثمار في اليمن فترة طويلة بشكل شبه كامل، وهو ما تسبب في تكبيد اليمن خسائر قدرها 14 مليار دولار. علمًا بأن الأشخاص الذين يزدحمون في مكاتب حجز تذاكر الطيران بصنعاء، بشكل يومي، تمثل الشريحة الأكبر منهم، الطبقتين العليا والمتوسطة، وما تحتوي عليه من كوادر وعقول نابغة.
ويمثل الأطباء والمعلمون نسبة كبيرة من المهاجرين إلى خارج اليمن، إذ أكدت وزارة التربية والتعليم اليمنية، في نهاية عام 2014، أن عدد المعلمين المهاجرين قد ارتفع ليصل إلى 40 ألف معلم، وتصل نسبة العجز في الكادر الطبي في اليمن، بحسب أرقام وزارة الصحة اليمنية إلى 50%، تحديدًا في وقت وصول الحرب لذروتها، وهو ما تسبب فيه كعامل أساسي، هجرة الكوادر الطبية ذات التخصص النوعي، ومنهم العديد من المهاجرين إلى دول الخليج العربي الغنية.
وتشير بعض الأرقام إلى أن من تبقى من ذوي التخصصات الهامة في اليمن، لا يزيد عددهم عن 10 آلاف متخصص، وهو عدد ضئيل للغاية مقارنة بعدد السكان في اليمن الذي يصل إلى حوالي 24 مليون نسمة.
تُشير كذلك بعض التقارير والشهادات، إلى أن هناك عاملًا أساسيًا في هجرة الكوادر اليمنية، غير عامل قلة المال والأجر، وهو عامل تحول بعض الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات إلى ما يشبه الإقطاعيات لعائلات بعينها تتحكم فيها وفي وظائفها.
وتسبب توقف العمل ببعض الجامعات نتيجة الصراع المسلح، إلى توقف العديد من أساتذة الجامعات عن إجراء البحوث، وانعدام إمكانية البحث والتطبيق الميداني أمامهم، وقد قرر العديد من هؤلاء هجرة البلاد والبحث عن موطن يحتضن عقولهم في الغربة.
وبحسب أستاذة مناهج وطرق التدريس، زبيدة الضالعي، فإن: »الأحداث الراهنة في اليمن، جعلت الجميع يبتعدون عن القراءة والاطلاع، وهذا نتيجة طبيعية لما نمر به، لأن الإنسان بطبيعته يبحث أولًا عن الأمان والاستقرار، قبل الثقافة والمعرفة«.
وتزدهر العقول اليمنية في الخارج، وربما لا يعرف الكثيرون ذلك. على سبيل المثال، عالم الفيزياء النووية في وكالة »ناسا« الفضائية، والبروفيسور ناصر زاوية، عميد الدراسات العليا في جامعة روود أيلند بالولايات المتحدة الأمريكية، والبروفيسور مصطفى العبسي، مدير معهد »دولوث« الطبي بالولايات المتحدة، وهلال الأشول، مدير مختبر الأبحاث الجزيئية والكيموحيوية بلوزان في سويسرا، والعالمة اليمنية مناهل عبد الرحمن ثابت، الباحثة الاقتصادية، التي تعد أصغر فتاة في العالم تحصل على دكتوراة في الهندسة المالية.
الحكومة لا تملك حلًّا سحريًّا
منذ عامين، ومع زيادة الملاحظات حول هجرة العقول اليمنية، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي اليمني هشام شرف، إن وزارته لا تملك حلًّا سحريًّا لحل مشكلة هجرة الكفاءات والعقول النابغة، مؤكدًا آنذاك أن وزارته قد اعتمدت خطة لحل المشكلة، ولكنه أكد وقتها أن هذا يتطلب زيادة اعتمادات المنح العلمية، من 50 مليون دولار سنويًا، إلى 200 مليون دولار.