[ تظاهرة للانقلابيين في صنعاء - إرشيف ]
أقدمت السلطات الشرعية ودول التحالف العربي على اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد الانقلابيين في اليمن، بالتزامن مع استعداد الانقلابيين للاحتفال بيوم سيطرتهم على العاصمة صنعاء، الذي يوافق يوم 21 سبتمبر، وأيضا استعدادهم لتشكيل حكومة، بعد تشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد".
وتتمثل الخطوات التصعيدية ضد الانقلابيين في كل من قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي بنقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، وإجراء تغيير جزئي في حكومة ابن دغر، يتزامن ذلك مع اشتداد المواجهات في مختلف الجبهات، وتكثيف التحالف العربي لغاراته الجوية ضد مواقع الانقلابيين، وتكثيف التغطية الإعلامية لمجريات الحرب في اليمن من قبل الإعلام الخليجي.
وكانت منظمات دولية ودول كبرى قد ضغطت في بداية الحرب بعدم نقل البنك المركزي إلى عدن وضرورة تحييده عن الصراع، إلا أن الانقلابيين ظلوا يعبثون بالبنك، ونهبوا كثيرا من احتياطي النقد الأجنبي، وتسببوا في الكثير من الأزمات الاقتصادية.
ضوء أخضر
يعطي التصعيد المتأخر ضد الانقلابيين دلالات تعكس في مجملها تعذر الحل السياسي والدخول في حرب استنزاف طويلة ضد الانقلابيين حتى يتحقق الحسم العسكري، وذلك لصعوبة تحرير العاصمة صنعاء بشكل سريع وخاطف، خشية الخسائر المتوقعة في صفوف المدنيين.
وهناك جانب مهم في هذا الصدد، يتعلق بموقف المجتمع الدولي من الحسم العسكري، والمقصود بذلك موقف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومنظمة الأمم المتحدة، فالمعروف أن المجتمع الدولي ظل يضغط باتجاه الحل السياسي، ومارس ضغوطا على السعودية حتى لا تحسم المسألة عسكريا، لكن يبدو أن المجتمع الدولي منح السعودية ضوءا أخضر لمواصلة الحرب على الانقلابيين حتى يتحقق الحسم العسكري، وذلك بسبب تعنت الانقلابيين، ورفضهم للحل السياسي، ومواصلة التصعيد ضد السلطة الشرعية، واستهداف الحدود السعودية بأسلحة إيرانية الصنع.
وكان المجتمع الدولي قد ظل خلال الفترة الماضية يعمل على إنقاذ الميليشيات الانقلابية كلما أوشكت على الانهيار، من خلال الضغط على السعودية بوقف الحرب على الميليشيات، واللجوء إلى الحوار والتوافق على حل سياسي، ويهدف المجتمع الدولي من حرصه على الميليشيات الطائفية وإبقاءها مؤثرة وفاعلة في المشهد السياسي كون ذلك يخدم أجندته في المنطقة العربية المتمثلة في إحياء وتعزيز دور الأقليات بالشكل الذي يعرقل أي محاولة للتحول الديمقراطي الحقيقي، وجعل بلدان المنطقة العربية أسيرة الحروب والأزمات الداخلية، حتى لا تنهض وتشكل خطرا على إسرائيل وتتحرر من الهيمنة الغربية.
وإذا كان المجتمع الدولي قد تراجع عن مواقفه السابقة، فإن ذلك يعني نجاح الدبلوماسية السعودية في التأثير على هذه المواقف، وإيضاح حقيقة الانقلاب في اليمن، ومدى خطره على الشعب اليمني، وخطره على أمن السعودية ومصالح حلفاءها الغربيين.
ويلاحظ أن وسائل الإعلام الدولية المؤثرة، والمنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، خففت من انتقادها للسعودية، بعد أن شنت حملات إعلامية موجهة ضدها بهدف ابتزازها، بدليل أن الهجوم الإعلامي استهدف السعودية وحدها، ولم يطال بقية حلفاءها في دول التحالف العربي المشاركة في الحرب على الانقلابيين في اليمن.
لكن يبدو أن السعودية استطاعت التعامل بذكاء مع الحملات الإعلامية الموجهة ضدها، واستثمرت التطورات الأخيرة وقدراتها الإعلامية والدبلوماسية في التأثير على مواقف المجتمع الدولي، من خلال إيضاح الحقائق، ثم استأنفت عملياتها العسكرية في اليمن بكثافة ودقة، والحرص على عدم تكرار الأخطاء التي راح ضحيتها مدنيين أبرياء في وقت سابق.
مبررات التصعيد
هناك العديد من المبررات المقنعة للمجتمع الدولي للتصعيد المتأخر ضد الانقلابيين، وخاصة بعد تعذر الحل السياسي للأزمة، وبالتالي فلن يجد المجتمع الدولي حلولا بديلة سوى التصعيد العسكري حتى يتحقق الحسم، أو إجبار الانقلابيين على تقديم تنازلات جادة والرضوخ للحل السياسي تحت ضغط عصا الحسم العسكري.
ومن مبررات التصعيد ضد الانقلابيين المقنعة للمجتمع الدولي، استمرار الخطوات التصعيدية من قبل الانقلابيين، مثل عزمهم تشكيل حكومة تمارس أعمالها من صنعاء، بعد تشكيلهم ما أسموه "مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد"، وأيضا استهداف الحدود السعودية مع اليمن بصواريخ إيرانية الصنع، تم تهريبها إلى اليمن أثناء الهدنة التي تزامنت مع محادثات الكويت الفاشلة.
ورغم ضغوط المجتمع الدولي السابقة على السعودية بأن لا تحسم الأزمة عسكريا، لكن أمن واستقرار السعودية يعتبر خطا أحمر بالنسبة للمجتمع الدولي، نظرا لمصالحه الاقتصادية الهائلة مع السعودية، التي تحتوي أكبر مخزون نفطي في العالم، وسوقا ضخمة للسلع الاستهلاكية الغربية الصنع، وهذه المصالح لا يمكن للمجتمع الدولي أن يخسرها من أجل إنقاذ ميليشيات طائفية انقلابية في اليمن، وإذا أراد إنقاذها فإن ذلك من أجل خلق بؤرة توتر مزمنة في المنطقة وليس التخلي عن السعودية، وما تحتويه من مخزون نفطي هائل وموقع استراتيجي هام.