[ حكومة بن دغر أكدت أن عودتها نهائية إلى عدن ]
تبدو الخيارات محدودة أمام تحالف الانقلابيين في اليمن (المخلوع علي صالح والحوثيين) بعد عودة الحكومة إلى عدن بشكل نهائي، ونقل البنك المركزي إلى هناك. وفيما تراوحت ردود الأفعال من قبل بعض القيادات الانقلابية بين التهوين من مسألة نقل البنك المركزي وإدانة هذه الخطوة والتعبير عن الاستياء منها، دعا زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، المواطنين إلى دعم البنك المركزي ولو بـ50 ريال من كل مواطن، وهذه الدعوة تعكس حجم الضربة التي تلقتها الميليشيات الانقلابية بعد قرار نقل البنك إلى عدن.
والسؤال هنا: ما هي خيارات الانقلابيين للتعامل مع الوضع الجديد؟ وإلى أي مدى ستؤثر هذه الخطوات على الانقلاب؟ من المؤكد أن الانقلابيين لن يعدموا الخيارات البديلة للتعامل مع الوضع الجديد، معتمدين على سياسة "الهروب إلى الأمام" التي اعتادوها في كل مأزق، وفيما يلي أهم الخيارات.
- زيادة النهب
تشكل وسيلة نهب المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة أحد وأبرز وسائل الانقلابيين لتمويل ما يسمونه "المجهود الحربي" منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات، ورغم نهبهم لكل ما أمكن نهبه، لكن هناك شركات ومصانع خاصة لم يتم نهبها بالكامل، أو فُرِضَ على ملاكها تسديد نسبة من دخلها للانقلابيين تفوق الـ20%، وهنا، فالنهب سيطال بعض المؤسسات المتبقية، فيما سيفرض على البعض الآخر إتاوات باهضة، مما سيضطرها للاستسلام أو خسارة كل شيء دفعة واحدة.
كما أن الانقلابيين يطالبون حتى صغار التجار وملاك (البقالات الصغيرة) بدعم وتمويل المجهود الحربي، وفي بعض المناطق، خاصة الأرياف، يطالبون من المواطنين بدعم مجهودهم الحربي، وإذا رفض أحد المواطنين تقديم أي دعم يتم نهب بعض ممتلكاته، وهكذا.
وقد تسببت سياسة النهب في إفلاس العديد من الشركات، فيما اضطرت بعض الشركات إلى إيقاف نشاطها الاستثماري، ولم تعد تنشط في السوق سوى الشركات والمؤسسات التي يملكها تجار موالون للانقلابيين، لكنهم مجبورون على دفع مبالغ مالية كبيرة للانقلابيين، وبنسبة لا تقل عن 20%، وهي تعادل ما يطلق عليها "زكاة الخمس"، وفق مذهب الحوثيين!
- التنصل من المسؤولية
رغم أن الانقلابيين سيواصلون النهب والبحث عن مصادر بديلة لتمويل مجهودهم الحربي، ورغم أنهم سيستولون على إيرادات المحافظات التي يسيطرون عليها، ولن يوردونها للبنك المركزي بعد نقله إلى عدن، لكنهم ربما يتنصلون عن تسليم المرتبات للموظفين في المحافظات التي يسيطرون عليها، إذا افترضنا أن البنك المركزي لن يصرف مرتبات الموظفين في المحافظات التي لم تورد إيراداتها إليه.
وربما في حال أن البنك قرر صرف مرتبات الموظفين في هذه المحافظات، لكن من المؤكد أن بعض المرتبات سوف تنهب من قبل الانقلابيين، والبعض الآخر سيتم خصم نسب محددة منها، وبعض الموظفين غادروا البلاد أو نزحوا إلى قراهم في بداية الحرب، ورواتبهم يتم نهبها من قبل الميليشيات الانقلابية.
وفي كل الأحوال، سيواصل الانقلابيون البحث عن مصادر بديلة لتمويل مجهودهم الحربي، كالنهب والابتزاز وفرض الإتاوات وجمع التبرعات، وفي نفس الوقت سيكون الضحية الموظفين المدنيين، وسيكون عذر الانقلابيين أن البنك تم نقله إلى عدن، وأنه لا توجد أموال لصرف المرتبات.
- المزيد من الحشد
صحيح أن نقل البنك المركزي إلى عدن سيؤثر كثيراً على الانقلابيين، خاصة من ناحية حشد المقاتلين القبائليين إلى مختلف الجبهات، والذين لن يغادروا قراهم إلا بالمال والوعود بالتوظيف في الجيش والأمن وغيره، لكن الانقلابيين سيستغلون ذلك كوسيلة من وسائل الحشد، وسيحرضون القبائل على التبرعات وعلى القتال بدون مقابل مادي، باعتبار أن ما يسمونه "العدوان السعودي والأمريكي والمرتزقة والدواعش" تآمروا ونقلوا البنك إلى عدن بغرض إخضاعهم، وأنه لا بد من القتال ولا الخضوع، لكن هذه الخطوة لن تكون فعالة، لأن غالبية المقاتلين القبائليين لن يذهبوا للقتال في الجبهات بدون مرتبات أو أي مقابل مادي ولو كان طفيفاً.
الجدير بالذكر أن خزائن الانقلابيين مليئة بالأموال، خاصة من العملات الأجنبية، ذلك أنهم منذ عامين تقريباً وهم ينهبون مؤسسات الدولة المختلفة، وينهبون القطاع الخاص ويبتزونه ويفرضون عليه الإتاوات الباهظة، والأهم من ذلك أنهم نهبوا البنك المركزي طوال المرحلة الماضية، بما في ذلك احتياطي النقد الأجنبي، وهنا يمكن القول إن عملية نقل البنك المركزي إلى عدن لن تؤثر على الانقلابيين إلا بعد مرور فترة من الزمن.
- ضعف الموقف السياسي والعسكري
وإذا كان قرار نقل البنك المركزي إلى عدن قد أضعف موقف الانقلابيين أمام مناصريهم في الداخل وحلفاءهم في الخارج، فإن عودة الحكومة الشرعية إلى عدن والاستقرار فيها بشكل نهائي، أضعف أيضاً موقف الانقلابيين، ويبدو ضعفهم بارزاً من النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وأصبحت خطواتهم التصعيدية الأخيرة، كتشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى"، ودعوة البرلمان للانعقاد، والحديث عن تشكيل حكومة، كل تلك الخطوات باتت اليوم عبارة عن خطوات عبثية لم تحظ باعتراف الداخل ولا الخارج، وباتت عبئاً على الانقلابيين أنفسهم.
ورغم حالة الضعف المذكورة التي وصل إليها الانقلابيون، لكنهم سيتذرعون أمام أنصارهم بالصمود، وسيدفعون بالمزيد من المقاتلين القبائليين عديمي القيمة إلى مختلف الجبهات، وسيواصلون الانتحار سياسياً وعسكرياً، لكن إلى متى؟!