تأتي ذكرى تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح هذا العام، والتي صادفت يوم 13 سبتمبر، وسط متغيرات عاصفة يشهدها الوطن والعالم العربي بشكل عام، على خلفية التداعيات التي أحدثتها الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، التي توجهت سهامها بشكل خاص نحو الأحزاب والتيارات الإسلامية، من بينها حزب الإصلاح.
يمثل وضع حزب الإصلاح في مرحلة ما بعد الربيع العربي، مقارنةً بغيره من الأحزاب الإسلامية في بلدان الربيع العربي، حالة استثنائية جديرة بالتوقف عندها، وهي حالة إذا ما أحسنت قيادات الحزب استثمارها فإنها ستشكل منعطفاً مهما في العلاقة بين الأحزاب والتيارات الإسلامية وبعض الأنظمة العربية المستقرة، مثل أنظمة دول الخليج، من جهة، والصمود في وجه مؤامرات التقسيم التي تستهدف البلدان العربية من قبل إيران وبعض الدول الغربية على أسس مذهبية وعرقية من جهة أخرى.
حزب الوطن
لم يكن الإعلان عن تأسيس حزب الإصلاح في 13 سبتمبر 1990 مجرد حدث وليد اللحظة، فالحزب كان موجوداً قبل ذلك كتنظيم حركي يتبنى الدعوة الإسلامية والعمل الخيري والنضال السياسي السلمي بما تسمح به قوانين الدولة في تلك المرحلة، بل وكان بعض المنتسبين لذلك التنظيم الحركي متواجدون في بعض مؤسسات الدولة، وأسهموا بشكل أو بآخر في الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب اليمني في وقت انتشرت فيه التيارات الماركسية ثم التغريبية التي جعلت من مسألة طمس الهوية الإسلامية للشعب هدفاً إستراتيجياً لها.
يخوض حزب الإصلاح اليوم، بالتحالف مع السلطة الشرعية ودول التحالف العربي، معركة الدفاع عن هوية الشعب اليمني وعقيدته ووحدته التاريخية ضد أبشع عصابة إجرامية سلالية، ممثلة بالأئمة الزيديين، الذين دمروا اليمن أرضاً وإنساناً طوال مدة زمنية تجاوزت الألف ومئة عام، قبل قيام ثورة 26 سبتمبر 1962. واليوم، أطل أبناء وأحفاد هذه العصابة لاستعادة نظام الإمامة الكهنوتي المستبد، والتسلط على الشعب اليمني بذريعة الحق الإلهي وادعاء النسب النبوي، ويرتكبون مختلف الجرائم ضد الشعب من أجل إخضاعه والسيطرة عليه.
وعند التأمل في مسار الأحزاب السياسية اليمنية المختلفة وتاريخها وخارطة انتشارها على امتداد الجغرافيا اليمنية، ومقارنتها بحزب الإصلاح، سنجد أن حزب الإصلاح يكاد أن يكون الحزب الوحيد -نظراً لقوته التنظيمية- القادر على الحفاظ على الوحدة الوطنية والنظام الجمهوري الديمقراطي التعددي وهوية الشعب اليمني وعقيدته الدينية والقومية اليمنية الضاربة في التاريخ.
يكتسب حزب الإصلاح تميزه عن بقية الأحزاب والقوى اليمنية من كونه حزباً عابراً للمذهبية والمناطقية والقبلية وغيرها من العصبيات المتخلفة، وهذا الأمر يساعده في تقديم نفسه كحزب مدني ووطني نموذجي قادر على الحفاظ على الهوية اليمنية والوحدة الوطنية التاريخية والعقيدة الدينية للشعب.
فمثلاً، تحول حزب المؤتمر إلى ميليشيات مسلحة موالية للمخلوع علي صالح والحوثيين، والحزب الإشتراكي مشدود نحو ماضيه كحزب جنوبي ويحاول احتكار تمثيل الجنوب سواء في المفاوضات السياسية أو تصدر واجهة النضال السلمي الجنوبي. وهناك أحزاب سلالية ومذهبية وعنصرية ومذهبية مثل حزب الحق، وحزب الأمة، وحزب اتحاد القوى الشعبية. أما بقية الأحزاب القومية مثل الناصري أو البعث، فهي أحزاب مفرخة ونخبوية، رغم أن بعضها تحمل هم الوطن، لكنها غير قادرة على حشد الجماهير في مختلف المحافظات حول قضية معينة.
تاريخ من النضال
عند التأمل في الامتداد التاريخي لحزب الإصلاح، سنجد أن جذوره تعود إلى حركة الإصلاح اليمنية التي ظهرت في القرن الثامن عشر الميلادي، والتي أسس لها كل من الإمام محمد بن علي الشوكاني، والأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، والحسن بن مهدي المقبلي، والحسين بن أحمد الجلال، ومحمد بن إبراهيم الوزير، وغيرهم من رواد الحركة الاصلاحية اليمنية الأوائل، الذين ناهضوا طغيان الحكم الإمامي الهمجي والمتخلف، ودفعوا ثمناً باهضاً لمواقفهم الوطنية، وصمدوا في وجه أبشع الحكام المستبدين الذين لم يعرف اليمنيون مثيلاً لهم في تاريخهم. واللافت أن بعض مؤسسي الحركة الإصلاحية اليمنية كانوا من منتسبي المذهب الزيدي، لكنهم تركوا هذا المذهب، وتحولوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وناهضوا الحكم الإمامي الزيدي المستبد.
لم يكن نضال الحركة الإصلاحية اليمنية ضد نظام الإمامة بالأمر الهين، فالأئمة الذين استولوا على الحكم في اليمن تسببوا في توقف التراكم الحضاري لليمنيين الضارب جذوره في أعماق التاريخ، والذي يعود إلى حضارة مملكة سبأ، في القرن العاشر قبل الميلاد، وكان نظام الحكم شوروياً، كما ورد في قصة بلقيس والنبي سليمان المذكورة في القرآن الكريم، وكانت هناك عادات وتقاليد اجتماعية متقدمة، وكان اليمنيون أول من علم العالم القراءة والكتابة، إلى جانب الفينيقيين والبابليين، وكان اليمنيون أول من تكلم اللغة العربية، لغة العرب ولغة القرآن الكريم فيما بعد.
وبعد أن استولى الأئمة الزيديين على الحكم في اليمن، توقف التراكم الحضاري لليمنيين، وتوقفت حركة التاريخ، ونشر الأئمة عادات وتقاليد متخلفة، قائمة على السخرية والاحتقار من كل أبناء اليمن، فهناك الاحتقار على أساس المهن، وهناك الاحتقار على أساس الانتماء القبائلي أو المناطقي، وهناك الاحتقار على أساس تنوع اللهجات أو بعض العادات الاجتماعية المختلفة من منطقة إلى أخرى، والأسوأ من كل ذلك، احتقار جميع اليمنيين باعتبارهم أتباع أو عبيد أو مواطنين من الدرجة الثانية، وتمجيد الأئمة وسلالتهم، التي أطلقوا عليها لقب "السادة الهاشميين"، وادعوا الانتساب إلى بيت النبوة لتمرير فسادهم وطغيانهم، ولكل هذه الأسباب، ظهرت الحركة الإصلاحية اليمنية للنضال ضد الإمامة.
استمر الإصلاحيون الأوائل في مقارعة نظام الإمامة، وتشرد بعضهم خارج الوطن بسبب قمع الأئمة للأحرار ومطاردتهم لهم، وتوجت هذه الجهود بثورة 1948 الدستورية، التي كان محركها الأساسي التيار الإسلامي الإصلاحي، مدعوماً من قبل جماعة الإخوان المسلمين في مصر إعلامياً ومعنوياً وتخطيطاً عبر مندوبهم إلى اليمن الفضيل الورتلاني، جزائري الأصل. ورغم فشل هذه الثورة، إلا أنها تعد الثورة الأم لثورة 26 سبتمبر 1962 فيما بعد، والتي شارك فيها الإسلاميون بفعالية، إلى جانب تيارات وطنية وقومية أخرى حتى كتب لها النجاح.