يكتسب موقف الإدارة الأمريكية المقبلة من الأزمة اليمنية أهمية خاصة، لاسيما بعد الاهتمام المتأخر للإدارة الحالية، والذي كان صادماً بعض الشيء لدى الأطراف المناصرة للسلطة الشرعية ودول التحالف العربي، وذلك بعد أن أطلق وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، مبادرته لحل الأزمة اليمنية، في مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في مدينة جدة، يوم الخميس الماضي، الموافق 25 أغسطس.
وقال كيري إن الخطة الجديدة للتسوية في اليمن تقضي بسحب الحوثيين لأسلحتهم من العاصمة صنعاء وتسليمها إلى طرف ثالث دون أن يحدد من يكون، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومنح الحوثيين المشاركة في حكم البلاد، كونهم يشكلون أقلية في اليمن.
وبما أن أفق الحل السلمي للأزمة اليمنية تبدو معدومة، وفرص الحسم العسكري لصالح السلطة الشرعية معقدة وبحاجة إلى وقت وجهد، وبما أن الاهتمام الأمريكي المباشر بالأزمة اليمنية جاء متأخراً، فإن ذلك يطرح علامات الاستفهام حول طريقة تعاطي الإدارة الأمريكية المقبلة مع الأزمة اليمنية، لاسيما وأنه لم يتبق على الانتخابات الرئاسية الأمريكية سوى أربعة أشهر تقريباً.
لمعرفة المواقف المحتملة للإدارة الأمريكية المقبلة بخصوص الأزمة اليمنية، سنسلط الضوء هنا على مواقف المرشحين الأمريكيين للرئاسة من قضايا المنطقة ذات التأثير المباشر أو غير المباشر على الشأن اليمني، إذ أنه على ضوء تلك المواقف ستتبين ملامح الموقف من الشأن اليمني لكل مرشح.
رؤية هيلاري كلنتون
يختلف مرشحا الرئاسة الأمريكية (الديمقراطية هيلاري كلنتون والجمهوري دونالد ترامب) في رؤيتهما لقضايا الشرق الأوسط، وسنركز هنا على مواقفهما من القضايا ذات التأثير في الشأن اليمني.
بخصوص هيلاري كلينتون، فموقفها من العلاقات مع إيران والاتفاق النووي يميل إلى تعميق التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، والتأكيد أن منطقة الخليج تشكل مصلحة أمريكية حيوية، والحفاظ على مضيق هرمز مفتوحاً، ومكافحة وكلاء إيران في الدول الأخرى، وإشراك دول، مثل تركيا، في تضييق الخناق على الدعم المقدم لهؤلاء الوكلاء، بالإضافة إلى العمل مع دول عربية لوضع إستراتيجية إقليمية شاملة.
وفيما أيدت كلنتون الاتفاق النووي مع إيران، فإنها هددت باللجوء إلى القوة العسكرية إذا لزم الأمر لفرض الاتفاق، الذي اعتبرته أنه سيعزز أمن أمريكا وإسرائيل، وسبق لها أن أعلنت -خلال حملتها الانتخابية عام 2008- أنها ستشن هجوماً نووياً انتقامياً على إيران، إذا حاول حكامها قصف إسرائيل أو تهديدها.
وفيما يخص العلاقة مع دول الخليج، شددت كلنتون على التزام أمريكا بحماية الدول الخليجية ضد أي اعتداء أو تدخل إيراني في الشؤون الخليجية، وأكدت أن منطقة الخليج شريك مهم لأمريكا من النواحي الدفاعية والأمنية والتجارية، وترى كلنتون أن للسعودية دور أساسي من أجل التغلب على تنظيم الدولة الإسلامية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
يتضح مما سبق أن خيار فوز كلنتون يعني أنه لن يكون هناك تغيير جذري في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أهم قضايا الشرق الأوسط، لكن واضح من خلال كلامها، أو برنامجها الانتخابي بتعبير أوضح، أنها متشددة فيما يخص العلاقات مع إيران، لدرجة التهديد بقصفها، ومكافحة وكلاءها في المنطقة، ولا شك أن من بينهم الحوثيون، وهذا يعني أن ملف الأزمة اليمنية سيبقى بيد السعودية، وأن حل الأزمة في اليمن يجب أن لا يتعارض مع مصالح السعودية ومصالح الشعب اليمني، وأن إيران لن تجرؤ على التدخل العسكري المباشر، كون ذلك سيتفز السعودية، خاصة وأن كلينتون تعتبرها -أي السعودية- شريك مهم من النواحي الدفاعية والأمنية والتجارية.
رؤية دونالد ترامب
تختلف مواقف مرشح الجمهوري دونالد ترامب قليلاً عن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون، فترامب يعارض الاتفاق النووي مع إيران، وأكد أنه سيوقف البرنامج النووي الإيراني بأي وسيلة ضرورية، ويؤيد زيادة العقوبات العقوبات على إيران.
أما بخصوص العلاقة مع دول الخليج، فترامب طالب بأن تتحمل دول الخليج تكلفة إقامة مناطق آمنة في سوريا، وطالب السعودية بالتعويض مالياً للولايات المتحدة كلما ساعدتها هذه الأخيرة في حماية مصالحها.
وبالنسبة لاستخدام القوة والتدخل العسكري في العالم، يقول ترامب إن على الولايات المتحدة التدخل في الصراعات في أنحاء العالم، فقط عندما يكون تهديدها مباشراً على أمريكا وليس لأغراض إنسانية فحسب، ويؤيد ترامب الديكتاتوريين في مختلف أنحاء العالم إذا كانوا يضمنون الاستقرار.
تبدو رؤية ترامب متشددة تجاه إيران، وغامضة نوعاً ما تجاه دول الخليج، لكن الواضح أنه سيتدخل عسكرياً إذا ما اعتدت إيران على دول الخليج، وفقاً لمبدئه في أن التدخل العسكري في الصراعات سيكون عندما تتعرض المصالح الأمريكية للخطر، ولا شك أن المصالح الحيوية لأمريكا في منطقة الخليج أكثر منها في أي منطقة في العالم، ويعني ذلك أن إيران مقيدة بالمصالح الأمريكية في منطقة الخليج، ولن تستطيع التدخل عسكرياً في اليمن لارتباط ذلك بأمن دول الخليج، وبالتالي مصالح الولايات المتحدة، ولهذا، فإن الحل في اليمن يجب أن لا يتعارض مع المصالح الأمريكية وأمن واستقرار السعودية.
وفي كل الأحوال، تعتبر دول الخليج منطقة حيوية بالنسبة للمصالح الأمريكية، بصرف النظر عن تحسن علاقات الولايات المتحدة بإيران، فحالة عدم الثقة بين البلدين ستظل قائمة لسنوات، ويعني ذلك أن الولايات المتحدة ستتعامل مع الشأن اليمني بما يتوافق مع مصالح دول الخليج وليس مصالح إيران، وأن الحديث عن إشراك الأقليات في الحكم، ليس معناه تسليم اليمن لإيران، ولكنه يعكس أحد ثوابت السياسة الأمريكية الخارجية بخصوص نظرتها للأقليات في مختلف بلدان العالم، سواء كان ذلك لدوافع إنسانية، أو بغرض فكفكة البلدان من داخلها وجعلها تعيش حالة من عدم الاستقرار.