نجحت جماعة الحوثي، في السيطرة على العاصمة صنعاء، ومن ثم الاستيلاء على مقدرات الدولة، وخصوصا المؤسسات العسكرية والأمنية، خلال الفترة التي أعقبت 21 سبتمبر، وذلك بتواطؤ مباشر من قبل المخلوع علي عبد الله صالح، الذي أوعز للقيادات العسكرية والأمنية الموالية لهم بالتسليم للحوثيين وفتح تلك المؤسسات لهم، بغية الانقلاب على الشرعية القائمة، ألا وهي شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وساهم أنصار الرئيس المخلوع، وخصوصا في المؤسستين العسكرية والأمنية، في تمكين مليشيا الحوثي من السيطرة على الدولة، في شراكة متكافئة في الانقلاب، لكن بشكل غير معلن، إذ ظل علي عبد الله صالح، ينفي علاقته بما حدث في 21 سبتمبر، والأحداث اللاحقة، بالرغم من أن دوره، ودور قواته وأنصاره كان واضحا ومعلوما للجميع.
صنيعة صالح
ويرى مراقبون أن الحوثيين هم صنيعة المخلوع صالح بامتياز، فهو من سمح لهم بداية بتأسيس تنظيم الشباب المؤمن، ودعمه بأموال الشعب، وسمح لمؤسسيه بالدراسة في إيران، وخلال الثورة الشعبية، وقبل بدء هيكلة الجيش، سمح سلم المخلوع معدات عسكرية ثقيلة ومهمة للحوثيين، قبل أن يسلم لهم العاصمة صنعاء، ومدن أخرى، بعد أن دفع قيادات إجتماعية وحزبية وعسكرية إلى الانضواء تحت مضلة "المسيرة القرآنية".
وأشار مراقبون إلى أن صالح عمد أثناء فترة حكمه إلى تعيين أقربائه على قمة الجيش، وكان نحو 70% من قادة الأجهزة والمؤسسات العسكرية من قبيلته، فيما نحو 80 % من تركيبة الجيش ينتمون للهضبة "المنطقة الزيدية" لافتين الى ان التجانس المذهبي والاجتماعي لأتباع صالح وجماعة الحوثي هي العامل الرئيس لتسليم اسلحة الدولة للحوثيين.
انتقام
أوضح باحثون وخبراء عسكريون أن جماعة الحوثي، لم يكن لها أن تحقق مثل هذه المكاسب العسكرية، لولا ظاهرة "الثأر السياسي" من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بغرض الانتقام من القوة العسكرية التي أعلنت انضمامها لثورة فبراير التي أطاحت به من الحكم في 2011".
وبحسب إحصاء رسمي، فإن أكثر من نصف مليون ينخرطون في صفوف الجيش الرسمي اليمني، فيما يُقدر عدد مسلحي جماعة الحوثي عند اجتياح صنعاء بـ20 ألف مسلح قبلي.
قفاز
وفي السياق قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمد جميح، إن المخلوع صالح سلم مقدرات الدولة للحوثيين لأنه قدّر أن بإمكانه أن يستعيدها من الحوثي.
وأضاف "جميح" في تصريح خاص لـ(الموقع بوست): "صالح اتخذ الحوثي قفازا أو هكذا قدر، وظن أن بإمكانه خلعه متى شاء".
وأشار الكاتب والمحلل السياسي، إلى أن تسليم صالح مقدرات الدولة للحوثي يعود لأسباب مناطقية أكثر منها طائفية.
عكفي مهزوم من الداخل
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي فيصل علي: "ماذا نتوقع من عكفي الإمامة"، مشيرا إلى أن المخلوع صالح لم يؤمن يوما بالدولة.
ولفت في تصريح خاص لـ(الموقع بوست)، إلى أن الدولة بالنسبة لصالح، وللقبيلة الزيدية تعني السيطرة القبلية والمذهبية على مقدرات البلاد .
وأضاف "علي": "عندما خرجت الرئاسة من يده ومن يد مذهبه وقبيلته عاد وانقلب على الدولة وأعاد الحكم للإمامة"، مشيرا إلى أن المخلوع صالح لم يكن يعتبر نفسه سوى وكيلا لها، وظهر على حقيقته "عكفي إمامي" مهزوم من الداخل.
جيش غير وطني
بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي عبدالرقيب الهدياني، إنه عندما أُجبر صالح بفعل الثورة الشبابية على التنحي والتوقيع على المبادرة الخليجية، سلم ظاهريا وبروتوكوليا السلطة للرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي، لكنه "تأبط شرا للانتقام"، مستفيدا من مزايا المبادرة التي منحته الحصانة وأبقت له النشاط السياسي متاحا.
وأضاف "الهدياني" في تصريح خاص لـ(الموقع بوست): "كان الجيش والأمن الذي بناه صالح في الثلاثة عقود على أسس غير وطنية هما أداته لتنفيذ انتقامه بالثورة وكل ما له صله بها".
وذكر أن صالح وجد في الحوثيين ضالته وطموحهم الجانح نحو السيطرة والاستحواذ، فقد سلمهم الألوية والمعسكرات وسهل لهم الطريق لانتصار ثورتهم المضادة التي أوصلت البلد الى هذا الحال الكارثي.
وقال "المحلل السياسي": "كانت هناك عملية هيكلة شاملة بدأت للجيش والأمن كواحدة من أهم مقتضيات العهد الجديد لإصلاح هاتين المؤسستين"، مشيرا إلى أن صالح والحوثي استبقا جهود الإصلاح وانقضا على الدولة وأنجزا الانقلاب لولا المتغيرات الاقليمية وعاصفة الحزم التي قلبت كل الموازين – على حد قوله.
مناطقية
من جهته أوضح الناشط السياسي محمد المقبلي، أن المخلوع صالح كان يبحث عن محلُل لعودته إلى السلطة مشيرا إلى أن الرئيس هادي لم يقم بتلك المهمة.
وقال "المقبلي" في تصريح خاص لـ(الموقع بوست): "بحث المخلوع عن محلل آخر وجد في الحوثي بغيته لأسباب كثيرة من بينها قدرته على استرداد الدولة من الحوثي أسهل من استردادها من رئيس جنوبي سيرحب عن توسيع الشراكة".
وأضاف: "لو كانت الدوافع مناطقية صرفة كان سيسلمهما لأطراف أخرى من ذات المنطقة بيد أنه أراد تسليمها لطرف غير مرغوب شعبياً واقليمياً لكي يتفاوضوا معه لاستعادتها".
وأشار المقبلي إلى أن المخلوع صالح لعب لعبة الصخرة والحبل التي سقطت على رأسه والحبل الذي التف حول عنقه.