يصادف اليوم الجمعة 19 أغسطس/آب، اليوم العالمي للعمل الإنساني، الذي أٌقرته الجمعية العامة في الأمم المتحدة منذ 2008، للتوعية بأهمية المساعدات الإنسانية، وتكريما للمتطوعين الذين خرجوا للعمل في المجال الإغاثي والتطوعي خدمة للبشرية.
وفي الوقت الذي يحتفل به العالم باليوم العالمي للعمل الإنساني، وتحت شعار"إنسانية واحدة"، ما زالت ذاكرة اليمنيين، تعج بشتى صنوف الأعمال اللاإنسانية التي قامت بها مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية،، فمنذ أن سقطت صنعاء بأيديهم، زادت حاجة اليمنيين لتواجد الجمعيات والمنظمات الإنسانية، بعد تفاقم نسبة الفقر في البلاد، خصوصا بعد أن أغلق الانقلابيون مئات المنظمات والجمعيات العاملة في المجال الإنساني.
الحرب ضد الإنسان
رصدت عديد من المنظمات الدولية والمحلية عشرات الانتهاكات التي طالت، نشطاء وجمعيات ومنظمات إنسانية مختلفة، بعد سقوط العاصمة صنعاء بيد المليشيا في سبتمبر/أيلول 2014.
وفي إحصائية حديثة صادرة عن مركز الإعلام الاقتصادي، الذي قام بدراسة حول الانتهاكات التي يتعرض لها المجتمع المدني في اليمن، ذكر أن 60% من منظمات المجتمع المدني تعرضت لانتهاكات ومضايقات، و 19% أوقفت أنشطتها.
ووفقا للتقرير فقد احتلت المليشيا الانقلابية المرتبة الأولى في عدد الانتهاكات التي مورست ضد المنظمات التي استهدفها استبيان قام به المركز بنسبة 70 % من إجمالي عدد الانتهاكات، تلاها تنظيم القاعدة بنسبة 13 % ، بينما توزعت بقية الانتهاكات على جهات مجهولة وأطراف محلية متنفذة.
بدورها وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015، مداهمة وإغلاق المليشيا الانقلابية لـ 33 منظمة في صنعاء وحدها، وكذا مصادرتها الأصول والمعدات للعديد من تلك الجهات، واعتقالها عشرات النشطاء.
في حين لفت مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في اليمن، إلى أن المليشيا أغلقت الكثير من تلك المنظمات بحجة أنها موالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح المناوئ لها.
وتشير إحصائيات حديثة صدرت هذا العام، إلى وجود130 مليون من النساء والرجال والأطفال في جميع أنحاء العالم، بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وبمعدل كل 3 دقائق يجبر 88 شخصا على الفرار من منازلهم في مناطق الصراعات.
وفي ظل الواقع المرير الذي نتج جراء الحرب، التي أشعلت فتيلها المليشيا الانقلابية في اليمن، تتحدث إحصائية صدرت عن البنك الدولي في يوليو/حزيران الماضي، عن ارتفاع مستوى الفقر في البلاد، إلى أكثر من 85%.
مفاقمة معاناة المستفيدين
ويقول نشطاء تحدثوا لـ(الموقع بوست) إن المليشيا الانقلابية، قامت بإغلاق جميع المنظمات الإنسانية، وتركت فقط الموالية لها والتي تتبعها، مستنكرين تسييس العمل الإنساني الذي فاقم معاناة الآلاف في البلد الذي يغرق في الفقر، ومؤكدين أنه لم يقتصر على حزب فقط (في إشارة إلى "الإصلاح" الذي يهتم بمثل تلك الأنشطة الإنسانية).
وفي هذا السياق، يقول الناشط والصحفي المتخصص في العمل المجتمعي همدان العليي، إن مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، قامت بإغلاق عدد كبير من المنظمات والجمعيات منذ وصولها إلى محافظة عمران عام 2014، وقبل سقوط صنعاء.
وأكد العليي لـ(الموقع بوست) أن محاربة المليشيا لجهات العمل الإنساني المختلفة، انعكس سلبا على كثير من الأسر الفقيرة والطلاب، موضحا أن إغلاق الجمعيات التي كان البعض منها تعمل على كفالة آلاف الأيتام في عمران وصنعاء والمحويت وحجة وبقية المحافظات اليمنية، من خلال تقديم المأكل والمشرب والملبس والخدمات الصحية ودعم التعليم، فاقم من معاناتهم، وهو ما جعل الكثير من الأيتام يتركون مدارسهم ويلجئون للعمل، بهدف توفير احتياجاتهم وأسرهم.
وأشار "العليي" إلى أن مليشيا الحوثي وصالح، لفقت العديد من التهم السياسية للجمعيات الخيرية، التي تمول سكن للطلاب الجامعيين في أكثر من مدينة، وحرمت مئات المستفيدين من تلك الخدمات.
وأعرب عن أسفه، في ختام حديثه، عن تجميد المنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية لنشاطها تماما، لأنها لا تستطيع رصد وتوثيق الانتهاكات التي تحدث على الأرض، في ظل سيطرة جماعة دينية مسلحة تعتبر عمل هذه المنظمات عمالة للخارج.
أنموذجا
في مارس/آذار 2015، وفي ذروة تضييق المليشيا على الحريات الصحفية ومنظمات المجتمع المدني، كان "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي" (منظمة مجتمع مدني غير ربحية)، واحدا من أكثر من مائتين جمعية ومنظمة لاقت نفس المصير، إذ تعرض للإغلاق ونهب محتوياته من قبل الانقلابيين الذين يسيطروا على العاصمة صنعاء.
وفي هذا السياق، يروي لـ(الموقع بوست) أحد موظفي المركز (الذي فضل عدم الكشف عن اسمه)، أن المليشيا قدمت إلى المركز وطردت موظفيه، وتمركزت فيه قرابة شهرين، وفي أعقابها بدأت بعملية النهب المنظم للممتلكات وأجهزة المركز وجميع محتوياته.
ولفت إلى أن ممتلكات ومحتويات المركز التي نُهبت قدرت بـ12 مليون ريال يمني، وما يقارب ألف عنوان في مكتبته.
وفي تصريحات صحفية سابقة أكد النشطاء أن المؤسسات الإنسانية المختلفة، تعرضت للعديد من الانتهاكات إضافة إلى الاغلاق، إذ تم مراقبة الحسابات البنكية لبعضها، ومنع تمويلها من قبل بعض التجار، وتوجيه تمويلها لأنشطة المليشيا القتالية.
الخوف من تعريتها
وفي هذا السياق يستنكر الناشط الإعلامي والحقوقي فيصل الذبحاني ما يحدث، ويقول إن الحرب في اليمن التي تخوضها المليشيا الانقلابية، لم تقف عند القتل والتنكيل والارتهان لإيران للعبث بالهوية الدينية للبلد، بل وصلت لحد النيل من كل المؤسسات المدنية، والتي لا تحظَ بقبول الهاشمية السياسية في اليمن، فكان مصيرها الإغلاق باستثناء، من لها ولاء لهم ولفكرهم الطائفي.
وأكد لـ(الموقع بوست) أن المليشيا الانقلابية تدرك تمام الإدراك أن العمل المدني يشكل خطرا حقيقيا على طبيعية الأعمال الميليشاوية التي يمارسونها، كون أعمالهم تتسم بالعنف ومخالفة كل القوانين والأعراف، ولا تلتزم إلا بقوانينها الخاصة والمتمثلة بالقتل والتدمير لكل مخالفيها، وما تدمير المنازل ودور العبادة، إلا جزء يسير من فظائعهم.
أما منظمات المجتمع المدني الدولي في اليمن، فقد كشف زيف عملها، وكيف أنها تكيل بمكيالين، فهي تلتفت إلى أخطاء وجرائم طرف الشرعية، ويتغاضون عن جرائم المليشيا، حد قول الناشط "الذبحاني".