جاء إعلان التلفزيون الإسرائيلي أخيراً أن مذيعة عربية ستتولى تقديم نشرة الأخبار المركزية بالعبرية مساء كل سبت على شاشة القناة الأولى، ليضم غدير كمال (32 سنة) الآتية من دالية الكرمل جنوب شرقي مدينة حيفا الى اعلاميين عرب يعملون في الأوساط الإعلامية الإسرائيلية مثل لوسي هريش التي تقدم برنامجاً تلفزيونياً على القناة الثانية بعنوان «استضافة مشهور»، وتعد وفق تقارير اعلامية اسرائيلية الأكثر مشاهدة في اسرائيل، وشبلي منصور الذي يقدم موجز نشرة الأخبار أيضاً على القناة ذاتها، ولتصبح كمال بهذا الاختيار أول عربية تتولى تقديم نشرة أخبار مركزية بالعبرية.
ظهور غدير كمال وفق هذه التقارير يحمل أيضاً زخماً مختلفاً عما سبق، فهي الى جانب كونها مذيعة محترفة أبدت مهنية عالية في برامج قدمتها على القناة الأولى، وقناة 33 قبل اختيارها لهذا الموقع الإعلامي الحساس وتحظى بنسب مشاهدة عالية في أوساط العرب واليهود على حد سواء.
بالتأكيد لن يتدخل المعلقون في النقاشات التي تتناول انخفاض نسب المشاهدة في التلفزيون الرسمي الإسرائيلي مقارنة بتلك التي تحظى بها المحطات الخاصة. كما أن غدير كمال لن تقدم حلولاً سحرية للنهوض بهذه المحطة المتعثرة كما يصفها المعلقون أنفسهم من باب تسويق مجاني لها، ومع هذا فإن ثمة استقراء للوضع الإشهاري الإعلامي الإسرائيلي يوحي بأن الاستعانة بالعنصر العربي في «انتشال» هذه المحطات من «كبواتها» له ما يبرره استناداً الى التقارير التي تتوالى وفق الاستبيانات التي تجرى من حولها بين الفينة والأخرى نظراً الى حساسية الوضع العربي في المحيط الإسرائيلي.
لكن الاستعانة بوجوه اعلامية عربية لن يمر مرور الكرام في دولة دأبت أساساً على تخليص الفضاء العربي في حدودها من لغته، حتى أضحت «اللغة العدوة»، وهاهي تتيح لإعلاميين عرب فرصة الظهور على شاشاتها لتقديم نشرات وبرامج بلغتها الإقصائية التي تسمرت خلفها منذ أن أقيمت الدولة الإسرائيلية من دون أن تتيح لمواطنيها محاولة فهم الكيفية التي عالجت فيها الحضور القوي لهذه اللغة، وكيف أزاحتها من طريقها من طريق تحويلها الى أداة استخبارية في عيون متكلميها، حتى أنه يستحيل النظر الى يهود يتكلمون العربية من دون شكوك تحوم حولهم بكونهم عملاء لأجهزة الأمن الإسرائيلي أو عاملين في وحدات «المستعربين».
أما لجهة قيام علاقة تحاورية تدعم فكرة بقاء العنصر العربي مستقلاً وذا ثقافة وكينونة لها خصوصيتها في هذه الدولة، فإن هذا قد يعد من «دعابات» المجتمع الإسرائيلي وهي كثيرة في هذه المجال: أقلها إن من يريد من العرب البقاء في هذا المحيط عليه أن يتعلم «اليديشية» وهي لغة عبرانية ألمانية قديمة منقرضة نجحت دائرة المعارف الإسرائيلية يوماً في استنهاضها و «بعثها» من الرماد لتصبح اللغة التي تترجم اليها أفلام عربية دأب التلفزيون الإسرائيلي على سرقتها منذ أكثر من أربعة عقود، في ما يخالف منطق التاريخ نفسه، اذ يحدث للمرة الأولى اعادة احياء لغة من بين اللغات الميتة.
تستخدم المذيعة العربية الفلسطينية غدير كمال هذه اللغة في النشرات التي تقدمها من الآن فصاعداً عبر شاشة القناة الأولى، وهذا أمر واقع لا يمكن نكرانه، ولذا فإنه يمكن الإشارة الى تقارير اسرائيلية قوية حول جدوى الاستقطاب في صفوف العرب والإسرائيليين من عدمها، حين تقع هذه اللغة نفسها في فخ السقوط والتردي ما يدفع بها الى الاستعانة بـ «أعدائها» لإنقاذ برامج تذاع بها من الكساد وعدم النضوج في مخاطبة المشاهد الإسرائيلي.
وقد يبدو مبالغاً القول هنا إن غدير كمال وزملاءها سيقدمون رقى سحرية في نوع النشرات والبرامج التــي اختيروا من أجلها للاطلالــة عبر شاشات التلفزيون الاسرائيلي، لكنها تكشف عن مفارقة غريية، ففي حين نجح الاسرائيليون في تحويل اللغة العربية في دولتهم الى «مفخخات أمنية» لا تحمل بعداً ثقافيا من أي نوع بدا على الضفة المقابلة أن اللغة الرسمية لهذه الدولة بحاجة الى مزيد من النفخ حتى تخرج من سبات الكساد والترويج اللذين تمر بهما، وماعلى المحطة التلفزيونية الرسمية الاسرائيلية الأولى الا أن تثبت عكس ذلك في عملية الاستقطاب التي تقوم بها لاعلاميين واعلاميات من العرب.