[ مليشيا الحوثي - أرشيفية ]
عقب اندلاع القتال في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي ومسلحي حركة حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، قامت جماعة الحوثيين في اليمن، بإطلاق موجات من الطائرات المسيرة والصواريخ الجوالة والبالستية، بإتجاه ميناء إيلات، الذي يمثل المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، وتمر عبره معظم تجارتها مع البلدان الآسيوية، بدعوى مساندة الشعب الفلسطيني. ثم في منتصف نوفمبر الماضي، عرضت الجماعة صوراً لإنزال جوي على سطح سفينة تجارية قبالة سواحل اليمن، أين قام مقاتلوها بتحويل وجهتها واحتجازها.
وأعلنت الجماعة أنها ستستهدف السفن التجارية "التي لها علاقة بإسرائيل"، ما استوجب رداً دولياً، قابلته الجماعة بالتحول إلى الاستهداف المنهجي لحركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب.
وتعرض الحوثييون إلى ضربات جوية، منذ سيطرتهم على العاصمة اليمنية، لكنها لم تنجح في ردعهم أو تقليص قدراتهم، ما أثار تساؤلات حول فاعلية الضربات الغربية الأخيرة في تحقيق ما لم تنجح فيه قوات التحالف السعودي الإماراتي.
مشهد معقد وتحالفات متضاربة
منذ عام 2014 يسيطر الحوثبون على جزء هام من شمال ووسط اليمن، حيث يعيش نحو ثلثي سكان البلاد. كما يتحكمون في موانئ بحرية تطل على البحر الأحمر، أهمها ميناء الحديدة التجاري، وميناء رأس عيسى الذي يتم منه تصدير جزء من النفط اليمني.
ويُشكل الحوثيون امتداداً للجماعات التي تعتنق المذهب الشيعي الزيدي، المتواجدة في شمال اليمن، والتي تتخذ من مدينة صعدة معقلاً لها، وكان يمثلها نظام "الإمامة" الملكي، الذي تمت الإطاحة به عقب إعلان الجمهورية عام 1970.
وحدث ذلك إثر حرب إقليمية تدخل فيها الجيش المصري لمساندة الثورة العسكرية المسلحة التي اندلعت عام 1962، فيما تلقى الزيديون مساعدة علنية من المملكة السعودية والأردن وأسلحة وذخائر من إسرائيل سراً.
عقب حكم استمر منذ سنة 1978، بدأ الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، يواجه معارضة متزايدة، خصوصاً مع اندلاع أحداث ما يُعرف بالربيع العربي عام 2011، عندما ساند الحوثيون التحركات المؤيدة للإطاحة بحكم صالح، والذي خاضوا ضده مواجهات مسلحة قبل عقد من ذلك، رافعين شعار محاربة الفساد والنفوذ المتزايد لعائلة الرئيس.
لكنهم سرعان ما تحالفوا مع صالح، الذي ينتمي للطائفة الزيدية مثلهم، للسيطرة على العاصمة صنعاء عام 2014، وإبعاد رئيس "يمن ما بعد الثورة"، عبد ربه منصور هادي، وهو سني من الجنوب وكان نائبا لصالح في السابق، إثر فشل ما عرف بـ "الحوار الوطني في اليمن".
توحيد الساحات
لم يدم التحالف بين الحوثيين وصالح طويلاً، إذ سرعان ما أعلن هذا الأخير، أنه مستعد للحوار مع التحالف الذي تقوده المملكة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، التي عُرفت بعملية "عاصفة الحزم" بدأت عام 2015، وكرد فعل على ذلك لم يتردد الحوثيون في اغتياله بعد يومين من ذلل الإعلان.
وفي تلك الفترة من الحرب تحولت المخاوف من تزويد إيران للحوثيين بالأسلحة إلى حقيقة، إذ لم تتردد الجماعة في إطلاق الصواريخ البالستية والجوالة ضد كل من المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة.
يقول الخبير الأمني والاستراتيجي، رياض قهوجي، الذي تحدث إلى بودكاست زوايا، أن تهديدات الحوثيين ليست جديدة، وأن دول المنطقة حذرت الولايات المتحدة طيلة أكثر من عشر سنوات، من تنامي قدرات الجماعة العسكرية، ما يجعلها قادرة على تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
ويضيف قهوجي، أن الحوثيين باتوا يملكون ترسانة ضخمة من الصواريخ البالستية والجوالة، كما انخرطوا فيما يُطلق عليه مصطلح "توحيد الساحات"، وهي إشارة إلى ساحات القتال التي تنخرط فيها المجموعات المسلحة الموالية أو المقربة من إيران. ولذلك لم تتردد جماعة الحوثي في اتخاذ إجراءات عسكرية لمساندة حركة حماس، إثر اندلاع القتال فبي قطاع غزة.
قدرات عسكرية متنامية
تشير عدة تقارير غربية، إلى تزويد إيران للحوثيين بمجموعة من الصواريخ البالستية والجوالة، بالإضافة إلى عدد من الطائرات المسيرة.
كما تؤكد تلك التقارير امتلاك الحوثيين للقدرة على تصنيع وصيانة تلك الأسلحة. وخلال شهر يناير نفذت البحرية الأميركية عملية معقدة لاحتجاز شحنة من الأسلحة، كانت متجهة من إيران إلى الحوثيين في اليمن عبر بحر العرب، وتبين أنها تحتوي على صواريخ مضادة للسفن، وقطع غيار ومحركات للصواريخ الجوالة والبالستية.
وحسب الخبير الأمني رياض قهوجي، فإن خطوط الملاحة البحرية الدولية، التي تعبر البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، تقع في مدى عمل تلك الأسلحة. كما أن بعض النماذج من الصواريخ البالستية يبلغ مداها الألفي كيلومتر، ما يمكنها من الوصول إلى إسرائيل.
لم تنجح قوات التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية خلال عملية "عاصفة الحزم"، التي استمرت عدة سنوات، في القضاء على الترسانة الصاروخية للحوثيين. بل نجحت الجماعة في أخذ دروس مستفادة من تلك الحرب، لتحصين مواقعها، وتركيز منشآت التخزين والصيانة في كهوف داخل الجبال، ما يعقد أي عملية لتدمير قدراتهم العسكرية.
كما طور الحوثيون قدراتهم بالاعتماد على ترسانة الجيش اليميني، والمساعدة التقنية من طهران، ليس فقط من ناحية إنتاج الصواريخ، بل حتى الزوارق الموجهة. كما يعتمد الحوثيون على إيران في الحصول على المعلومات الاستخبارية، لمراقبة الملاحة البحرية، اين تتمركز سفن مراقبة إيرانية تجمع المعلومات عن السفن التي تمر من مضيق باب المندب.
يرى الخبير الأمني والاستراتيجي، رياض قهوجي، أن الضربات الجوية الأميركية والبريطانية لن تردع الحوثيين، ولن توقف استهدافهم للسفن التجارية.
ويذكر قهوجي بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مارسا ضغوطاً على التحالف العربي، لمنع سيطرته على ميناء الحديدة، وإبقائه تحت تصرف الحوثيين، ويعتبر من أهم منافذ إدخال المساعدات الإنسانية لليمن الذي يعاني من المجاعة وانتشار الأمراض على إثر الحرب.
لكن الآن بات من الواضح أن تلك السياسة أدت إلى موقف خطير تُسيطر فيه جماعة مسلحة على مواقع استراتيجية، تمكنها من تهديد الملاحة الدولية. يُذكر في تلك الفترة، أعلن مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، أن الولايات المتحدة لديها اتصالات استخبارية مع الحوثيين لاستهداف تنظيم القاعدة.
الحوثيون .. هل تردعهم ضربات الغرب؟
يتفق رأي قهوجي مع تحليلات مراكز الدراسات الاستراتيجية الأميركية، بخصوص عدم جدوى الحملة المنتقدة للتحالف العربي، ومنع قوات التحالف العربي من السيطرة على ميناء الحديدة والسواحل اليمنية، وأن السياسات الغربية تجاه اليمن كانت فاشلة، وغير واضحة المعالم. في الأثناء سيؤدي حصار السواحل اليمنية إن تم، إلى تردي الوضع الإنساني المنهار أصلاً، ويأتي ذلك في ظل قرار واشنطن إعادة تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، الذي يدخل حيز التنفيذ اليوم، الجمعة.
كما ستحاول إيران فرض وجهة نظرها، ودفع الدول الغربية إلى التفاوض معها طبقاً لشروطها، التي تتضمن ليس فقط وقف القتال في غزة، بل جملة من التفاهمات الإقليمية.
وتعتمد إيران في ذلك على عدم حاجة الحوثيين إلى تحقيق انتصار عسكري حقيقي، بل يكفي أن يستمر إطلاق الصواريخ والمسيرات غير الدقيقة في اتجاه السفن العابرة لمضيق باب المندب، لإدخال البلبلة وتعطيل حركة الملاحة التي بدأت بالفعل بالانخفاض بعد تحويل عديد شركات الشحن لوجهة سفنها، في انتظار حل دبلوماسي لهذه الأزمة.