يمرّ 12% من حجم التجارة العالمية عبر البحر الأحمر كل عام، ما يساوي تقريباً 790 مليار يورو، وقبل أسبوع من بداية موقف الحوثيين كانت 300 سفينة تدخل إلى باب المندب في البحر الأحمر، تحمل بين 15 و25 شخصاً على متنها.
خلال الفترة الماضية كانت التوترات الحاصلة في البحر الأحمر، وتحديداً منطقة باب المندب، أحد أبرز تأثيرات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتضامناً مع أهل غزة أعلنت جماعة الحوثي اليمنية أنها تستهدف السفن التي تعبر باب المندب باتجاه تل أبيب أو إلى دول لها علاقة مع إسرائيل، وذلك في محاولة من الحوثيين للإضرار بتل أبيب وحكومة نتنياهو وتخفيف الضغط على الفلسطينيين.
لكن على جانب آخر تأثرت قناة السويس في مصر جراء توتر الملاحة في هذه المنطقة، إذ يمرّ من القناة نحو 10% من حجم التجارة العالمية، ما يؤثر أيضاً في دول أو شركات أخرى تمتلك ناقلات عملاقة تمرّ في القناة.
وطبقاً لتصريحات رسمية من هيئة قناة السويس، انخفضت الملاحة فيها نحو 30% خلال النصف الأول من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، فيما تراجع دخلها عن الفترة نفسها 40% مقارنة بعام 2023، وكان التراجع نحو 544 سفينة مقارنة بـ777 سفينة عن الفترة نفسها في العام الماضي، أما الحمولات فتراجعت بنسبة 41%.
الطرق البديلة.. هل ممكنة فعلاً؟
يمرّ 12% من حجم التجارة العالمية عبر البحر الأحمر كل عام، ما يساوي تقريباً 790 مليار يورو، وقبل أسبوع من بداية موقف الحوثيين كانت 300 سفينة تدخل إلى باب المندب في البحر الأحمر، تحمل بين 15 و25 شخصاً على متنها، ما يكشف أهمية هذه المنطقة بالنسبة إلى العالم.
ومضيق باب المندب قناة اتساعها 32 كيلومتراً، يفصل شمال شرق إفريقيا عن اليمن، وهو المدخل الجنوبي لمنطقة قناة السويس في مصر.
ومع بداية هذا التوتر أعلنت شركات هامة في الشحن البحري، مثل هاباج لويد الألمانية، وميرسك الدنماركية، وبريتيش بتروليم البريطانية، عزوفهم عن المرور في البحر الأحمر، والتحول إلى طريق رأس الرجاء الصالح، أول الطرق البديلة القديمة لقناة السويس.
ورغم أنه يزيد فترة الإبحار بين 7 إلى 15 يوماً وبالتالي يزيد التكلفة، حسب جهة المغادرة والوصول أكثر من قناة السويس، فإن الشركات العالمية اعتبرته آمناً خلال هذه الفترة.
وقد ظهرت فكرة البحث عن بدائل لقناة السويس منذ جنوح سفينة إيفر جيفن في مارس/آذار 2021 بالقناة نفسها، لكن حتى الآن لم تصبح هذه الطرق منفذة بشكل كامل أو لا يزال بعضها يعمل جزئياً، لأنها تحتاج إلى عمل وتعاون بين دول عدة لتنفيذها.
ومن هذه الطرق طريق بحر الشمال الذي يبدأ من روسيا، والذي روّج له على أنه البديل الحقيقي لقناة السويس، إذ يبلغ طوله 5556 كيلومتراً ويربط بين بحر بارنتس ومضيق بيرينغ، باعتباره أقصر طريق بين قارتي أوروبا وآسيا، وقد أعلنت الصين قدرتها على دعم روسيا لتنفيذ هذا الطريق.
وهناك أيضاً طريق بحري بري هندي أوروبي أُعلن عنه في قمة العشرين الأخيرة، يربط بين الهند والاتحاد الأوروبي مروراً بإسرائيل والأردن السعودية والإمارات، وهو طريق يمر بالبحر أولاً ثم السكك الحديدية ثم عربات نقل، إلى البحر مرة أخرى، حسب وجهة البداية والنهاية، وهو طريق طويل مقارنة بقناة السويس لأن المرور بين الشرق والغرب من خلالها يجري في 11 ساعة تقريباً.
ومنذ عام 2013 أُعلن عن طريق الحرير الصيني، ويشمل عدداً كبيراً من الدول و6 أنواع من الطرق والمواني والسكك الحديدية، ولكن مشكلة النقل عن طريق هذا المشروع تكمن في أن ما يمكن أن تحمله سفينة عملاقة لا يمكن لقطار أن ينقله في وقت واحد.
ومنذ عام 2012 تتحدث إسرائيل عن خط سكك حديدية إلى ميناء إيلات، ورغم خفوت الحديث عن خط القطار لفترة فإن جنوح السفينة عام 2021 والحرب الدائرة في قطاع غزة حالياً أعادا إلى الأذهان الإسرائيلية الحديث عن المشروع، لكي تستخدمه السفن بديلاً لقناة السويس وتفرع السفن حمولتها في إيلات إلى القطارات حتى ميناء أشدود أو حيفا لتتجه مرة أخرى عبر البحر إلى أوروبا.
وحول مسألة الطرق البديلة لقناة السويس يقول د. خالد يوسف، وكيل كلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء بجامعة بني سويف، إن الطرق الأخرى طويلة وبعيدة وتستخدم طرقاً برية ثم بحرية وهكذا، موضحاً أن هذا "يؤدي إلى تكلفة عالية ومخاطر، وكلها أمور في صالح قناة السويس التي تختصر الوقت والتكاليف".
ويشير يوسف في حديثه مع TRT عربي إلى أن "البحر ليس له بديل"، وبالتالي النقل الجوي لا يمكن أن يكون بديلاً لقناة السويس أو للنقل البحري عموماً، إذ لا يمكن نقل منتجات مثل البتروكيماويات عبر الجو.
ويؤكد أنه في حال جرى العمل على منطقة قناة السويس الاقتصادية، سيكون لذلك فائدة اقتصادية كبيرة على مصر والمنطقة، وستقلل أهمية الطرق البديلة أياً كانت.
تدخُّل دولي.. لأجل إسرائيل أم التجارة؟
نظراً إلى ما يحدث في البحر الأحمر وعلاقته بالتجارة العالمية، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية الصين بأن تتدخل لدى إيران لوقف جماعة الحوثي عن عملياتها في البحر الأحمر، إذ تواصل الأولى مساندة إسرائيل محاوِلة إبراز أن "هدف الحوثيين هو التجارة العالمية وليس من يساندون إسرائيل".
وجرت في واشنطن مناقشة الأمر مع مسؤولين صينيين، لكن الولايات المتحدة قالت إنها غير متأكدة من "ضغط الصين على إيران في هذا الشأن"، في حين قال وزير الخارجية الصيني إنه يُجري محادثات لوقف التوتر في البحر الأحمر تجاه السفن.
وشنت أمريكا وبريطانيا هجمات جوية ضد أهداف للحوثيين في اليمن يومي 11 و23 يناير/كانون الثاني الماضي، وكذلك في 4 فبراير/شباط الحالي، وقالت الدولتان إن هذه الضربات "لحماية المرور الحر للتجارة".
بدوره أشار وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إلى أن المملكة المتحدة "مستمرة في إضعاف قدرة الحوثيين".
إيجابيات محتملة
ويرى المستشار الاقتصادي د. وائل النحاس أن لما يحدث في قناة السويس من تأثر بتوترات البحر الأحمر إيجابيات، فإذا كان هذا يؤثر في حركة الاستيراد والتصدير الداخلية فقد يكون لصالح مصر، التي تنوي تقليل الواردات إلى أكبر كم ممكن مما يوفر الدولار ويقلل التضخم الحاصل داخلياً منذ فترة، وكذلك وقفها لتصدير بعض المنتجات أدى إلى توافرها في السوق المصرية، ما يقلل أسعارها لزيادة كمية المعروض منها.
ويضيف النحاس لـTRT عربي أن هذه الفترة تشهد إعادة تشكيل للمنطقة بالعمل على "إذابة إسرائيل مع من حولها بمساعدة إماراتية وأوروبية"، وهو ما يفسر الحديث عن "المشروع الإماراتي-الإسرائيلي بديلاً لقناة السويس، والذي سيؤدي بالإمارات -إذا تم المشروع- إلى سيطرة جديدة في البحر الأحمر".
ويؤكد المستشار الاقتصادي أن كل الخطط البديلة لقناة السويس في المنطقة لها "غلاف سياسي"، متعلق بإسرائيل أو بأمريكا ونفوذها المتأرجح في المنطقة، "فأحياناً نشعر أن المشروعات البديلة ستنفذ، وأحياناً أخرى نشعر بابتعادها"، حسب النحاس.