يمثل إعلان اللجنة التحضيرية للمجلس الموحد للمحافظات الشرقية في9 كانون الثاني/يناير منعطفًا جديدًا في مسار تجارب المجالس الجهوية في اليمن؛ لاسيما في ظل ما يمثله هذا المجلس باعتباره يضم أربع محافظات تمثل أكثر من ستين في المئة من جغرافيا اليمن؛ علاوة على أن التجربة تأتي في مرحلة استثنائية في تاريخ البلاد الغارق في الحرب منذ تسع سنوات، وتتجاذبه مشاريع عديدة مدعومة إقليميًا، ولم يتضح حتى اللحظة بصيص أمل في نهاية النفق، وعلى الرغم من التصريحات الأممية عن اقتراب التوقيع على خريطة طريق؛ إلا أن القراءة الواقعية تفضي إلى طريق ما زال ملغوما!
وشهدت محافظة شبوة، وهي إحدى محافظات المجلس الموحد، إشهار مجلس شبوة الوطني مؤخرا، وسبقتها حضرموت وتلتها عدن، وقبل ذلك مجلس أبناء المهرة وسقطرى.
يعتقد مؤسسو هذه المجالس أنها الحل الأنجع لتجاوز الواقع الراهن وحماية الحقوق وضمان تمثيل أبناء كل منطقة في السلطة وتحقيق التقاسم العادل للثروة؛ عقب فشل المكونات السياسية الحزبية في تحقيق تطلعات الناس كما يرى البعض؛ فضلاً عن أن تجربة هذه المجالس تمثل تكريسًا، من وجهة نظر مؤيدي المجلس الموحد للمحافظات الشرقية، لنظام الأقاليم، الذي تم إقراره في مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2013/2014 كما يعتبروها الضمان لتجاوز زمن التهميش والإقصاء لحقوق أبناء تلك المناطق، بينما يرى ناقدوها أنها جزء من مخطط يمعن في تمزيق البلد وإفراغه من مفاعيل قوته من خلال تمزيق ما هو ممزق، فيما يرى آخرون أنها تأتي في سياق الصراع الإقليمي لتقاسم النفوذ داخل البلد من جهة، ومحاولة إجهاض مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى.
بين كل ذلك، يتسرب كل يوم من بين أصابع اليمن أبناؤه المخلصون الذين يؤازرون وحدته الجغرافية ومكانته الحضارية ويعول عليهم إعادة تأسيس دولته المنشودة، ممن يحرصون على تصحيح مساره من خلال تجاوز فجور الخصومة وصناعة المشاكل اللامتناهية إلى الشجاعة في وضع الحلول وتقديم التنازلات، التي تضمن مستقبلاً مستقرًا يُعيد فيه اليمنيون ترتيب أوراق بلدهم وفق مقتضيات العصر؛ ليتجلى تعبيرًا حقيقيًا عن رغبتهم في إعادة الاعتبار للمواطنة المتساوية والحقوق والحريات، وتكريسها قانونا وممارسة عبر صناديق الانتخابات والتداول السلمي للسلطة. مثل هذا الحديث ربما صار يتراجع للهامش مع تزاحم المشاريع الصغيرة الممولة إقليميًا على طريق الاستحواذ على مستقبل البلد.
عودا على بدء: ثمة أسئلة نحاول من خلالها قراءة تجربة المجالس الجهوية وفق رؤى مؤيدة من داخلها وأخرى ناقدة من خارجها. أبرز هذه الأسئلة تتمثل في أهمية وجود مجلس موحد للمحافظات الشرقية، وهل سيكون هذا المجلس وغيره من المجالس الجهوية لصالح اليمن، وماذا يعني تأسيس هذا المجلس بعد تأسيس مجلس حضرموت الوطني وتأسيس مجلس مماثل في شبوة، وما الدور المعول أن تمارسه هذه المجالس لصالح المحافظات، وهل يمكن اعتبار هذه المجالس بديلاً عن الأحزاب ومكونات سياسية أخرى، أم أنها دليل على فشل الأحزاب وتلك المكونات في مهامها، وما ضمانات نجاح هذه المجالس؟ وهي الأسئلة التي ناقشتها "القدس العربي" مع عدد من قادة الرأي في محافظات حضرموت وشبوة وسقطرى وعدن.
خطوة ممتازة
يعتبر عمر بن هلابي، رئيس الاتحاد العام للإعلاميين والناشطين في المحافظات الشرقية أن تأسيس المجلس الموحد للمحافظات الشرقية خطوة ممتازة لضمان حقوق هذه المحافظات ومعالجة ما لحق بها من جور حد تعبيره، مؤكدا أن علاقة هذا المجلس بالمجالس الأخرى ستكون تكاملية.
وقال: في واقع الحال تأسيس المجلس الموحد للمحافظات الشرقية خطوة جدًا كبيرة من وجهة نظري الشخصية. طبعًا شهادتي مجروحة، ولكن أنا أعتقد أنها خطوة ممتازة ورائعة في أن هذه المحافظات المتجانسة تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا وثقافيا وقبليا هي مترابطة ترابطا تاريخيا قويا جدا، وترابطها مميز عن بقية المناطق في الجمهورية اليمنية؛ ولذلك أعتقد أن تكوين مجلس موحد يجمع كلمة هذه المحافظات وينسق بينها لما يخدم بناء الدولة المستقبلية المنشودة مهم جدا.
وأضاف: تكوين مجلس موحد للمحافظات الشرقية (شبوة حضرموت المهرة وسقطرى) مهم؛ لأنها تمثل أكثر من ستة وستين في المئة من مساحة الجمهورية اليمنية، ونسبة كبيرة من دخل اليمن الاقتصادي. وتمثل في ثقلها الاقتصاد ومركز الثروة، كما أن لها شواطئ طويلة جدا، كما تربط الجمهورية اليمنية بالمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. وهذه ارتباطات قوية جدًا في هذه الجغرافيا. ولذلك أعتقد أن توحيد كلمة هذه المناطق ودعمها سيصب في مصلحة اليمن.
دور تكاملي
وأشار بن هلابي إلى أن بيان اللجنة التحضيرية للمجلس الموحد أكد دعمه الكامل واعترافه وإقراره ومساندته لمجلس حضرموت الوطني وكل المكونات داخل حضرموت ولمجلس المهرة وسقطرى وغيرها بما فيها المكونات في شبوة. كل هذه يدعمها هذا المجلس؛ لأن العمل تكاملي بين المجلس الموحد والمجالس في المحافظات الأربع بما يخدم الجميع؛ وليس كما يؤوله البعض.
ولفت إلى أن اللجنة التحضيرية سوف تُنجز وثائق المجلس ومشروعه، والتي بها سيزول كل هذا اللبس وستتضح الصورة. وقال: بالعكس المجلس الموحد سيسند كل هذه المجالس، وهو داعم لها، وفي الوقت نفسه هو يتكامل معها ومع كل الأعمال الوطنية التي تخدم بناء ركيزة أساس ومنطلق لبناء الدولة المستقبلية.
واعتبر المجلس الموحد هو مجلس تكاملي يدعم المجالس الأخرى، وسيعمل على انتزاع حقوق هذه المحافظات، ويثبتها بدعم وتوافق وتكامل مع هذه المجالس سواء مجلس شبوة أو المهرة أو حضرموت أو غيرها من المكونات التي تعمل في داخل كل محافظة.
ويعتقد بن هلابي أن الأحزاب فشلت في انتزاع حقوقها قبل حقوق المحافظات أو الشعب الذي تمثله. "الأحزاب الموجودة في الساحة لم تقدم شيئا للمواطن في أي محافظة. الفكرة الأساسية التي أتى منها المجلس الموحد لأبناء المناطق الشرقية هو إلغاء هذا التهميش الذي فشلت الأحزاب عن مقاومته. الآن هناك ظلم واضح على المناطق الشرقية بشكل خاص وعلى الجميع. ولكن نحن شعرنا أننا مقصيون تمامًا، وكان هناك عمل منظم لتهميش الشرق نهائيا. بالنسبة لنا في الشرق نرفض أن تقسم الجمهورية اليمنية بين شمال وجنوب؛ لأن هذا إلغاء كامل لنا في الشرق، ونحن كما قلت نمثل العمق الاستراتيجي والتاريخي والحضاري في الجغرافيا اليمنية. ولذلك أتى هذا المجلس ليلغي هذه الفرية والتجاوز الظالم بحق هذه المناطق".
وعن ضمانات نجاح هذا المجلس أوضح أن الضمانات هي في التفاف الشعب بكل فئاته وفي كل مناطقه. "أنا أعتقد أن المرجعيات الثلاث مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن 2216 كلها تعطينا الحق، وتعطينا الدافع أن نقول إن هذه ميزة كبيرة لنا وفرصة لنجاح هذا المجالس. المجلس سيكون الركيزة الأساسية؛ لأنه يقر بحق الجميع ويطالب بحق الشرق في التمثيل الندي المتساوي في الدولة وفي الثروة والسلطة، وأيضا يعطي فرصة، ويفتح الباب كاملا أمام المناطق الأخرى أن تحذو نفس الحذو. نحن نقول أعلنا اللجنة التحضيرية، وهي ستجتمع خلال الأسبوعين القادمين، وستقر وثائق المجلس، وسينطلق بتوافق الجميع، وستكون ملبية لطموح الجميع ومطمئنة للجميع، وتسعى لبناء ووضع حجر الزاوية لبناء دولة المستقبل المنشودة، الدولة الضامنة لجميع شركاء الوطن في الجغرافيا اليمنية".
مكونات طارئة
الصحافي والكاتب عوض كشميم، محافظة حضرموت، قال: "أنا شخصيًا لا أعول على جميع المكونات الطارئة التي أوجدتها ظروف الحرب، وهي في الأساس جاءت وفقًا لعمليات أوراق ضغط على طرف ما سواء شمالا أو جنوبا في إطار صراع التمثيل أثناء إقرار عملية السلام والعودة للحوار بين طرفي الأزمة اليمنية".
وأضاف: "حقيقة أن وجود كيانات حديثة هدفها تأكيد على الوجود والشراكة والتمثيل بحيث أن المحافظات الشرقية ترى أنه لا يمثلها طرف جنوبي ما وأنها تريد تمثيلا مستقلا، وهكذا بالنسبة لمجلس حضرموت الوطني، لكن الخشية أن الهدف من تأسيس هذه المكونات كأوراق ضغط فقط ووجودها مرحلي".
مجالس ديكورية
فيما تساءل الكاتب والباحث، علي سالم بن يحيى، رئيس مركز التغيير للإعلام والدراسات، في محافظة شبوة: "ما جدوى تشكيل مثل هذه المجالس (الديكورية) أقل وطأة من صفة (الكرتونية) والوطن ما زال في غياهب جب سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيون) وما زالت المرحلة مبكرة جدًا للنظر لمثل هذه التشكيلات، والسؤال الأهم: لماذا هذه التشكيلات فقط في المحافظات الجنوبية؟ ولماذا هذا الإصرار العجيب على الحشد والتحشيد لهكذا مكونات في الجنوب؟! ثم ثانيا، ما يخص المجلس الموحد للمحافظات الشرقية، أراه حقا يُراد به باطل، ويعلم الجميع الخلفية السياسية والفكرية لمن أتوا به، دون مشاورات ودون إجماع، وهناك من اعتذر عن انضمامه للمجلس، ومن تفاجأ بوجود اسمه ضمن ذلك الكيان، دون التشاور معه أو أخذ إذن موافقته، وعارضته أصوات مؤثرة في محافظة المهرة، وسقطرى".
وأضاف: "المجلس في حد ذاته، جاء لتمزيق الممزق في الجنوب، ونكاية بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرى نفسه أنه الممثل الشرعي للجنوب، وهو في الأساس فشل في إدارة المحافظات الجنوبية من وجهة نظري، وقدم نموذجا سيئا لإدارة الحكم. بالتالي يحاول أدعياء الإقليم الشرقي المشاركة في (قضم) الكعكة، وايجاد موطئ قدم لقيادته في خانة المشاورات السياسية لإنهاء الحرب في اليمن، وتمثيلهم للمحافظات، بهدف كسب مصالح شخصية ليس إلا..!".
وتابع: لا أعتقد أن هذه التشكيلات والمكونات الجهوية أسست لخدمة الوطن، بقدر ما كانت كخنجر مسموم في خاصرته. ورأينا أن الكثير من النماذج السابقة أثبتت فشلها الذريع، ولو كانت تلك الأموال المصروفة لتشكيلها صُرفت لخدمة المواطنين لكانت أجدى وأنفع. هذه المجالس الجهوية لا تؤسس لكيان قوي، بل هي أهون من خيوط العنكبوت، وبمثابة مناديل ورقية سريعة الانتهاء بمجرد استخدامها".
استطرد: "لن يأتي المجلس الموحد بجديد سوى بمزيد من المناكفات والتباينات وتعميق الخلافات الجنوبية التي لم يأن لها أن تذوب، حتى وهي ترى الجنوب يذهب منها ويختطف، لأنها (أي المجالس) أتت لتنفيذ دور قام برسمه المخرج والممول، لترسيخ مفهوم إن الجنوبيين اتفقوا على ألا يتفقوا، وبالتالي ترحيل قضيتهم العادلة، وابعادها من بنود التسويات السياسية والاتفاقات إلى حين أن يتفقوا، وهي لعبة أقرب لما نشاهده في لعبة (شد الحبل)".
ومضى يقول: "كما ذكرت سابقًا لن تأتي بجديد، سوى المزيد من الاحتقانات، ومزيدًا من الأموال لقياداتها والتنعم بها على حساب غلابى المحافظات ومن يتضورون جوعا وعطشا وفقرًا، فآخر ما يفكر فيه الساسة، وأصحاب هذه المجالس المواطن المسكين، الذي استغلوه مطية لجلب الأموال، والانتصار لمصالحهم الشخصية بعيدا عنه بأميال وكيلو مترات".
وفيما يتعلق باعتبارها بديلا عن الأحزاب أضاف بن يحيى: "أثبتت الأحزاب السياسية اليمنية فشلها الذريع، وبعدها – كبعد الشمس عن الأرض- في إثبات جدارتها على الساحة السياسية، رغم الخبرات المتراكمة، والكوادر، والامكانات المهولة (لبعض الأحزاب الكبيرة) إلا أنها فقدت بوصلة اتصالها مع المواطنين وقربها منهم، وظهرت أشبه بالميت الحي. ولو عملنا مقاربة بين تلك الأحزاب، وبين المكونات الجديدة، لظهرت معادلة الفشل كعلامة فارقة بينهم".
وخلص قائلا: "ما بني على باطل فهو باطل، فالغرض من تلك المجالس واضح، لا علاقة للجنوب، والمواطن بها، هي مجرد فقاعات صابون، ولن تصمد طويلا، فالهدف والغرض صار مفهوما، وبالتالي تنعدم ضمانات نجاح هذه المجالس التي تُشكل بين ليلة وضحاها، بعيدا عن الإجماع، بعيدا عن المصلحة الحقيقية للوطن والمواطن".
الإطار الجامع
من جانبه، قال الصحافي علي علوي من أبناء محافظة أرخبيل سقطرى: في اعتقادي أن وجود مجلس كهذا إن كان توجهه صحيحًا فسيكون هو الإطار الجامع للمحافظات الشرقية، وأهميته تكمن في توقيت ظهوره، حيث أتى في وقت فشلت أو تقزمت بقية القوى، التي تتحدث باسم المنطقة الشرقية، والفرق في كونها تتحدث باسم منطقة جغرافية محددة كالمجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى أو مجلس حضرموت الوطني، لكن المكون الجديد سيكون أكثر حضورا وأهمية في حال توافرت النوايا ووجدت الاتفاقات على المصالح بين المحافظات الشرقية".
فيما يتعلق بإمكانية أن يكون هذا المجلس لصالح اليمن يرى أن المجلس هو امتداد لـ"لكانتونات الهلامية" التي تصنعها دول التحالف والتي تستمد قوتها من تلك الدول، وتتلاشى بانتهاء الدعم، ويضيف "ما يمكن أن يؤخذ على تلك المكونات أنها آنية البقاء سريعة الاضمحلال وقياداتها يسيرون في فلك المصالح والمكاسب؛ فلذا أعتقد لا فرق بين هذا المكون الجديد وسابقية إلا بالمسمى".
ويرى أن "المكونات من هذه المجالس تتشابه في توجهها وأهدافها، لكنها تتنافس وتتناقض في سعي الآخر للحضور، وجميع تلك المكونات تظهر بقوة وتختفي بشكل مفاجئ؛ لأن انطلاقها عبثي وآني مرتبط بمصالح ضيقة ولا تضيف شيئا يذكر".
وفيما يتعلق بالدور المعول عليها لصالح المحافظات، قال: "في قراءة متمعنة نجد أن وجود تلك القوى والمجالس مجرد توجه سياسي، وخصوصًا لو تم الاطلاع على مبادئها وأسسها وأدبياتها سنجدها تخلو من أي شيء يتحدث عن مختلف المجالات الحياتية التي تهم المواطن؛ فالهدف السياسي واللهث حول مطامع السلطة وضعف السلطة المركزية واستشراء الفساد أظهرها كمنقذ، لكن في واقع الحال نلاحظها مجرد بهرجة إعلامية، وليس هناك ما يمكن أن يلمسه المواطن، الذي يعاني فوق مقدرته، والناس هناك وفي حقيقة الأمر يعولون على تلك المجالس على أن تُوجِد شيئا ملموسا، وهم يعولون على ذلك، وواقع الأمر يكشف أن لا شيء يمكن الاستناد إليه من تلك المكونات، والتي كان أبرزها المجلس الانتقالي الذي انتقل من مرحلة الظهور إلى الإقصاء والاستقواء، وصدم المتأملين والمتطلعين بأن لا جديد إلا المحسوبية والفساد المنظم".
وتابع: "في حال كانت هناك إرادة صادقة وشجاعة ووضوح في التوجه ومصداقية في إخراج المحافظات إلى بر الأمان وإيجاد البديل الذي سيخرج الوطن من أزمته، أعتقد نعم هذه المجالس يمكن أن تكون هي بديل عن الأحزاب، لكن بواقعها المهترئ وعنصريتها لا أعتقد أنها البديل الأنسب هي فقط مستفيدة من عامل الزمن والواقع، أما أن تحقق شيئا فلا أعتقد؛ لأن الأحزاب بمساوئها لديها توجه وخطط واضحة ومنفتحة على الآخر رغم أن فيها فساد ونقص في الوصول لتجسيد مفهوم الحزبية الحقيقية، بينما تلك المجالس تعاني من عنصرية ومناطقية تعيد عقارب الساعة إلى مرحلة السلطنات".
ويرى علي علوي أنه لا توجد ضمانات لنجاح هذه المجالس؛ فجميعها تأتي ممولة خارجيًا ووجدت ضد بعضها البعض، وتوقع "سنرى تقوقعها واضمحلالها، وقبل ما تتوجه لأعمال ومناكفات غير التي وجدت من أجلها فسيبرز صراع السلطة والأقطاب فيما بينها، وحين تتوقف القوى الداعمة عن التمويل ستتحول إلى اسم وأطلال؛ ولذا لا ضمانات لأن الممول والداعم من الخارج وصراع الاستحواذ سيلتهم كل ما كانوا يعدون له، وسُتغلق كبقية الحوانيت التي فُتحت في اليمن".
حمى الصراع
هنا يتحدث الصحافي والكاتب، باسم فضل الشعبي، رئيس مركز مسارات للدراسات الاستراتيجية والإعلام في عدن، قائلا: لا أهمية لتلك المجالس إطلاقا وإنما تعزز فعلاً من حمى الصراع بين المكونات المختلفة داخل الجنوب، والذي تدعمه قوى خارجية وأحزاب ومراكز قوى.
وأضاف: "عمومًا هذه المجالس كلها هي موجودة في الإعلام فقط أما على الواقع لن يكون لها وجود، وعادة ما يكتفي قادتها بالبيان التأسيسي واستلام الدعم، ثم السفر للعيش خارج البلاد، وفي كل محطة أو مناسبة يصدرون بيانا يسجلون موقف وهكذا.. وهذا طبعًا يحدث في ظل تراجع سلطة الدولة المركزية التي عجزت عن أن تكون تعبيرًا حقيقيًا عن تطلعات الناس في الحاضر والمستقبل".
ويرى الشعبي أن هذه المجالس "لن تكون لصالح اليمن، وأعتقد بعض الحمقى أن المجلس الشرقي هو ضد المجلس الانتقالي ومشروعه مثلا وهكذا.. لأن في الواقع هذا ضد المشروع اليمني الجامع.. وهكذا حينما عجزت قيادة الدولة اليمنية في مناطق نفوذها إنتاج مشروع للجميع لجأت إلى تفريخ هذه المجالس بدعم إقليمي حيث وجد الإقليم ضالته في ذلك لتحقيق أحلام قديمة باقتطاع شرق اليمن عن جنوبه وقبلها تفتيت اليمن كله. مشروع المجالس الجهوية مشروع خطير على مستقبل الدولة اليمنية الجامعة، وعلينا أن ندرك أن منع انفصال الجنوب مثلا لا يكون بإنشاء إقليم أو مجلس شرقي، وإنما بحل مشكلة الجنوب التي انتجتها حرب صيف 94 والتي أجمع كل اليمنيين على عدالتها.. الذهاب إلى تقسيم البلد إلى مجالس أو أقاليم متعددة أمر فيه خطورة ليس على الجنوب فحسب وإنما أيضا على مستقبل اليمن كدولة وهُوية جامعة؛ وهذا العمل يخدم أطرافا خارجية ولا مصلحة لليمنيين فيه إلا كونهم مجرد أدوات ينفذون ما يملى عليهم للأسف".
واعتبر ما يحصل هو "ضرب النسيج الاجتماعي وتفتيت ما تبقى من دولة في مناطق نفوذها وإحياء الهويات المحلية، التي اندثرت إبان قيام الدولة في جنوب اليمن في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر 67 وهذا يؤكد غياب الرؤية لدى القيادة السياسية اليمنية، وعدم قدرتها على مواجهة المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الناس، والتي تسببت في رفع الشعارات والسقوف والمطالب السياسية، وبدلا من أن يتم الصراع على إصلاح الأوضاع فإنه يتم على تمزيق ما تبقى من بلد، وهذا أمر كارثي جدا".
وقال:" لن تمارس هذه المجالس أي دور إيجابي لصالح المحافظات؛ لأنها غير نابعة من حاجة الناس، ومن مطالبهم الحياتية والمعيشية، وإنما هي عبارة عن أوراق سياسية يتم اللعب بها بين الحين والآخر ضمن الصراع الداخلي والخارجي في اليمن لاسيما في الجنوب. هذه المجالس لم تقدم شيئا على صعيد التنمية والاقتصاد والحالة المعيشية للناس… فقط هي تبحث عن حصتها من الكعكة والدعم الخارجي لتنفيذ أجندة معينة مضرة. وهذا كما أسلفت تعبير جلي عن فشل السلطة الشرعية والتحالف العربي في ايجاد مشروع جامع لكل اليمنيين".
وفيما يتعلق بكونها بديل عن الأحزاب قال: "ليست بديلًا عن الأحزاب بل هي من بناة تلك الأحزاب، وهي أيضا تعبير عن فشل الأحزاب السياسية على الصعيدين الوطني والسياسي. كيف لهذه الأحزاب أن تسمح بتفريخ مجالس جهوية هنا وهناك وهي، أي الأحزاب، يفترض أنها مؤسسات وطنية منوط بها الحفاظ على البلد ووحدته ونسيجه الاجتماعي والوطني؟ الأحزاب متورطة في هذا العمل الخطير بصورة أو بأخرى لأن معظم قياداتها هم من قيادات هذه المجالس؛ وبالتالي هي شريكة فيما يحدث في البلد من خراب وتفتيت سيدفع ثمنه الجميع".
وفيما يخص ضمانات نجاح هذه المجالس أردف باسم: "الضمانات هي استمرار الدعم الخارجي وإذا توقف هذا الدعم ستموت وستنتهي هذه المجالس في اليوم التالي لتوقف حنفيات الدعم".
وبعد؛
يبقى اليمن في مأزق ومأزق كبير، وكل يوم تتسع مأساته السياسية، مع تزايد الرؤوس التي تدعي وصلا بحلم الوطن وحقوق المواطن، بينما الواقع أن الواحد صار متعددا، وعلى الرغم من ذلك، هناك من يمعن في إغراق البلد بمزيد من الانقسام، الذي معه تتسع الثلمة، ويصبح النزف خطيرا وكارثيا؛ لكن ذلك يبقى مرهونًا بما يقرره اليمنيون صوب سيادة واستقلال بلدهم وتحقيق طموحات جميع أبنائه في تقاسم السلطة والثروة، وتلك الثنائية ما زالت عقدة بيادق الصراع الداخلي تحت لافتات خارجية، والتي سيقرر اليمنيون يومًا ما اسقاطها، والعودة للذات الوطنية وحقها في حماية حقوقها وكيانها؛ وبالتالي يمكن الحديث عن أي مكونات أو مجالس فهي ستكون رافدا ما دامت هناك دولة قوية تُعيد الاعتبار لمكانة الوطن ومعيشة المواطن وسيادة ووحدة واستقلال البلد.