قبل أن نطرح هذا السؤال/ العنوان يفترض أن نعرف ماهية الأهداف التي تقف وراء العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن فجر الجمعة والسبت، والذي شن وفق جماعة أنصار الله (الحوثيون) عشرات الغارات استهدفت مواقع في خمس محافظات يمنية منها العاصمة صنعاء. وأكدت الجماعة أن الأضرار والخسائر المادية الاستراتيجية تكاد تكون منعدمة؛ وهو مؤشر سيتأكد بلا شك مع استئناف الحوثيين لعملياتهم في البحرين الأحمر والعربي واستمرار وصول صواريخهم ومسيّراتهم إلى جنوب إسرائيل.
عودا على بدء: لِمَ تشن أمريكا وبريطانيا ضربات عدائية على اليمن؟ قد ينبري البعض ليقول إنها مرتبطة باستهداف مراكز ومواقع تُسند الحوثيون في تنفيذ ضرباتهم ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي.. فهل هذا الهدف صحيح؟ وهل تستهدف الولايات المتحدة حماية الملاحة انطلاقا من هذا الفعل العسكري، كما تكرر في سياقاتها الإخبارية؟ هذا غير صحيح؛ فالهدف بجلاء مرتبط بالاعتداء على إسرائيل؛ وهذا ليس استنتاجا بقدر ما هو إقرار بواقع أعلنته إسرائيل على أكثر من مستوى، وأكدت أن الحوثيين تجاوزوا حدودهم وتخطوا الخطوط الحُمر بإعلان الحرب على إسرائيل؛ هنا نتذكر، في السياق، الغارات الصاروخية التي شنها نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في مستهل تسعينيات القرن الماضي على إسرائيل؛ وما صدر عن السلطات الإسرائيلية إزاء تلك الغارات، وما نجم عنها.
لنعد للسؤال الأهم: هل ستحقق الهجمات العدائية على اليمن أهدافها ممثلة فيما أعلنه الأمريكيون في إيقاف هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة البحرية الدولية وقبل ذلك فيما يخفوه وهو إيقاف غاراتهم بالصواريخ والطيران المسير على إسرائيل وإفقادهم القدرة على القيام بتلك العمليات؟ نقول هنا إن هذه الأهداف لن تتحقق، ونستند في ذلك إلى فرضيات نحاول إقرارها اقترابًا من الوقائع.
إن اقدام الولايات المتحدة على خوض حرب في منطقة ملتهبة، وإن كانت عمليات محدودة وضربات خاطفة؛ قرار لم يقم على معرفة دقيقة بما صارت إليه المنطقة، وما يمكن للحوثيين أن يقوموا به اعتمادًا على أسلحتهم التقليدية، التي تمنحهم قدرة على المناورة لفترة طويلة، وخوض حرب النفس الطويل، مستفيدة من تجربتها في الحرب مع التحالف العربي بقيادة السعودية، التي استمرت ثماني سنوات؛ وكان التحالف يحاول تحقيق هدف مقارب من هدف الضربات الخاطفة؛ وهو نزع سلاح الحوثيين الصاروخي؛ وهو سلاح ورثته الجماعة من نظام الرئيس علي عبدالله صالح، وعملت على تطويره بالاستفادة من خبرات إيرانية، حتى أصبح لها مخزون كبير قادرة من خلاله أن تقود حربها لفترة طويلة، مستفيدة من حسابات الخصم الرياضية للأرباح والخسائر، و ما يترتب عليها من مؤشرات اقتصادية تصنع الفارق السياسي.
لن تتوقف العمليات الحوثية في البحر الأحمر والبحر العربي؛ وهو ما سبق وأكدته الجمعة؛ عقب الضربات العدائية، في دلالة على أن الهجمات لن تحقق أهدافها؛ وهو ما سيؤكده استئناف تنفيذ عملياتهم في البحرين العربي والأحمر وقبل ذلك تقديم مفاجآت في العتاد، كما سبق وأعلنوا.
جماعة أنصار الله عملت منذ أسابيع في تمويه مواقعها العسكرية الحساسة، ونقل عتادها الصاروخي والمسيرات إلى مواقع غير محتملة؛ لأنها كانت تدرك أنها ستتعرض لضربات قبل تشكيل تحالف حارس الازدهار، بدليل فتحها معسكرات التدريب وتواصل أعمال التعبئة استعدادًا لمواجهة العدو الأمريكي كما يسموه الحوثيون؛ ما يعني أنهم استعدوا جيدًا لإخفاء وإبعاد عتادهم بعيدًا عن مواقعها السابقة، علاوة على احتراف الحوثيين في صناعة أهداف وهمية؛ وهو ما سبق واستخدمته الجماعة في حربها مع التحالف بهدف استنزاف قدراته.
استئناف الضربات
عند استئناف الحوثيين عملياتهم ضد السفن الإسرائيلية المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إلى موانئ إسرائيل ستعمل واشنطن على استئناف الضربات، وهذا سيمثل بداية لاستدراج الولايات المتحدة لحرب جديدة لم تعمل حسابها في الشرق الأوسط؛ وهو ما تخشاه واشنطن؛ وأفصح عنه وزير خارجيتها، انتوني بلينكن، خلال جولته الأخيرة في المنطقة، مؤكدا أن العمليات على اليمن ستكون محدودة، وعبارة عن هجمات خاطفة. لكن استمرار الحوثيين في شن هجماتهم في البحر الأحمر، (وهذا سيكون مرهونا ما يملكه من أسلحة وعتاد صاروخي) سيدفع بواشنطن للرد كما سبق وأعلنت انها مستعدة للتصعيد في حال صدر رد الفعل …والحوثيون هنا سيدفعون بواشنطن بلاشك إلى توسيع دائرة الحرب في حال استمرت عملياتهم؛ وبالتالي تمدد الحرب يقابل ذلك توسع دائرة الغضب الشعبي العربي؛ وهو ما سيعزز من مكانة الحوثيين باعتبارهم يواجهون أمريكا التي تقف خلف إسرائيل، التي تمثل العدو التاريخي للأمة العربية الإسلامية في سياق الرؤية الشعبية.
هدد الحوثيون باستهداف كافة المصالح الأمريكية والبريطانية في حال تم استهدافهم؛ وهاهم اليوم يتعرضون للاستهداف؛ الأمر الذي يضع المنطقة في دائرة من نار في حال استهدف الحوثيون القواعد الأمريكية في المنطقة، وتحديدًا في المملكة العربية السعودية علاوة على استهداف السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر والبحر العربي، الأمر الذي يهدد المنطقة بمزيد من العنف؛ فهل أدركت واشنطن مغبة ما هي ذاهبة إليه من خلال اشعال فتيل الصراع في هذه المنطقة؟!
في حال قرر الحوثيون استهداف ناقلات النفط الأمريكية والبريطانية مثلا فإن الأمر يترتب عليه مواجهة؛ وبالتالي تأثر حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهو ما سيترتب عليه ترديًا في الأوضاع الاقتصادية في أوروبا؛ وستكون أول الدول المتأثرة هي بريطانيا التي تعاني وضعًا اقتصاديا سيئا؛ وسيزداد سوءا مع تأثر حركة ناقلات النفط.
يمثل عام 2024 عاما بالغ الأهمية للحكومتين الأمريكية والبريطانية؛ لأنه عام انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة وبرلمانية في المملكة المتحدة؛ وبالتالي فإن تردي الأوضاع الاقتصادية سيؤثر حتمًا على نتائج الانتخابات؛ وهو ما يدركه الحوثيون الذين سيعملون، وفق احتمال، على استدراج واشنطن ولندن لحرب طويلة في المنطقة وبالتالي تأثر حركة الملاحة في البحر الأحمر.
ثمة عامل آخر مهم يتمثل في العائد الاستراتيجي من الأسلحة التقليدية التي يستخدمها الحوثيون مقارنة بالأسلحة الذكية التي يستخدمها الأمريكيون والبريطانيون؛ فالأولى ليست مكلفة ويمكن بواسطتها الاستمرار في الحرب لفترة أطول، وإحداث مناورة، وتحقيق نتائج ذات تأثير استنزافي، علاوة أن الأسلحة الذكية ذات كلفة عالية، ومع استمرار الحرب يترتب عليها خسائر اقتصادية ينتج عنها مشكلة سياسية في بلدها. وعلى الرغم من أن دقة استهداف الخصم من خلال الأسلحة الذكية عالية إلا إنه لا يمكن الاعتماد عليها في حرب طويلة مع خصم يعتمد أسلحة تقليدية استراتيجية علاوة أن الغارات الجوية وحدها غير كافية للحسم في حال تمدد الحرب؛ وبالتالي ستكون الهجمات منهكة اقتصاديا لاقتصاد بلدها، وغير قادرة، في ذات الوقت، على حسم المعركة جوا كما سبقت الإشارة، أما الدخول بريا فواشنطن لن تكرر ما حصل معها في الصومال وأفغانستان.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحقق الضربات الأمريكية والبريطانية العدائية ضد اليمن أهدافها؛ وهو أمر سبق وعجز عنه التحالف العربي، الذي قاد حربا لثمان سنوات انفق فيه مئات المليارات من الدولارات من أجل القضاء على صواريخ جيش علي عبدالله صالح ومن ثم الحوثيين؛ وفي الأخير خرج الحوثيون أقوى مما كانوا عليه؛ بل إنهم أصبحوا يصنعون الصواريخ محليًا؛ على الرغم من أن التحالف العربي وظف القدرات الأمريكية لوجستيا وعسكريًا؛ وفي الأخير فشلوا في تحقيق أهدافهم لضعف درايتهم بواقع الحال اليمني؛ وها هو الحوثي يقف أمامهم واستطاع بصواريخه، أن يصل إلى إسرائيل، وهنا كانت المشكلة التي دفعت بواشنطن لاستهداف اليمن.
لكن ما موقف اليمن من هذا العدوان؟ من الطبيعي ان يكون هناك انقسام في ظل ما أفرزته الحرب من خنادق متعددة نجم عنها مواقف متطرفة تسندها كراهية باتت ضاربة باطنابها في أعماق الذات اليمنية جراء استمرار خطاب الحرب، لكن على الرغم من ذلك ماتزال هناك مواقف يمكن المراهنة عليها وتمثل الموقف اليمني الحقيقي في رفضها للعدوان على اليمن بكل اشكاله بما فيه العدوان الأمريكي البريطاني ولعل بيان جماعة نداء السلام كأن أقرب للواقع كثيرا. وقال البيان «إن هذا العدوان جاء متطابقاً مع موقف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من مأساة الشعب العربي الفلسطيني، واستماتتهما في حماية الكيان الصهيوني وفي دعم الإبادة الجماعية، التي يقوم بها في قطاع غزة». واعتبر هذا العدوان «مدانا بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والوطنية والإنسانية».
وقال البيان «لقد دأبت الدولتان (أمريكا وبريطانيا) والأجهزة التابعة لهما والدول والهيئات التي تدور في فلكهما، دأبتا على تضخيم الخطر الذي يهدد التجارة الدولية في البحر الأحمر، نتيجة استهداف أنصار الله الحوثيين للبواخر المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. رغم التأكيدات الرسمية في صنعاء، بأن البواخر المستهدفة هي تلك التي لها علاقة بالكيان الصهيوني، وتحمل الإمدادات له، في الوقت الذي تُحاصر فيه غزة براً وبحراً وجواً، ويُمنع عنها الماء والغذاء والعلاج، وكل مقومات الحياة الطبيعية».
وأضاف: «ولذا فإن تبرير الدولتين لعدوانهما بالمحافظة على حرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، هو تبرير كاذب، يضاف إلى جملة الأكاذيب التي تسوق لها الدولتان وأجهزتهما المختلفة والدول والهيئات، التي تدور في فلكهما، في محاولة مكشوفة منهما للتغطية على كل ما يتعلق بالإبادة الجماعية في فلسطين».
وأكدت الجماعة «أن الموقف الذي اتخذه أنصار الله الحوثيون، في دعم شعبنا العربي في فلسطين، من خلال منع مرور السفن ذات العلاقة بالكيان الصهيوني هو موقف صحيح، نابع بالأصل من الطبيعة اليمنية، ومن إحساس اليمنيين، بمختلف توجهاتهم السياسية، بالغبن والقهر وبالظلم الذي يمارسه الغرب الاستعماري بحق إخوتنا في فلسطين، وبحق كل شعبنا العربي وقضاياه العادلة».
وقال البيان «إن العدو الصهيوني وداعموه، هم أعداء للحق والعدل ولكل ما هو إنساني. وإلا لما هب هؤلاء للعدوان على بلادنا، لمجرد منع بعض السفن التجارية من إيصال الإمدادات إلى المحتل الصهيوني، التي يحرم منها شعبنا العربي الفلسطيني في غزة المدمرة المحاصرة، التي حكم عليها الصهاينة وداعموهم بالموت جوعاً وعطشاً ومرضاً وقتلاً وإبادة جماعية، بكل أنواع الأسلحة الفتاكة».
وأضاف» لقد أضحى الأعداء ينظرون إلى اليمن وكأنها ساحة مفتوحة ومباحة لكل من يريد أن يتطاول عليها. واللوم في هذا لا يوجه إلى الأعداء فحسب، بل يوجه، وبالدرجة الأولى، إلينا نحن اليمنيين، إلى عجزنا في أن نحل مشاكلنا الداخلية، بالحوار والتفاهم والتنازلات المتبادلة، لصالح الوطن، وأن نتوجه إلى بناء دولتنا الوطنية القوية، القادرة على حماية اليمن والمحافظة على استقلاله وسلامة أراضيه، دولة الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والتبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات».