رغم الجهود الأمريكية التي أفضت لمنع توسع الحرب في غزة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية فإن ذلك لم يثنِ أذرع إيران في المنطقة عن الدخول في مناوشات مختلفة، وسط مخاوف من أن تصل لفتح جبهات حرب جديدة.
ولعل الحديث الأبرز حالياً يدور على مليشيا الحوثي في اليمن، التي صعدت مؤخراً باستهداف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، دافعة الولايات المتحدة لإرسال مزيد من البوارج العسكرية في محاولة لردع أي تصعيد مرتقب.
وبين المواجهة المباشرة بين "حزب الله" في لبنان مع "إسرائيل"، والتصعيد غير المباشر من قبل الحوثيين، تتكرر الأسئلة المطروحة حول أي الجبهتين الأقرب للاشتعال بعد غزة في المنطقة؟
استهداف السفن
على مدار سنوات طويلة كانت مليشيا الحوثي في اليمن تستهدف السفن في البحر الأحمر، متجاهلة التهديدات الدولية، وسط اتهامات للولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالتواطئ معها، خصوصاً مع قدوم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وإلغاء تصنيفها كجماعة إرهابية في العام 2021.
ووجد الحوثيون من ذلك التجاهل فرصة لفرض واقع جديد مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلف أكثر من 15 ألف شهيد، حيث استخدمت المليشيا المدعومة من إيران أسلوب استهداف السفن من خلال اختطاف سفينة في (19 نوفمبر 2023)، قيل إنها تتبع رجل أعمال إسرائيلياً، واقتيادها إلى الساحل اليمني.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، ففي (25 نوفمبر) قال مسؤول عسكري أمريكي إن سفينة حاويات مملوكة لملياردير إسرائيلي تعرضت لهجوم بطائرة من دون طيار يشتبه أنها "إيرانية" في المحيط الهندي، وهو ما أدى إلى إلحاق أضرار بها.
وفي اليوم التالي (26 نوفمبر)، استولى مسلحون على سفينة تديرها شركة مملوكة لإسرائيليين في خليج عدن، قبل أن تعلن واشنطن بعدها بيوم أن قواتها تمكنت من إفشال محاولة الاستيلاء عليها.
ولاحقاً اتهمت واشنطن "مسلحين صوماليين" بالمسؤولية عن الهجوم، دون توضيح الأسباب، علماً أنه قد وجهت اتهامات لطهران بمد حركة الشباب الصومالية بالأسلحة والعمل لحسابها، والقيام بإيصال الأسلحة للحوثيين في اليمن عبر البحر.
وذكرت القيادة المركزية الأمريكية أيضاً أن المسلحين الصوماليين أطلقوا صاروخين باليستيين باتجاه المدمرة الأمريكية "ماسون" التي كانت في منطقة العملية بعد القبض على المسلحين، وفشلوا في إصابتها.
تعزيز عسكري
وبدا أن التهديدات الحوثية قد دقت ناقوس الخطر لدى واشنطن، التي أعلنت عبر القيادة العسكرية الوسطى أن حاملة الطائرات "أيزنهاور" والمجموعة الضاربة المرافقة لها عبرت مضيق هرمز ووصلت إلى مياه الخليج لدعم مهام القيادة، بعد يوم من تعرض سفينة "سنترال بارك" المملوكة لعائلة عوفر (الإسرائيلية) لهجوم من قبل مسلحين في خليج عدن.
ووفق بيانٍ لها (27 نوفمبر) فإن حاملة الطائرات تقوم بدوريات لضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية الرئيسية، مع دعم متطلبات القيادة المركزية الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة.
وفي 4 نوفمبر الجاري أعلنت واشنطن أن حاملة الطائرات الهجومية "أيزنهاور" وصلت إلى الشرق الأوسط، حيث تتضمن المجموعة المرافقة لها طراد الصواريخ الموجهة "يو إس إس فلبين سي"، ومدمرات الصواريخ الموجهة "يو إس إس غرافلي" (دي دي جي 107)، ومدمرة "يو إس إس ميسون" (دي دي جي 87)، والجناح الجوي الناقل 3، مع تسعة أسراب طائرات.
ويأتي إرسال البوارج العسكرية والمدمرات إلى الشرق الأوسط، في إطار ما تقول عنه واشطن إنه يهدف إلى ردع أي محاولات لتوسيع الحرب في غزة، في إشارة إلى التصعيد الذي تقوم به أذرع إيران في المنطقة، وفي مقدمتهم الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان والجماعات المسلحة في العراق.
تصعيد عسكري
منذ الـ7 من أكتوبر وحتى يوم الهدنة يعلن "حزب الله" كل يومٍ مسؤوليته عن عدة هجمات على "إسرائيل"، وعادة ما يتبعها رد إسرائيلي بشكلٍ متصاعد.
حيث تضطر حينها "إسرائيل" لإصدار أمر بإجلاء المدنيين على مسافة خمسة كيلومترات عن الحدود مع لبنان، وسط سقوط عشرات القتلى من "حزب الله".
وسبق أن شن "حزب الله" هجمات باستخدام أسلحة مضادة للدبابات، أو مدفعية، أو صواريخ، أو طائراتٍ بدون طيار، فيما يرد الجيش الإسرائيلي باستهداف مواقعه في جنوب لبنان لا سيما المناطق المشجرة لحرمانه من الغطاء الأرضي.
وتشير مصادر إعلامية إلى أن "إسرائيل" نفذت، ما بين 7 أكتوبر و14 نوفمبر، 327 غارة جوية أو عملية قصف مدفعي على جنوب لبنان.
في المقابل شن الحوثيون في اليمن عدة هجمات فاشلة بالصواريخ والطائرات المسيرة على "إسرائيل" خلال الشهر الماضي، فيما تمكنت سفن أمريكية من اعتراض هجماتهم قبالة سواحل اليمن.
وبينما بدا أن أذرع إيران قد استخدمت سياسة التصعيد تدريجياً خلال الأسابيع الأخيرة، بدت لهجة جديدة تنطلق من وسط العاصمة اللبنانية بيروت على لسان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي حذر في (22 نوفمبر) "من أن رقعة الحرب في غزة ستتّسع في حال لم تستمر الهدنة بين إسرائيل وحماس".
وتأتي تصريحات عبد اللهيان قبل يوم من بدء الهدنة الإنسانية في غزة، وسط ترقب دولي لما بعدها، ومدى التصعيد في حال عادت الحرب مجدداً.
اليمن الساحة الأخطر
يرى الخبير والمحلل الأمني والسياسي، العميد مخلد حازم، أن ما تشهده الساحة اليمنية "هو الأخطر حالياً، وقد تكون هذه الجبهة هي الأخطر من باقي الجبهات".
ويشير إلى أن سبب خطورة هذه الجبهات "أن جبهة لبنان دائماً ما تتعامل مع قواعد الاشتباك الطبيعية، ولا تتعدى حدود الممكن، فيها ومجمل الضربات التي حصلت ما بين الجانب اللبناني والإسرائيلي كانت ضمن مزارع شبعا والتي هي بالأصل منطقة لبنانية احتلتها الكيان الصهيوني".
وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "إسرائيل تعتبر ما يحصل في لبنان فعلاً ورد فعل، وشبه متفق عليه، ولا يعتبر ضمن استهداف قد يطال عمق الكيان الصهيوني، والذي في حال حدث خلال الفترة القادمة حينها قد تعتبر لبنان جبهة حرب ومواجهة أخرى".
أما فيما يتعلق بسوريا والعراق، فيقول إنها لم تكن جبهات ذات تأثير كبير "على اعتبار أن أمريكا تتعامل مع مصالحها باستهداف مؤثر".
لكنه في ذات الوقت يشير إلى أن الجبهة اليمنية "خطيرة؛ لأنها قد تكون سبباً في فتح حرب الممرات المائية والقرصنة البحرية من خلال ما تقوم به جماعة الحوثي، أو بما يسمى بالهجمات المجهولة، كما حدث في الهجوم الأخير".
وتابع: "وإذا ما ذهبنا باتجاه أن الحوثيين هم من يقوم بهذا العمل، فهم يعملون بدوافع خارجية ولديهم أهداف أكبر وهي إخضاع واشنطن".
ويؤكد أن هذه التطورات "قد تذهب بالمنطقة إلى أمور ونتائج لن يكون تأثيرها على مناطق محدودة فقط، وإنما على الإقليم بشكل كامل، لكون هذه المنطقة ممراً للنفط والغاز ومصادر الطاقة التي تمر عبر مضيق هرمز إلى البحر المتوسط وأوروبا".
ويشير إلى أن "تحرك حاملة الطائرات والمدمرات للخليج العربي والغواصات النووية، يأتي بغرض منع حصول مثل هذه العمليات والقرصنة البحرية".
وعن الرد المتوقع يقول حازم: "قد تضطر أمريكا إلى أن تجابه هذه العمليات برد أقسى مما كانت تقوم به سابقاً؛ لكون ما حدث تهديداً للملاحة البحرية وممرات النقل، وأمريكا لن تسمح بهذا الموضوع إطلاقاً".
كما يعتقد بوجود متغيرات إقليمية، "وأن هناك مشروع شرق أوسط بدأ في عملية غزة، ويمكن أن يطال أماكن أخرى، خصوصاً أنه قد بدأت ملامحه تظهر تدريجياً، وكان وصول هذه الآلة العسكرية الأمريكية، ليس بالأمر الهين وإنما دليلاً على ذلك".
وأكمل: "لا يمكن أن تحرك آلة عسكرية وإنفاق اقتصادي على مثل هذه الآلة العسكرية إذا لم يكن هناك هدف أكبر رسم سابقاً"، مضيفاً: "ما يحصل في غزة بداية الشروع بهذا المشروع، وبعد انتهاء العمليات في غزة قد تذهب تجاه مناطق وجغرافيا أخرى".
ويلفت إلى أن "ما يحدث بالبحر الأحمر والخليج العربي والمياه الإقليمية خطر كبير، والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت"، مشيراً إلى أن "واشنطن تتعامل مع التأثير الذي سيحصل من مثل هذه العمليات، ولن تسمح أن تمس هيبتها العسكرية والبحرية بصواريخ، خصوصاً أنها تعلم أن هذه الصواريخ تعود لفاعل خارجي، لأن اليمن لم تكن تمتلك هذه الصواريخ بعيدة المدى".
وأضاف أيضاً: "بكل تأكيد هنالك من يحرك هذه الأذرع باتجاه أهداف أخرى، وأمريكا ترصد كل هذه التحركات".