[ الصحفي أحمد ماهر مختطف في سجون مليشيا الانتقالي ]
"متى ستتم محاكمتي؟" هذا السؤال هو لسان حال أحمد ماهر، الصحافي اليمني المعتقل في سجون ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن بعد أكثر من عام من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، الذي أجبره على أن ينسب لنفسه ما لم يرتكبه في جريمة تُضاف للانتهاكات التي تستهدف الحريات الصحافية، وتنال من كرامة الكلمة، وتُمعِن في معاناة العاملين في بلاط صاحبة الجلالة في بلد يحترب منذ تسع سنين.
هذه القضايا تكون، في حقيقتها، عبارة عن رسائل للآخرين، بما تستطيع عمله سلطات الحرب؛ لاسيما وأن قضية أحمد ماهر قد تعسرت أمامها توجيهات ومناشدات وبيانات محلية ودولية ذهبت أدراج الرياح؛ ما يؤكد أن أفدح ما تنتجه الحرب هي العدالة المتعثرة، التي تضاعف من مأساة البلد المحترب.
ما يعانيه ماهر في معتقله يكشف بجلاء معاناة الصحافيين هناك جراء تعثر تلك العدالة؛ وهو التعثر الذي ترتفع معه مؤشرات القلق والخوف من الالتحاق بمهنة لا ينتصر لها أحد في ظل ما يعانيه أبناؤها. لدرجة يتم تحديد 16 موعدًا لجلسة محاكمة، بينما لا يتم نقل ماهر من السجن إلى المحكمة!
إفراج أو محاكمة عادلة؟
مع نهاية الأسبوع الماضي وجّهت أسرة أحمد ماهر رسالة شكوى إلى مجلس النواب، تتظلم فيها مما يقع على ابنها من ظلم؛ لعل مجلس النواب يستطيع عمل شيء في ظل عجز كل السلطات عن اتخاذ إجراء صارم لوقف ما يتعرض له ماهر منذ اختطافه بتاريخ 6/8/ 2022 بدون أي مسوغ قانوني أو أمر من النيابة، أو أي جهة ذات اختصاص، بل تم اخفاؤه قسريًا، وتعذيبه مدة شهر ونصف، ولم يتم الانصياع إلى أي جهة رسمية، بما فيها توجيهات من رئيس مجلس القيادة ووزير الداخلية والنائب العام والنيابة الجزائية المتخصصة، بنقله من مركز الشرطة إلى جهة أخرى لإكمال التحقيقات، والتي تم رفضها وعدم التجاوب معها، وتم إجبار ماهر على الاعتراف بجرائم لا يعلم عنها شيئًا، وهذا- وفق رسالة عائلته- مخالف للمادة رقم 48 من الدستور اليمني، والمادة رقم 6 من قانون الإجراءات الجزائية، التي تمنع الإخفاء القسري. وحسب الرسالة فإنه يُقدّم للمحاكمة في المحكمة الجزائية بتهمة الأخبار المظللة؛ وهذا مخالف للقانون؛ كون التهم رقمية، وتختص بها نيابة الصحافة والمطبوعات، وفق نصوص قانون الصحافة والمطبوعات.
وقالت عائلته: لقد رفعنا مذكرات رسمية إلى رئاسة الجمهورية ووزير العدل للتسريع بإجراءات المحاكمة كونه منذ عام وشهرين لم يُقدّم للمحكمة إلا في جلستين فقط، مع العلم أنه، أيضًا، تم التخاطب مع مجلس القضاء وقطاع المحاكم، ولم يتم التفاعل مع القضية كون أحمد ماهر صحافي معارض سياسيًا للمجلس الانتقالي، ولذلك لا يجد أي تعاون في قضيته من الجهات المختصة، حتى رئاسة الجمهورية لم نر منها أي توجيه رسمي في القضية، حتى اللجنة التي أعلن عنها رئيس مجلس القيادة لمتابعة قضية الصحافي أحمد ماهر لم نر لها وجود على أرض الواقع، ولم يتم متابعة القضية أو الرد على المذكرات أو الطلبات المُقدّمة لهم.
وطالبت أسرة ماهر، من هيئة رئاسة مجلس النواب وأعضاء المجلس متابعة القضية، ومخاطبة مجلسي القيادة والقضاء والمحكمة العليا والجهات ذات الاختصاص، بسرعة الإفراج عن الصحافي أحمد ماهر أو تقديمه لمحاكمة عادلة ومستعجلة.
واختطف مسلحون تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتحكم بإدارة محافظة عدن/ جنوبي اليمن، الصحافي أحمد ماهر بتاريخ 6 آب/اغسطس 2022 ووجهت له تهمة التورط في «قضايا زعزعة الأمن والاستقرار بالمنطقة» وهو ما تنفيه عائلته.
وحسب المعلومات التي استقتها «مراسلون بلا حدود» فإن أحمد ماهر كان يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم «لواء النقل» التابع للحكومة الرسمية، قبل استقالته من هذا الجهاز، الذي يعتبره المجلس الانتقالي الجنوبي منظمة إرهابية، علماً أن الصحافي يصف نفسه في صفحته الرسمية على فيسبوك بأنه «مستقل سياسياً».
وظهر الصحافي ماهر (25 سنة) بعد أيام قليلة من اختطافه في مقطع فيديو يعترف فيه على نفسه بارتكاب جرائم إرهابية خطيرة، بينما ظهرت آثار التعذيب على جسده.
وفي هذا الصدد، دعمت منظمة «مراسلون بلا حدود» دعوة أسرة أحمد ماهر إلى إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في هذه الاتهامات، وتبرئه رئيس التحرير السابق لمرصد عدن الإخباري.
وقال مكتب الشرق الأوسط في المنظمة: «إن أحمد ماهر صحافي يدفع ثمن صراع إقليمي بين الأطراف المتناحرة، إذ يُعتبر مقطع الفيديو باعترافاته المفبركة مهزلة بكل معنى الكلمة. مكان أحمد ماهر ليس في السجن. وإذ تدعم مراسلون بلا حدود طلب عائلته بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، فإنها تطالب السلطات بالإفراج عنه فوراً ودون قيد أو شرط».
نقابة الصحافيين اليمنيين أدانت بشدة ما يتعرض له الصحافي ماهر، وطالبت بإحالته لمحاكمة عادلة في حال لم يتم الإفراج عنه فورًا، معتبرة ما يتعرض له يعكس حجم المعاناة التي بات عليها الصحافيون في اليمن جراء الصراع المستعر هناك.
وقال عضو مجلس النقابة، نبيل الأسيدي، لـ «القدس العربي»: قضية الصحافي أحمد ماهر هي قضية انتهاك واضح للحريات وتعمد إذلال الصحافي. وهي أيضًا مؤشر لمرحلة مقبلة في المحافظات والمناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي؛ لأن هناك توجها لقمع الحريات في تلك المناطق؛ وقد تم استخدام قضية أحمد ماهر لتأكيد هذا الإصرار. أولاً: لأن أحمد ماهر لا ينتمي إلى جماعات قبلية بالإمكان أن تحشد أو تدافع عنه أو تضغط، كما أنه لا ينتمي إلى جماعات مسلحة ذات نفوذ؛ وبالتالي سيكون لها رد فعل؛ بمعنى أن جماعة الانتقالي اختارت شخصية مدنية لممارسة هذه الانتهاكات ضدها؛ ليكون رسالة لكل الصحافيين المتبقين في عدن، خاصة مع الإجراءات المتتالية، التي قام بها المجلس الانتقالي من اقتحام لمقر نقابة الصحافيين اليمنيين في عدن، وقراره بفرض تسجيل الصحافيين والوفود الإعلامية لدى مكتب الهيئة الإعلامية التابعة له. كما تم استدعاء عدد من الصحافيين بينهم فتحي بن لزرق، بالإضافة إلى الكثير من التعليمات، التي تأتي في إطار ما يشبه تنظيم عمل الإعلام هناك وفق رؤية «الانتقالي» الهادفة إلى انتزاع الصلاحيات أو بمعنى آخر الاستيلاء على صلاحيات وزارة الإعلام، لدرجة قام الانتقالي بتعيين مدير مكتب للإعلام بعدن من خلال المحافظ الموالي له، دون الرجوع إلى وزارة الإعلام.
مهزلة
بعد أربعة أشهر من اختطافه بدأت محاكمة ماهر في كانون الأول/ديسمبر الماضي، في المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، وعقدت المحكمة جلستين فقط.
يقول الأسيدي: نحن في نقابة الصحافيين نعتبر ما يتعرض له أحمد ماهر مهزلة قضائية. أكثر من 16 مرة يتم فيها تحديد موعد جلسة محاكمة، ولم يتم نقله من السجن إلى المحكمة، علاوة على حالة التعذيب التي تعرض لها والاذلال والاعتراف الغريب تحت الضغط. كل ذلك مؤشر بأن الحريات الصحافية في المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي شبيه بعمل ميليشياتي لا يُبشر بخير.
ويضيف: على الرغم من التوجيهات الرئاسية والضغط الحقوقي والنقابي للإفراج عنه وفق المسار القانوني إلا أن المجلس الانتقالي عبر أذرعه القضائية والأمنية يرفض ذلك؛ وهذا مؤشر خطير جدًا على تحول الانتقالي من جماعة في إطار الدولة إلى جماعة تنقلب على الدولة من داخلها؛ وبالتالي نحن نشعر بأن مستقبل الحريات سيكون أكثر صعوبة.
وأشار إلى «انتهاكات عديدة يمارسها الانتقالي لم يعلن عنها، مثل أن مَن يظهر من الإعلاميين على وسائل الإعلام العربية والدولية لا يكون إلا بترخيص منه، وبالتالي منع أي شخصيات مناوئة له من الظهور الإعلامي. كما صار يتحكم بشركات البث الفضائي والزامها بشخصيات معينة، وكذا إلزام أن يكون الصحافيين ومراسلي الوسائل العاملين هناك من محافظات معنية أو مناطق معينة، بل والتهديد بمنع أي شخص غير منتمي للمجلس الانتقالي من مزاولة المهنة الصحافية. أعتقد أن ذلك مؤشر خطير للحريات الصحافية».
وحمّل الأسيدي «قيادات المجلس الانتقالي على رأسها عيدروس الزُبيدي مسؤولية هذه الانتهاكات بحكم أنه أيضَا أصبح صحافيًا يمتلك بطاقة رقم واحد من ما يسمى نقابة الصحافيين الجنوبيين؛ وهذا يمثل شكلاً من أشكال السخرية لمدى الانتهاك الذي يتعرض له العمل النقابي والحقوقي».
القاسم المشترك
رئيس مركز التأهيل وحماية الحريات الصحافية، محمد صادق العديني، اعتبر أحمد ماهر واحدا من عشرات بل ومئات الصحافيين اليمنيين الذين تتعرض حقوقهم وحرياتهم وسلامة حياتهم للاستهدافات اليومية والمستمرة، ويتم حرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية والضمانات القانونية ليس في عدن فقط بل في جميع محافظات اليمن.
وقال لـ«القدس العربي»: «تلك الاستهدافات تمثل القاسم المشترك لمختلف الجماعات التي تحكم وتتنازع النفوذ والسيطرة. لذلك فإن مشكلة الصحافي أحمد ماهر وبقية الصحافيين هي مشكلة وطن بأكمله أصبح لا يحتكم لقانون ولا لمؤسسات رسمية؛ بل يُحكم بجماعات مسلحة تعتبر الصحافي هو العدو رقم واحد، ويجب قمعه بأي شكل من الأشكال. وهذا واقع محزن ومخيف يدفع ثمنه الباهظ الصحافي اليمني وأسرته».