[ اليمنية فاطمة محمد ]
نشرت مجلة "جويش كارنتس" الأمريكية تقريرًا نقلت فيه تفاصيل مقابلة أجراها الصحافي أليكس كين مع خريجة القانون بجامعة مدينة نيويورك، فاطمة محمد، التي ألقت خطابًا في حفل التخرج ينتقد إسرائيل، وأصبحت هدفًا لحملة تشهير وطنية.
وقالت المجلة، في تقريرها، إن طالبة القانون اليمنية الأمريكية، فاطمة محمد، ألقت في 12 أيار/ مايو خطاب التخرج في حفل تخرج كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك. ونددت فاطمة، وهي ناشطة في منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين، في جزء من خطابها بإسرائيل بسبب "إطلاق الرصاص والقنابل بشكل عشوائي على المصلين، وقتل كبار السن والصغار"، وتشجيع "العصابات غير الشرعية" لاستهداف المنازل والشركات الفلسطينية".
وفي أجزاء أخرى من الخطاب انتقدت قسم شرطة نيويورك ووصفته بأنه "فاشي"، واحتفت "بالنضال ضد الرأسمالية والعنصرية والامبريالية. والصهيونية".
وقد تسبب الخطاب في جدل فوري. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم؛ أصدر المجلس اليهودي للشؤون العامة في نيويورك بيانًا وصفه بأنه "دعاية تحريضية معادية لإسرائيل" يتم تداولها "في مجازات معادية للسامية". وتمت إزالة تسجيل البث المباشر من صفحة كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك على "اليوتيوب" بعد فترة وجيزة من نشره، ولكن بعد ضغوط من مؤيدي فاطمة ومنتقديه لاستعادة الفيديو، تمت إعادة نشره على الإنترنت في 24 أيار/ مايو.
ووصل خطاب حفل التخرج إلى مكانة بارزة جديدة في 30 أيار/ مايو؛ عندما وضعت صحيفة "نيويورك بوست" اليمينية صورة فاطمة على واجهة الصحيفة ووصفتها بأنها "خريجة هذيان صارخة". وحتى قبل وضع صورتها على واجهة صحيفة "واشنطن بوست"، أصبحت فاطمة موضوع حملة تشهير استمرت أسابيع، حيث قال النائب الديمقراطي، ريتشي توريس، إنها "مجنونة بكراهية إسرائيل". لكن تغطية صحيفة "واشنطن بوست" ضاعفت من المضايقات.
وقال عمدة مدينة نيويورك، إريك آدامز، إن خطاب فاطمة مليء "بالسلبية والانقسام". وأرسلت عضوة مجلس مدينة نيويورك، إينا فيرنيكوف، برسالة إلى نقابة المحامين في نيويورك، تحثهم على حرمان فاطمة من رخصة مزاولة المحاماة. وأصدر مجلس الأمناء والمستشار في جامعة مدينة نيويورك بيانًا أطلق عليه اسم "خطاب الكراهية". وعلى الرغم من محاولة جامعة مدينة نيويورك التنصل من فاطمة، قدم النائب الجمهوري، مايك لولر، تشريعًا من شأنه تجريد الجامعة من التمويل الفيدرالي لمنصة "خطاب معاد للسامية" مثل خطاب فاطمة.
وطوال فترة الجدل، التزمت فاطمة نفسها الصمت في الغالب - حتى الآن. ويوم الثلاثاء، تحدثت فاطمة في أول مقابلة لها مع موقع إخباري منذ أن اشتدت الحملة ضدها.
الصهيونية مبنية على العنصرية
وفي سؤالها عما إذا كان من المهم بالنسبة لها مناقشة الصهيونية في خطاب التخرّج؛ قالت فاطمة إن الصهيونية مبنية على العنصرية والاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي، وطالما استمرت الصهيونية في الوجود، فإنها ستتسبب في العنف والألم للشعب الفلسطيني. وأوضحت أنه يتم استخدام أموالهم الضريبية لتمويل هذا العنف. لذلك، أرادت تسمية هذا الواقع لتذكير نفسها وزملائها بمسؤولياتهم كمحامين مستقبليين في خدمة الاحتياجات الإنسانية. وقد سلّطت الضوء على الصهيونية لتكريم اختيار زملائها لها كمتحدث في الفصل بالإضافة إلى بيان جامعتهم.
وفي سؤالها عن ردود الفعل وكيف أثرت على حياتها، قالت فاطمة إنها استيقظت ذات يوم في شهر أيار/ مايو وقيل لها إن صحيفة "نيويورك بوست" خارج باب منزلها، وكان ذلك يشكل تهديدًا. وتساءلت عن سبب قدومهم كل هذا الطريق رغم أنها ليست موظفة عامة.
وقالت إنها أجرت مكالمة هاتفية وطلبت من المراسلين مغادرة المبنى، لكنهم ظلوا جالسين بجوار منزلها مباشرة لمدة ثلاث ساعات. وبعد ذلك بوقت قصير، شاهد والدها صورتها على واجهة الصحيفة، حينها أدركت أنها كانت هدفًا لحملة تشهير شرسة على نطاق وطني.
وقادت الحملة منظمات مثل "كناري مشن"، وهو موقع ويب يسعى إلى وضع دعاة حقوق الفلسطينيين على القائمة السوداء، و"سايف كيوني"، وهي منظمة تشن حملة ضد ما يسمونه معاداة السامية في نظام مدينة نيويورك. وتعمل جماعات الدعاية اليمينية هذه على تأجيج الغضب وقمع النشاط الفلسطيني. والأسوأ من ذلك هو أن المسؤولين المنتخبين انضموا وبدأوا في الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم لاستهداف فاطمة، حيث وصفها، ريتشي توريس، بالضياع، وأيده عمدة إريك آدامز عدة مرات.
وخارج مكتب مستشار جامعة مدينة نيويورك في مانهاتن، شاهد ابن عمها وجهها على شاحنة ضخمة بجوار الناشطة الفلسطينية وخريجة كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك، نردين كسواني، وكان وجههما مغطى بعلامات "X".
مضايقات هائلة
وذكرت فاطمة أنها تعرضت لمضايقات هائلة هي وعائلتها، وقد كانوا قلقين على سلامتهم، وكانت تحاول الدراسة لامتحان المحاماة أثناء تلقي تعليقات مثل، "لا يمكنني الانتظار حتى نحضر جنازتك"، و"سأدفع مقابل رؤيتك تُقتلين".
ولم يكن الناس يقولون هذه الأشياء دون الكشف عن هويتهم، فلقد كانوا ينشرون هذه العبارات على منصة "لينكد إن" باستخدام أسمائهم الحقيقية ومسمياتهم الوظيفية، وهذا هو مدى شعورهم بالراحة في مضايقة الناشطين الفلسطينيين.
وفي سؤالها عن سبب حدوث رد الفعل العنيف هذا، قالت فاطمة إن رد الفعل هو محاولة لخنقها وفرض الرقابة عليها وتخويفها من مناصرة فلسطين، وأنها ليست الشخص الوحيد الذي هُوجم بهذه الطريقة. ففي سنة 2022، تم تشويه سمعة نردين كسواني، بسبب إدانتها لإسرائيل، في خطاب حفل التخرج. وما نراه هو نمط يمكن التنبؤ به للهجمات الصهيونية على الطلاب الذين يتحدثون، وتستجيب جامعة مدينة نيويورك إما بالتزام الصمت، أو كما حدث مع فاطمة، بإصدار بيان يدين الخطاب.
ودعت فاطمة إلى ضرورة فهم القمع المناهض للفلسطينيين في جامعة مدينة نيويورك في سياق المكاسب الأخيرة التي حققها الفلسطينيون في المؤسسة، مثل ما حدث في سنتي 2021 و2022 عندما أصدرت هيئة التدريس بجامعة مدينة نيويورك والحكومة الطلابية قرارات لصالح حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. لذلك؛ فإن حملات التشهير مثل تلك التي تعرضت لها فاطمة تعتبر جزء من جهد منسق لخنق مناصري فلسطين في الحرم الجامعي.
بشكل عام؛ يحدث هذا النوع من القمع بسبب وجود استثناء لحقوق الفلسطينيين، حتى في الأماكن الليبرالية. وهناك فكرة مفادها أن فلسطين موضوع إشعاعي، وأنه إذا اقتربت منها، فستواجه عواقب استثنائية.
وفي سؤالها عن حقيقة ما إذا كان فهم هذا السياق قد ساعدها في توقع حجم رد الفعل العنيف، قالت فاطمة إنه بصفتها منظم طلاب، فإنها تفهم أن هناك قوى تكرس الوقت والطاقة والموارد لخنق النشاط الطلابي في الحرم الجامعي، بسبب مدى قوته؛ حيث قاد الطلاب الثورات تاريخيًا. ومع ذلك؛ لم تكن فاطمة تتوقع التصعيد وحجم الحملة التي تعرضت لها.
ولم تكن تعتقد أن جامعة مدينة نيويورك ستخرج وتقول إن خطابها، الذي تمت الموافقة عليه بموجب قانون مدينة نيويورك، كان "خطاب كراهية". وحتى طالب القانون في السنة الأولى يعرف أنه يستخدم تعريفًا لخطاب الكراهية لا يفي بالمعايير القانونية. ولم تكن تتوقع أيضًا أن يأخذ عمدة مدينة نيويورك الوقت الكافي لاستخدام منصته على وسائل التواصل الاجتماعي لتضخيم صحيفة "نيويورك بوست"، الصحيفة اليمينية التي اعتمدت على الرسائل المعادية للإسلام والعنصرية.
حالات أخرى
ونوهت فاطمة بأن الدعم هو ما جعلها ثابتة، فهناك طالبة في كاليفورنيا، تُدعى جانا أبو لبن، تتعرض حاليا لحملة تشهير لتحدثها عن فلسطين. وقد أخبرت صحيفة "نيويورك بوست" أنها استلهمت خطابها من خطاب فاطمة. ويجعل هذا الأمر برمته يستحق العناء لمعرفة أن الرقابة لم تعد تعمل، ويستيقظ الطلاب والناس الآخرون على حقيقة ما يعانيه الفلسطينيون. وستنجح أساليب الرقابة والتخويف إذا تحدث شخص واحد أو اثنان فقط، ولكن إذا تحدث الجميع، فسيكون من الصعب خنقهم.
وأضافت فاطمة أن الدعم الذي قدمته منظمات الحقوق المدنية كان مفيدًا للغاية أيضًا. فهناك مجلس أمناء جامعة نيويورك لا يفهم التعريف القانوني لخطاب الكراهية، ومن ثم هناك العديد من المنظمات التي تدافع عن حقوق خطاب التعديل الأول الخاصة بها وتجادل بأنه يجب أن يكون الطلاب قادرين على التحدث عن فلسطين دون التعرض لحملة تشويه. مشيرة إلى أن هذا الدعم قد منحها حافزا كبيرا وقناعة للاستمرار.
وعند سؤالها عن ردها على أولئك الذين يطالبون بإلغاء تمويل جامعة نيويورك بسبب خطابها، أوضحت فاطمة أن جامعة مدينة نيويورك على مدار التاريخ، كانت ولا تزال، موقعًا حيويًا للتنظيم الشعبي لمجتمعات السود وذوي البشرة البنية الذين تم تهميشهم في المدينة.
وكان طلاب جامعة مدينة نيويورك صريحين في مقاومة العنصرية، واحتجوا على دور المجمع الصناعي العسكري، وعلى خصخصة التعليم العالي، ودعم الحركات العالمية للتحرر بدءًا من جنوب إفريقيا وبورتوريكو صولا وإلى فلسطين. وبالنسبة للأشخاص الذين يطالبون بإلغاء تمويل جامعة نيويورك، فإنهم يجهلون عن عمد ماهية جامعة نيويورك ومن تخدم.
وأكدت فاطمة، عند سؤالها عما إذا كانت ستلقي نفس الخطاب مرة أخرى بعد ما حدث، أنها لن تغير كلمة واحدة من كلامها، وأعربت عن رغبتها في ترديد كلماتها بصوت أعلى.