[ عيدروس الزبيدي (يسار) قال إن إنجاز "الميثاق الوطني الجنوبي" وحّد الفصائل الجنوبية (الفرنسية) ]
لمدة 5 أيام، صار فندق كورال في مديرية خور مكسر شرقي مدينة عدن، العاصمة المؤقتة، جنوبي اليمن، محجا للساسة والقادة الأمنيين والعسكريين وزعماء قبائل ونشطاء، حضروا فعاليات الحوار الجنوبي الذي دعا له المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.
ويوم الاثنين الماضي، كان رئيس المجلس عيدروس الزبيدي يستعرض وثيقة "الميثاق الوطني الجنوبي" بينما صفق الحاضرون بحرارة لهذا الإنجاز الذي وحّد الفصائل الجنوبية، كما قال الزبيدي.
وقال الانتقالي إن المؤتمر هدف إلى "الوصول إلى توافق سياسي ورؤية موحدة وداعمة لعودة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، والمشاركة في صناعة ملامح دولة الجنوب، وإدارة المرحلة القادمة".
وشارك في الحوار نحو 280 شخصية جنوبية حسبما أعلنت اللجنة المنظمة، وشهد حضور شخصيات للمرة الأولى من بينها وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي الذي أُفرج عنه مؤخرا من سجون الحوثيين.
الانتقالي يتسيّد
وكان المشهد الأبرز هو حضور كيانات انفصالية منافسة للمجلس الانتقالي أبرزها "المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير واستقلال الجنوب، مجلس الحراك الثوري، حزب التجمع الديمقراطي الجنوبي، حزب رابطة الجنوب العربي، الحزب الاشتراكي".
ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل إن رئيس المجلس الانتقالي أعاد تشكيل الهيئة الرئاسية وضمت أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي الممثل الشرعي للحكومة اليمنية، وهم عبد الرحمن المحرمي وفرج البحسني نائبين للزبيدي في رئاسته المجلس الانتقالي.
لكن الهيئة الجديدة استبعدت القيادي هاني بن بريك نائب الزبيدي السابق، الذي أسس معه المجلس الانتقالي في مايو/أيار 2017، إضافة لمحافظ عدن القيادي البارز أحمد لملس.
وبات المجلس يضم 37 مكونا وفصيلا وهيئة ممن وقعوا على "الميثاق الوطني" الذي ينص على الوصول إلى رؤية موحدة بشأن المطالبة بانفصال الجنوب.
وقال رئيس دائرة العلاقات الخارجية للمجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس النقيب -للجزيرة نت- إن المجلس الانتقالي يمثل قوة رئيسية في الساحة الجنوبية، قوية في الحضور كثيفة في العدد، ويمتلك الأدوات السياسية لاستعادة الدولة الجنوبية مع شركائه الجدد.
ويضيف "المجلس الانتقالي -بالشراكة مع بقية القوى- استطاع أن يعيد توحيد الخارطة السياسية الجنوبية عبر الحوار الجنوبي، وصار المجلس والمجموعات التي تطالب باستعادة الدولة جزءا من مشروع جنوبي واسع وشامل".
العقدة الدائمة
ورغم التحضير المسبق، اعترضت أطراف على الحوار أبرزها "مؤتمر حضرموت الجامع" ومرجعية قبائل حضرموت، ولجنة الاعتصام في محافظة المهرة، وفرع حزب المؤتمر الذي يقوده وزير الداخلية السابق أحمد الميسري، إضافة إلى الائتلاف الوطني الجنوبي، والمؤتمر الوطني لشعب الجنوب.
وبات الانقسام وتباين الموقف العقدة الدائمة في ملف القضية الجنوبية، فمنذ بدء الحراك السلمي المطالب بحقوق المحافظات الجنوبية واستعادة دولة الجنوب عام 2007، فشل الجنوبيون في توحيد موقفهم، ومع مرور الأيام ظهرت العشرات من المكونات السياسية.
وقال مصدر مطّلع في الحوار -للجزيرة نت- إن معظم الأطراف التي أعلنت رفضها حضور الحوار الوطني، وأبرزها مؤتمر حضرموت الجامع، جاء لأسباب تتعلق بأن المجلس الانتقالي فرض أجندته ورؤيته قبل انعقاد الحوار.
وقال مؤتمر حضرموت الجامع -وهو من أكبر الكيانات السياسية في المحافظة- إنه قبل أولا دعوة المشاركة انطلاقا من إيمانه بقيمة الحوار كوسيلة حضارية للتقارب بين المتحاورين، لكن ما أثاره إعلام المجلس الانتقالي، ومستبقاً عما سيسفر عنه اللقاء من نتائج قبل انعقاده، أدّى إلى أن يعتذر عن المشاركة.
ولا يحظى المجلس الانتقالي بحضور في محافظات حضرموت والمهرة وشبوة -مثل بقية المحافظات- مثل لحج والضالع وعدن.
ويقول الباحث اليمني عادل دشيلة -للجزيرة نت- إن المجلس الانتقالي يريد أن يكون هو الممثل لما يسمى القضية الجنوبية رغم وجود معارضة كبيرة له على مستوى الخارطة السياسية للمناطق الشرقية والجنوبية.
ويضيف "ضم شخصيات من مجلس القيادة الرئاسي إلى عضوية المجلس الانتقالي وبعض المكونات المحسوبة على التيار الانفصالي المتشدد لا يعطي انطباعا على أن المجلس هو القوة الوحيدة الموجودة في الجنوب".
لكن عيدروس النقيب يرى أن رفض الكيانات والفصائل في حضرموت ضُخم بشكل كبير، ويقول "كل ممثلي حضرموت حضروا الحوار عبر ممثليهم، ومن لم يوافق على انعقاد المؤتمر أو نتائجه أصوات قليلة وأنا ضد اتهامها أو تخوينها".
المجلس الانتقالي الذي تشكل في 2017 اعلن انتهاء مرحلة الادوات المسلحة داخل الجنوب، وفتح باب التنظيم السياسي والاجتماعي.
مناورة الانفصال
ويتهم المجلس الانتقالي الجنوبي، والكيانات الجنوبية المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله، الساسة الشماليين بالسيطرة على الحكم من خلال مجلس الرئاسة ومجلس النواب ومجلس الوزراء، في الوقت الذي توجد الثروات والموارد في الجنوب.
ويقول النقيب "رؤساء المؤسسات الثلاث هم من الأشقاء الشماليين، ولم يثبت هؤلاء أنهم جديرون بتحمل المسؤولية تجاه الشعب، لذا هم غير مؤهلين لإدارة الجنوب".
ويضيف "صار إعلان الدولة الجنوبية أقرب من أي وقت مضى، والحل هو التفاوض بين الشمال والجنوب بعيدا عن ثنائية الشرعية والانقلاب".
ومن الواضح أن الانتقالي يريد أن يكون طرفا في المعادلة السياسية وأن يدخل في الحوار المستقبلي باعتباره يمثل أبناء المناطق الجنوبية في ظل الحراك الدبلوماسي والسياسي الأخير لإنهاء الحرب في اليمن.
وقد رفض مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية التعليق -للجزيرة نت- على انضمام عضوية البحسني والمحرمي للمجلس الانتقالي واصطفافهما بجانب الزُبيدي، بينما التزمت الرياض وأبو ظبي الصمت.
ويقول الباحث دشيلة إن بقاء أعضاء مجلس القيادة -الذين أدوا القسم الدستوري بالحفاظ على وحدة وسلامة اليمن في قيادة المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال- يعني أن يفككوا الدولة الوطنية من الداخل، لذلك لا يمكن أن نصل إلى بر الأمان في ظل وجود هذه المشاريع.