لا تزال مسارات حل الأزمة في اليمن تتشابك، نتيجة لمراوحة الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية بين النجاح الطفيف والإخفاق الناتج عن تصلب المواقف، وذلك بعد أكثر من 8 سنوات من الحرب بين الحكومة وجماعة الحوثي خلفت أزمة إنسانية وتدهورا اقتصاديا وتمزقا في النسيج الاجتماعي.
وجراء تشابك مسارات حل الأزمة، فإن سيناريوهات المستقبل يلفها الغموض وتعدد الاحتمالات، سواءً من عودة الاقتتال أو التسوية السياسية وما بينهما من حلول.
مراقبون وكتاب وسياسيون، يتداولون سيناريوهات تتوزع بين التفاؤل والتشاؤم، ومدى إمكانية التوصل لحل سياسي شامل ومستدام، ويطرحون محاذير من ترحيل الأزمة وتأجيل الحرب، استجابة لضغوط الواقع.
متغيرات محلية وخارجية
وخلال آخر عامين، ونتيجة للمتغيرات الإقليمية والدولية آخرها عودة علاقات السعودية وإيران في 10 مارس/ آذار الماضي، تكثفت الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل سياسي للأزمة، وعلى إثر ذلك رعت سلطنة عمان مباحثات مطولة بين فرقاء اليمن.
وفيما يخص المتغيرات المحلية، مضى أكثر من عام على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي ضم كافة المكونات اليمنية المناهضة لجماعة الحوثي، إثر مشاورات رعاها مجلس التعاون الخليجي بالرياض في أبريل/ نيسان 2022.
ومنذ زيارة الوفدين السعودي والعماني إلى صنعاء في 9 أبريل الجاري، والحديث عن مساعٍ لإيقاف الحرب وإيجاد تسوية سياسية، برز الحديث عن ماهية الحل السياسي الذي سيشكل مستقبل الأزمة اليمنية، وعن السيناريوهات المتوقعة.
مجلس قيادة مشترك
فيصل علي، رئيس "مركز يمنيون للدراسات"، يضع ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الأزمة في اليمن.
الأول إشراك جماعة الحوثي في مجلس القيادة الرئاسي بدمج مجلسها القيادي فيه، بحيث يكون لها النصف مقابل النصف الآخر الذي شكلته السعودية في مجلس القيادة.
ووفق هذا السيناريو، "تتوزع اليمن فعليا ورسميا وبغطاء دولي بين أمراء الحرب بناء على مواقع الميليشيات التابعة لمختلف الأطراف على الأرض".
وبرأي علي، فإن هذا السيناريو "يكرس تمزيق البلاد فعليا وينهي فكرة الجمهورية التي ميزت اليمن عن محيطها الإقليمي وتدير فيه الدولة عوائل ومشيخات قبلية".
هذا السيناريو يؤجل الحرب لمراحل لاحقة، يضيف علي: "خاصة وأن الميليشيات لا تجمعها مهام ولا عقيدة عسكرية واحدة، وبالتالي ستستمر الحروب وإعادة التحالفات بين الفصائل وفقا لرغبات الممولين الإقليميين".
إعادة بناء الدولة
ويلخص علي السيناريو الثاني، في تقديم أمراء الحرب اليمنيين مصلحة البلاد على مصالحهم، ويقدموا تنازلات لأجل الشعب والدخول في حوار يؤدي إلى سلام حقيقي يفضي إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وفقا لتطلعات وتضحيات الشعب.
ويشترط الباحث اليمني لنجاح هذا السيناريو تخلي الحوثي عن فكرة "الولاية" وحزب "الإصلاح" عن فكرة "الدولة الإسلامية"، وأن يترك "الانتقالي" فكرة "دولة الجنوب" التي رسمها الاستعمار الانجليزي نهاية خمسينات القرن الماضي، وفق تعبيره.
ويذكر علي للأناضول، أن نجاح هذا السيناريو يقوم على قيام النخب اليمنية والقوى المدنية بصياغة خارطة طريق تفضي إلى دعم مؤسسات الدولة، لكنه يرى أن هذا السيناريو "حالم وصعب التحقق بسبب ضعف النخب وسطوة المال السياسي الذي لا يقبل بتقارب فعلي بين اليمنيين".
السيناريو الثالث وفق علي، يتمثل في "عدم قبول الحوثيين بالدخول في مجلس القيادة الرئاسي"، وهذا السيناريو برأيه "سيؤدي إلى ثورة شعبية تطيح بالحوثيين وبقية المليشيات في أنحاء البلاد".
إعادة للماضي
الكاتب والباحث السياسي اليمني ثابت الأحمدي، يبدو أكثر تشاؤما، فهو يرى أن الحوثي "لن يكون جزءا من الحل"، مضيفا أن "الحالمين بالسلام مع الحوثي لم يعرفوا تاريخ الإمامة وإن حملوا ألقابا سياسية كبيرة".
ويوضح الأحمدي للأناضول أن سبب تشاؤمه في سلام قريب "يعود إلى تجربة جماعة الحوثيين الطويلة مع مبادرات السلام التي تصل دائما إلى طريق مسدود".
ويشير إلى أن "سيناريوهات المستقبل لن تبتعد عن الماضي كثيرا، حيث سيقبل الحوثي بالهدنة التي تضمن له التقاط أنفاسه وإعادة بناء قوته ولملمة صفوفه من جديد".
ويضيف: "الحوثي لم ينفذ من المبادرة الأخيرة غير تسليم بعض الأسرى فقط الذين أراد أن يبدو من خلالهم بمظهر المدني المسالم، خصوصا مع استمرار عملياته العسكرية".
السيناريو الأرجح
الباحث اليمني عادل دشيلة، يطرح سيناريوهين متباينين لمستقبل الأزمة في اليمن، الأول فشل المحاولة السعودية لبناء تسوية ما يؤدي لعودة العنف مجددا، والثاني استمرار المحاولات الإقليمية لبناء تسوية سياسية مع بقاء الوضع العسكري كما هو عليه الحال.
وبرأي فيصل علي، فإن السيناريو الأقرب هو "إشراك جماعة الحوثي في مجلس القيادة الرئاسي"، ويرجح اختيار هذا السيناريو بسبب ما وصفها بـ"التفاهمات الدولية" حول الحرب في اليمن وإيقافها بناء على استئناف علاقات السعودية وإيران، بينما يرجح الأحمدي، سيناريو "الانتقال إلى مرحلة ثالثة قصيرة من اللا سلم واللا حرب".
أما الباحث عادل دشيلة، فيتحدث عن "السيناريو الأقرب، وهو أن السعودية تميل إلى إيجاد تسوية سياسية تحافظ على الجغرافيا السياسية للدولة اليمنية على الأقل في الوقت الراهن".
ويذهب دشيلة إلى أن "الرياض تسعى لإقناع الحوثي للقبول بالتسوية السياسية، أو تمديد الهدنة ثم تسوية سياسية وعملية انتقالية".
لكنه يعتقد أن "العملية السياسية لن تنجح نظرا لتمسك التيار الانفصالي جنوبا بمشروعه، وكذلك تمسك الحوثي بالمشروع السياسي الخاص بها".
مخاطر إفشال التسوية
ويقول دشيلة إن العائق الأكبر لجهود السلام في المستقبل هو "بقاء السلاح بأيدي المجموعات المسلحة المحلية التي تأتي إلى التسوية بضغوط إقليمية، لكنها غير مستعدة للوفاء بالتزاماتها".
ومحذرا من "خيار إفشال التسوية القادمة بالانقلاب والتمرد"، يوضح أن "الأمور لا تزال غير واضحة المعالم"، مبديا تخوفه من أن يعقب التسوية المتوقعة "دخول في عنف مذهبي حقيقي، يتم فيه تجيير الشمال للحوثي، والجنوب للجماعات السلفية، والدخول في دوامة العنف والفوضى أكثر مما مضى".