[ وفدا السعودية وعمان مع جماعة الحوثي بصنعاء ]
ما كُشف من بنود حول التسوية في اليمن حالياً، يكاد ينحصر بما هو تقني، في حين يغيب الكلام عن طبيعة السلطة ومكوناتها وآليات المشاركة فيها. يجري الحديث عن تجديد الهدنة وتثبيت وقف إطلاق النار لستة أشهر أو أكثر، مع توسيعها إنسانياً بما يكفل رفع القيود عن المطارات والموانئ، وصرف الرواتب وعودة تصدير النفط، واستمرار تبادل الأسرى. هذه الإجراءات الإيجابية، لاسيما من الناحية الإنسانية، غالبا ما تأتي كمرحلة ثانية في الاتفاقات، بعد توافقات حول السلطة، لكنها، تحضر هذه المرة كأولوية، على الرغم من أن وضعا مثل اليمن، يتطلب نقاشا حول نظام يخفف من التناقضات، ويتيح تمثيلا سياسيا للمتحاربين، الذين يتقاسمون البلاد حاليا، انطلاقا من قانون الحرب، وبمعزل عن السياسة.
جماعة الحوثي التي تحكم قبضتها على العاصمة، حيث مؤسسات الدولة، تسيطر على حوالي 25 في المئة من أراضي اليمن، ويعيش تحت سلطتها 15 مليون نسمة. في المقابل تسيطر الحكومة على 60 في المئة من المساحة الجغرافية للبلاد، بمعدل سكاني يقارب الـ12 مليون نسمة. أما ما تبقى أي 15 في المئة، فيخضع لسلطة المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث يعيش 3 ملايين نسمة.
هذه الأرقام التي رصدت العام الماضي، ويمكن أن تكون اختلفت قليلاً حالياً، تكشف عن اختلال كبير في موازين السيطرة على البلاد، قياسا بحجم الأطراف وانتشارهم الجغرافي. والاتفاق بتركيزه على ما هو تقني وإنساني واقتصادي، يتيح للحوثيين انطلاقا من سيطرتهم على العاصمة وخضوع كتلة سكانية كبيرة لهم، تثبيت أنفسهم أكثر وتحسين شروطهم للتفاوض لاحقا على أي شكل للسلطة. أي أن بنود الاتفاق التقنية سيترتب عليها أوضاع تعكس تركيبة الحكم الجديدة انطلاقا من شرط الحرب وليس من شرط السلام. وهذا ما يفسر موقف المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي شدد على «استعادة دولته كاملة السيادة»، معتبرا أن ذلك «هدف استراتيجي لن يتراجع عنه تحت أي ظرف». كما لفت إلى أن «حل الدولتين (جنوبية وشمالية) هو الطريق الوحيد للحل الشامل وتحقيق السلام والأمن والاستقرار الدائم في المنطقة».
المجلس، من القوى المتحكمة بالأرض، ويريد حصته التي تعكس حجم نفوذه، وما طرحه عن «دولتين» يأتي في هذا السياق، وينقل النقاش إلى مكان آخر يتعلق بتركيبة السلطة، وتثبيت نفوذ كل طرف. غير أن الانتقال بالنقاش إلى السياسة على طريقة المجلس، يبدو انتقالا مفخخاً، بمعنى أن هناك استغلالا للقضية الجنوبية وعدالتها، لتثبيت مصالح خارجية، هذا تعقيد إضافي، في اليمن، تداخل قضايا الأطراف الداخلية مع مصالح الداعمين الخارجيين، هذا الأمر يخلق التباسا في الطروحات السياسية لدى الحديث عن تركيبة السلطة وحصص الأطراف فيها، ويجعلها غير بريئة. الطرف الوحيد الذي يتحدث عن شكل النظام السياسي في اليمن، يصعب أخذ طرحه بحسن نية بسبب ارتباطاته الخارجية، فيما التسوية ببنودها الحالية تفتقر لأي حديث ذي صلة بهذا الشأن، ما يعني أن ولادة يمن ما بعد الحرب، ما تزال مؤجلة. وهذا التأجيل قد يمنح الحوثيين شرعية طالما افتقدوا لها، فكل بند من بنود التسوية تجعل الجماعة الموالية لإيران طرفا وجب عقد تفاهمات معه، والإقرار بنفوذه.
إيران غالبا ما تستغل، في الدول التي تخلق نفوذا فيها، فقر الطروحات حول شكل الحكم وتمثيل الجماعات سياسيا، فتوسع حضورها عبر جماعة لديه سردية مظلومية ويتطور وعيها سلبا نحو السيطرة على الدولة بالقوة والعنف، هذا ما حصل مع الحوثيين في اليمن، ومع «حزب الله» في لبنان. السعي لسدّ هذه الثغرة، إذا أخذ في الاعتبار لدى الحديث عن التسويات، قد يساعد على إضعاف إيران، عبر إعادة الجماعات التي تعتمدها كروافع لنفوذها إلى أحجامها الطبيعية. وهذا يتطلب، طرح الجماعات الأخرى رؤيتها لبلد يراعي الحساسيات المختلفة الجهوية والقبلية والطائفية، والتوصل بعد نقاش، لصيغة مقبولة للجميع.