بعد نحو 9 سنوات حرب في اليمن، تبدو خارطة السيطرة على الأرض منقسمة بين 3 مكونات رئيسية هي الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي.
ويأتي الاهتمام بخارطة السيطرة في ظل أنباء عن تقدم ملحوظ في مسار المشاورات بين الأطراف المتصارعة من أجل تمديد الهدنة في البلاد، تمهيدا لوقف شامل لإطلاق النار وبدء حوار جامع بين الفرقاء.
وأول أمس الإثنين، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني إن "الأجواء مهيئة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق السلام" في بلاده.
وذكر الإرياني في بيان، أن "تحقيق تقدم في مسار الحل السلمي للأزمة، يعد انتصارا للشرعية الدستورية والتحالف بقيادة الأشقاء في المملكة (العربية السعودية)، كونه يكرس نهجنا في الوصول الى السلام".
والأحد، عقد وفدان من السعودية وسلطنة عمان، مباحثات مع قيادات بجماعة الحوثي في صنعاء، تناولت سبل إحلال السلام في اليمن.
وذكرت وكالة الأنباء (سبأ) بنسختها الحوثية، أن مهدي محمد المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة، "استقبل في صنعاء الوفدين العماني والسعودي، بحضور رئيس فريق المفاوضات (الحوثي) محمد عبد السلام وقيادات أخرى".
وبالنظر إلى خارطة النفوذ تزامنا مع هذه التطورات، تحظى جماعة الحوثي بامتياز السيطرة على العاصمة صنعاء التي توجد فيها المقرات الرئيسية للمنظمات الأممية والدولية، إضافة إلى شركات الاتصالات والإنترنت وغيرها من المؤسسات الحيوية.
وتسيطر الجماعة على الغالبية الكبرى من المحافظات الشمالية للبلاد التي تتميز بكثافة سكانية عالية.
وفي المقابل، تسيطر الحكومة اليمنية على حقول النفط والغاز في محافظتي مأرب وحضرموت، فيما يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل أبرز على العاصمة المؤقتة عدن التي كانت توصف قبل الحرب بأنها العاصمة الاقتصادية لليمن، وتعد من أهم وأبرز مدن البلاد.
وفي هذا الإطار نستعرض تفاصيل السيطرة على الأرض بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي الحليفة لإيران والمجلس الانتقالي الجنوبي "المدعوم إماراتيا".
وتشير التقديرات إلى أن الحكومة الشرعية تسيطر في أبريل /نيسان 2023 على نحو 55 بالمئة من المساحة الجغرافية لليمن، بينها محافظة حضرموت التي تشكل أكثر من ثلث مساحة البلاد، فيما يسيطر الحوثيون على نحو 25 بالمئة، في الوقت الذي يسيطر المجلس الانتقالي على قرابة 20 بالمئة من جغرافيا اليمن البالغ مساحتها أكثر من 550 ألف كيلو متر مربع.
ويحكم الحوثيون في مناطق يسكن فيها ما يزيد عن 50 بالمئة من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 32 مليونا، فيما تسيطر الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، أو مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم الجانبين، على بقية المناطق التي تعد غالبيتها ذات كثافة سكانية أقل.
** سيطرة كاملة للحكومة
تسيطر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا على عدة محافظات بشكل كلي، أبرزها حضرموت (شرق) التي تعد أكبر المحافظات مساحة، وتحوي عدة مدن هامة أثرية وساحلية وسياحية مثل المكلا وسيئون وشبام وتريم والشحر، كما تحتضن مطارين دوليين هما "سيئون" و"الريان"، وتتميز أيضا أنها غنية بالنفط ورجال الأعمال.
كما تسيطر الحكومة على المهرة، ثاني أكبر المحافظات مساحة، وتقع في أقصى شرقي اليمن على الحدود مع سلطنة عمان، وتنتشر فيها أيضا قوات سعودية وتحوي مطار الغيضة الدولي وميناءي "نشطون" البحري و"شحن" البري.
** سيطرة شبه كاملة للحكومة
تسيطر الحكومة الشرعية أيضا على محافظات بشكل شبه كامل، فيما الحوثيون يسيطرون على بعض مناطقها منذ سنوات.
وعلى سبيل المثال، تسيطر الحكومة على معظم مساحة محافظة مأرب النفطية والغازية، بما في ذلك مركزها "مدينة مأرب" التي باتت منذ سنوات من أكثر المدن كثافة سكانيا في اليمن.
وتقول التقارير الحكومية، إن المدينة تحتضن أكثر من مليوني نازح، يشكلون أكثر من نصف إجمالي نازحي البلاد البالغ عددهم 4.5 ملايين.
ومنذ بداية فبراير/ شباط 2021، كثف الحوثيون هجماتهم في مأرب للسيطرة عليها- قبل أن تهدأ المعارك قبل نحو عام- كونها أهم معاقل الحكومة والمقر الرئيس لوزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز واحتوائها على محطة الغاز التي كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالتيار الكهربائي.
وإلى ذلك، تسيطر الحكومة على معظم محافظة لحج (جنوب)، بما في ذلك مركزها مدينة الحوطة، فيما تسيطر جماعة الحوثي على بعض مناطق المحافظة التي تشهد حالة من جمود المعارك.
ويتشابه هذا الوضع في محافظة الضالع الجنوبية، حيث تسيطر القوات الموالية للحكومة على معظم مديرياتها، بما في ذلك عاصمة المحافظة "مدينة الضالع"، فيما يواصل الحوثيون بسط نفوذهم على بعض المناطق فيها - أبرزها مدينة دمت السياحية- وتدور فيها معارك متكررة دون تقدم لأي طرف.
وتسيطر قوات الحكومة على نحو 60 بالمئة من محافظة تعز (جنوب غرب) الأكثر سكانا في اليمن، بما في ذلك "مدينة تعز" مركز المحافظة.
ويحظى الحوثيون بامتياز السيطرة على مدينة الحوبان شرقي محافظة تعز، التي توجد فيها مصانع للقطاع الخاص، ومنها تحصل المحافظة على 70 بالمئة من إجمالي إيراداتها.
** سيطرة كاملة للحوثيين
يسيطر الحوثيون على عدة محافظات شمالي اليمن، أبرزها العاصمة صنعاء التي اجتاحها مسلحو الجماعة في سبتمبر /أيلول 2014 بعد شهرين من سيطرتهم على محافظة عمران المجاورة.
وتعد صنعاء أهم محافظات اليمن كونها تحتضن أهم مؤسسات الدولة وقطاع الاتصالات والإنترنت والعديد من الشركات والمصانع التي تجلب إيرادات كبيرة للحوثيين.
كما يسيطر الحوثيون على كامل محافظات ذمار والبيضاء (وسط) وإب (جنوب غرب) وريمة والمحويت (شمال غرب) وعمران (شمال ).
** سيطرة شبه كاملة للحوثيين
يسيطر الحوثيون على أغلب مساحات بعض المحافظات، منها الحديدة الساحلية الاستراتيجية غربي البلاد، والتي تملك أحد أهم موانئ اليمن الذي يمر منه نحو 70 بالمئة من الواردات والمساعدات الخارجية المخصصة للبلاد.
وتسيطر القوات الحكومية على بعض مديريات المحافظة مثل الخوخة وحيس.
أما محافظة الجوف (شمال شرق) التي ترتبط بحدود برية مع السعودية، فيسيطر الحوثيون على معظم مديرياتها بما في ذلك عاصمتها مدينة الحزم، فيما تسيطر القوات الحكومية على مناطق قليلة فيها.
كما يسيطر الحوثيون على أغلب مساحات محافظتي حجة وصعدة (شمال غرب)، بما في ذلك مركزا المحافظتين، فيما تسيطر الحكومة على مناطق قليلة فيهما.
** نفوذ كامل للمجلس الانتقالي الجنوبي
يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، على كامل محافظة عدن (جنوب)، العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية بدلا من صنعاء.
ويسيطر عليها المجلس منذ أغسطس /آب 2019 بعد مواجهات مع القوات الحكومية، وتعد ثاني أهم المحافظات بعد صنعاء، حيث كانت توصف قبل الحرب بأنها العاصمة الاقتصادية والتجارية للبلاد.
ومنذ يونيو/ حزيران 2020، يسيطر المجلس الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، على محافظة سقطرى الاستراتيجية الحيوية المطلة على المحيط الهندي، جنوب شرقي اليمن، والتي توصف بأنها أكبر جزيرة عربية من حيث المساحة.
وإضافة إلى ذلك، يسيطر المجلس الانتقالي على محافظة شبوة، التي تحوي "منشأة بلحاف الغازية" أهم منشآت البلاد الاقتصادية، والتي تعطل نشاطها قبل سنوات وسط مطالب شعبية وحكومية بإعادة تشغيلها لتحسين اقتصاد البلاد المنهار.
ويتقاسم المجلس الانتقالي (تأسس عام 2017) مع الحكومة السيطرة على محافظة أبين (جنوب - مسقط رأس الرئيس السابق عبدربه منصور هادي)، ويحظى بامتياز السيطرة على مدينة زنجبار عاصمة المحافظة.
ويتمتع المجلس الانتقالي الجنوبي أيضا بحضور عسكري وسياسي في محافظتي الضالع ولحج جنوبي اليمن.
ويعاني اليمن حربا بدأت عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، بإسناد من قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي قتل في 2017 بمواجهات مع مسلحي الجماعة إثر انتهاء التحالف بينهما.
واشتد النزاع منذ مارس/ آذار 2015، بعد أن تدخل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
وحتى نهاية 2021، أسفرت حرب اليمن عن مقتل 377 ألفا بشكل مباشر وغير مباشر، وفق الأمم المتحدة، فيما لا توجد إحصائية حديثة حول إجمالي الضحايا.
وأدت الحرب إلى خسارة اقتصاد البلاد 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم نحو 32 مليونا على المساعدات.