بالنسبة إلى الإنتاج الدرامي في اليمن، يُعتبر موسم رمضان لهذا العام استثنائياً على الصعيد الكمي. فهناك على الأقل عشرة مسلسلات تُعرض في رمضان الحالي، تتنوع بين الدراما والكوميديا. وبصرف النظر عن تفاوت الآراء بين المشاهدين اليمنيين، سيكون للتطور الكمي أثره مع الوقت. وبعيداً عن التفاصيل الفنية من حيث الإخراج والبناء الدرامي والأداء، لدى أغاني الشارات ما يمكن أن تقوله، بوصفها واجهة لأي عمل درامي.
وليست شارة المسلسلات مجرد أغنية، أو لحن موسيقي ينبغي أن يتسم بالجاذبية، بل أيضاً هو تعبير مكثف عن الطابع العام للعمل الدرامي، بما في ذلك بيئة المكان الذي تدور فيه الأحداث. كذلك ليس مجرد ممارسة سماعية تسبق بدء الحلقات. يبقى السؤال الأهم: هل شهدت أغاني الشارات للدراما اليمنية ما يمكن أن نعتبره تطوراً ملحوظاً، يساهم في نقلها إلى مستوى يتطلب تأكيد البعد الدرامي؟
في هذا السياق، يمكن التوقف عند شارة مسلسل "العالية"، المعروض على قناة يمن شباب وتلفزيون العربي 2. تتسم الشارة بمحتوى موسيقي مختلف عن بقية الشارات، سواء ضمن المعروض حالياً، أو ما سبق عرضه. وربما هو أول مسلسل يمني يُنقَل عبر قناة عربية.
وبحدود الأسلوب الموسيقي واللحني العام لشارة المسلسل، يمكن اعتبارها شارة متجاوزة للإطار المحلي، إذ تستطيع الوصول إلى المستمع في العالم العربي. ما يعني أنها واجهة تسمح للعمل بأن يحضر في الفضاء العربي، خصوصاً إذا عُزِّزَت بنص درامي مميز.
كذلك، لم يغفل لحن الشارة العنصر المحلي؛ إذ استُحضر كثيمة غنائية مميزة، موظفاً الملالة الشعبية، التي تنتمي إلى ريف الحجرية في محافظة تعز. ومع اختلاف العناصر اللحنية، يمنية شعبية وعربية وعالمية ضمن الشارة، فإن تنفيذها يمتاز بتجانس واضح، أكسب اللحن جودة.
يبدأ اللحن بتمهيد مرسل تلعبه الوتريات على مقام الكرد، يتسم بطابع درامي ملائم لعمل درامي تلفزيوني. ومع تصاعده الهارموني بطابع عالمي، يتقاطع معه أداء الملالة بصوت سمر السمرين؛ مغنية شعبية تنتمي إلى بيئة الملالة الشعبية نفسها. لكن برغم التباعد بين العنصرين اللحنيين؛ إذ إن أحدهما يتسم بطابع عالمي على مقام الكرد، وآخر شعبي يمني على مقام البيات، يتسقان بوحدة لحنية، تضفي على روح الموسيقى تماسكاً.
يتبع الملالة التي تؤديها المغنية الشعبية بترنيم لحني صوتي، إلى جانب غناء المجموعة، لحن بسيط يمثّل تقاطعاً بين عناصر محلية وعربية. كذلك، لحن الشارة مقسم إلى مقامين: الكرد بصوت الوتريات وبطابع أوركسترالي، ومقام البيات في لحن الملالة والغناء، من دون أن يغفل تدعيم المسار الصوتي بمسارات هارمونية مصاحبة في بعض الأجزاء، مع إتاحة مساحة تسبق آخر جزء من الغناء بصولو للعود، تمتزج فيه روح الألحان اليمنية بالشامية.
هذا الاقتفاء لعناصر مختلفة ومتباعدة، تختتمه الوتريات بطابع لحني شرقي واضح، يتقاطع مع أسلوب بعض الشارات العربية. ويستحضر فيه ملحن الشارة، محمد القحوم، لحناً درامياً واسعاً كمستوى متقدم لأسلوب لحن الشارات في الدراما اليمنية.
بصورة عامة، ما زالت الدراما اليمنية تبني مسيرتها بعيداً عن مثيلاتها العربية التي قطعت شوطاً كبيراً، بالأخص في مصر وسورية. ففي السابق، اقتصر الإنتاج الدرامي على القنوات الرسمية، وكان رمضان موسماً لإنتاج شحيح يقتصر على عمل أو عملين. وبالتالي، كانت شارات المسلسلات قد اتخذت أسلوباً نمطياً، وهذا بدوره سيختلف مع تنافس القنوات العديدة على عرض مسلسلات حصرية، لاستقطاب المشاهدين اليمنيين.
وهذا بدوره سينعكس هذا التنافس على شارات المسلسلات، التي على الأقل ستصبح جزءاً من اهتمام المنتجين لتلك الأعمال. فمن الناحية الموسيقية، سيتطلب الأمر شروطاً أكثر كفاءة، على الأقل من ناحية المظهر العام لاستخدام الآلات. كذلك سينعكس مستقبلاً على التنافس في اختيار الألحان نفسها، كعنصر وظيفي مهم في إبراز العمل الدرامي.
تتفاوت أيضاً الأساليب اللحنية لشارات المسلسلات اليمنية المعروضة. في مسلسل "دكان جميلة" المعروض على قناة المهرية، تعتمد الشارة على ثيمة لحنية واستخدام محدود للآلات. وعلى صعيد اللحن، فهو يتسم بطابع غنائي عاطفي، على مقام الكرد. ربما يساهم هذا الأسلوب في تركيز تعاطف المشاهد حول عقدة الحكاية المتركزة حول الدكان وصاحبته. وتتبادل الحوار في فواصل قصيرة بين أشطار الغناء أوتار العود والغيتار. وما يميز اللحن أيضاً استخدام صوت مزمار مبرمج كفاصل موسيقي، وكذلك تأتي الإيقاعات والغيتار الكلاسيكي كرتوش.
الجانب اللافت أيضاً، وجود اسم امرأة كملحنة لشارة المسلسل؛ جمانة جمال. وهو أمر غير مسبوق على صعيد لحن شارة مسلسل يمني. كذلك فإنه استثنائي بالنسبة إلى المشهد الموسيقي اليمني عامةً، خصوصاً أنها أيضاً صاحبة الكلمات.
خلافاً لذلك، تحضر شارات ذات طابع فكاهي، لتُجسد مضمون العمل الدرامي. وفي مسلسل "مدهش"، ذو النكهة العدنية بممثليه وأيضاً بلهجته السائدة، يحضر في شارة المسلسل لحن عدني قديم للفنانة اليمنية أمل كعدل، هي "بحبك ملأ قلبي"، وتؤدي أيضاً كعدل دور البطولة فيه.
أما شارة مسلسل "خارج التغطية"، المعروض على قناة السعيدة، فيعبر عن طابعه الفكاهي بأغنية أقل لحنية. يُوظَّف سياق موسيقي طفيف يتسم بحداثة، مثل توظيف الكيبورد المُبرمج بأسلوب البوب، مع صوت الساكسفون الذي يحضر بلمسة غربية، وأصوات المجموعة التي تردد ثيمة لحنية تقليدية، مع إتاحة مساحة لأداء راب محلي قصير، واستمرار أصوات الكيبورد المهيمنة كخلفية. وبصورة عامة، لا يتسم اللحن بميزة، عدا كونه استحضاراً لضجة مرحة تسخر من بطله.
كذلك، يتسم مسلسل "غاغة" للفنان محمد الأضرعي، بذلك الحس الفكاهي، عبر أسلوب مألوف ضمن سلسلته. و"غاغة" تعني فوضى، وهو مسلسل موجه لنقد جماعة الحوثي، باستحضار مواقف كوميدية.
وفي العمل المعروض على قناة المسيرة (يحفل بأطول شارة بين المسلسلات اليمنية)، تُستخدم في الشارة استعارات موسيقية ممزوجة بعناصر يمنية وعربية. ويبدأ بترديد مجموعة لزامل شعبي، لطالما وظفته جماعة الحوثي كنشيد حربي، لكن هنا بأسلوب ابتهال.
وتوظف الشارة آلات شرقية تتقاطع مع ألحان ترددها المجموعة بطابع إنشادي؛ إذ تحضر عناصر لحنية يمنية وعربية، مصرية وشامية، بما في ذلك صوت الدبكة، مع حضور ثيمة معروفة في ألحان أناشيد حزب الله اللبناني. ويعيب الشارة الطول، ولا سيما أنها تخلق مللاً وتزاحماً للعناصر، لدرجة أن الثيمة التي بُنيت الموسيقى عليها قد ضاعت.
من ناحية أخرى، نلاحظ أن السياسة تفرض نفسها، وتبعث برسائل معينة عبر الدراما اليمنية، وفقاً للجهة التي أنتجتها. وربما نجد ذلك بصورة ما في صوت الشارات، وإن اتسم بطابع خفي، تفترق فيه اللهجات وتتعدد، باختلاف المناطق اليمنية.
يمكن القول إن شارة المسلسل أصبحت تمثل أهمية في المحتوى الدرامي، من المتوقع أن تكون مجالاً مهمّاً للإضاءة على ملحنين يمنيين، وبالتالي ستكون حيزاً، وإن كان محدوداً، للتنافس في إثبات الذات الموسيقية.