قبيلة حاشد اليمنية، من أكثر القبائل نفوذا سياسيا وعسكريا منذ سقوط حكم الإمامة وإعلان النظام الجمهوري في شمال البلاد عام 1962. ومنذ اندلاع الحرب في اليمن في مارس/آذار 2015 بين جماعة الحوثيين والحكومة اليمنية المدعومة بالتحالف الذي تقوده السعودية، حضرت القبيلة بقوة، إذ يشكل رجالها القوام الأكبر لطرفي الحرب.
ثم عادت قبيلة حاشد اليمنية للواجهة مجددا مع رحيل شيخها صادق الأحمر في السادس من يناير/كانون الثاني 2023، الذي ورث زعامة القبيلة بعد أن عُقدت له البيعة عام 2008 في مدينة خمر بمحافظة عمران، شمال صنعاء، خلفا لوالده عبد الله بن حسين الأحمر، المُتوفى نهاية عام 2007، والذي كان أيضا إحدى أبرز الشخصيات القبلية واليمنية التي أثرت في المشهد السياسي.
التاريخ
تشكل قبائل حاشد -إلى جانب قبائل بكيل بطني- قبائل همدان المنحدرة من العصور القديمة، إذ تقول المصادر التاريخية إن القبيلتين تُنسبان إلى حاشد وبكيل، وهما ابنا جشم بن حُبران بن نوف بن بَتَع بن زيد بن عمرو بن همدان، ويوجد قبرهما في منطقة خيوان بمحافظة عمران.
ووفق المصادر فإن الدور التاريخي للقبيلة بدأ منذ أن ساندت الدعوة الزيدية التي جاءت مع الإمام الهادي نهاية القرن الثالث الهجري، وكانت أرضا لصناعة تاريخ الأئمة المتعاقبين بتأييدهم أو بقتالهم.
كما كان للقبيلة دور مؤيد للأئمة الذين قادوا الثورات المتعاقبة ضد العثمانيين، لكن العلاقة معهم توترت بعد تهميشهم للقبائل عقب عقد صلح "دعان" بين الإمام يحيى حميد الدين وبين الإدارة العثمانية عام 1911.
اصطدم الطرفان في حرب انتهت بإخضاع الإمام القبيلة لنفوذه، لكن الصراع بين قادتها لم ينتهِ، حيث ردت القبيلة بدور بارز في ثورة 1962 التي أنهت حكم الإمامة في اليمن، بعد قرابة ألف عام من الحكم.
الموطن
تمتد قبيلة حاشد من مديرية سنحان جنوب العاصمة صنعاء حتى جنوب محافظة صعدة في شمالي اليمن، ومن محافظة الجوف بالشرق حتى تهامة في الغرب.
وتشكل محافظة عمران المعقل التاريخي للقبيلة، وتعد قبيلة بني صريم أكبر بطون قبائل حاشد، إضافة إلى قبائل خارف والعصيمات وعذر، وتحت هذه القبائل تتفرع عدة قبائل، إضافة إلى قبائل يمنية أخرى اتحدت معها.
وعقب قيام الجمهورية انتقل معظم رجال القبيلة للسكن في العاصمة صنعاء.
السكان
يحرص رجال القبيلة على التمسك بإرثهم وقواعدهم القبلية التي يفتخرون بها بين اليمنيين، بما في ذلك حملهم للسلاح.
ولا توجد بيانات واضحة عن عدد سكان القبيلة الذين يصنفون بأنهم صغار السن وينتمي معظمهم للمذهب الزيدي، غير أن تراجع الاهتمام بالتعليم في أوساط القبيلة دفع معظمهم للانخراط في الجيش والأمن والمليشيات.
وفتحت حالة التجييش لأفراد القبيلة بابا سهلا لأبنائها الذين تمرَّسوا على القتال، وذلك منذ مشاركتها الفاعلة خلال الحرب بين الملكيين والجمهوريين عقب ثورة عام 1962، وكانت حاضرة وفاعلة في الحروب، عدا نسبة قليلة منها اتجهت للتجارة أو الالتحاق بالتعليم والوظيفة العامة.
ومؤخرا وظفت جماعة الحوثيين رجال القبيلة بشكل حاسم في سيطرتها على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/أيلول 2014، ومن بعدها الحرب المستمرة حتى اليوم.
القيادات والرموز
خلال العصر الحديث برزت أسرة الأحمر بقوة عبر مواجهة حكام الإمامة، وتعرض بعض أفرادها للإعدام، واضطر آخرون لمغادرة البلاد، قبل أن يعود الوجه الأبرز في الأسرة عبد الله بن حسين الأحمر (ولد عام 1932) ويقود القبيلة للمشاركة الفاعلة في ثورة 1962 وما تلاها من حرب بين الملكيين والجمهوريين.
وعقب حسم الجمهوريين المعركة، برز الشيخ عبد الله كواحد من أكثر الرجال تأثيرا في المشهد السياسي اليمني واصطدم كثيرا برؤساء اليمن، إلا أنه ظل قويا وحاضرا على رأس قبيلته إلى جانب الزعماء التاريخيين الآخرين لقبيلة بكيل.
وخلال تلك المدة تقلد الأحمر منصب عضو مجلس الرئاسة، ووزير الداخلية 3 مرات، ورئيس المجلس الوطني الذي صاغ الدستور اليمني، ورئيس مجلس الشورى من عام 1971 حتى 1975، ورئيس مجلس النواب منذ 1993 ورئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح منذ تأسيسه عام 1990 حتى وفاته.
ودفع الأحمر في صعود الرئيس الراحل علي عبد الله صالح للحكم عام 1987 عقب اغتيال الرئيسين إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي على التوالي في أقل من عام، وخلال حكم صالح حتى وفاة الأحمر عام 2007 ظل الرجلان حليفين. وسمحت تلك العلاقة بتغلغل قبيلة حاشد في مؤسسات الدولة.
ومع وفاة الشيخ عبد الله عام 2007 تراجع دور القبيلة رغم أن معظم رؤساء اليمن الشمالي والموحد كانوا ينتمون لها، ومن بينهم صالح الذي دفع بزعماء قبائل آخرين لمنافسة صادق الأحمر الذي شغل منصبي عضو مجلس النواب والشورى.
وعقب ذلك، ظهر زعماء قبليون ينافسون أسرة الأحمر مثل الشيخ علي حميد جليدان، والشيخ عادل حمود عاطف، والشيخ أبو حلفا، وآخرون، معظمهم لم يتقلدوا مناصب في الدولة.
أعراف وقوانين القبيلة
رغم استهداف الحوثيين قبيلة حاشد وإرهاب رجالها سواء عبر تفجير مباني أسرة الأحمر أو قتل المشايخ الذين ساندوا علي عبد الله صالح في حربه ضد الجماعة، فضلت الجماعة التعامل مع القبيلة وفق قوانينها على حساب قوانين الدولة.
وعادت قوانين الصلح القبلي، وهي هدنة مؤقتة يلتزم فيها صاحب الحق بوقف أي نشاط حربي ضد خصمه مهما كانت الأسباب، إضافة للنكف، وهو أن تحشد القبيلة قوة كبيرة مع مجموعة القبائل الحليفة لها ضد قبائل أخرى إذا حدث ما يستوجب القتال، لكن مؤخرا لم يعد ذلك موجودا.
ومن بين العادات القبلية في حاشد "الصحب" (بمعنى التزام الفرد للقبيلة ماديا أو أدبيا) له ما لهم وعليه ما عليهم من خير وشر مهما كانت الظروف.
وللقبيلة أعراف أخرى بارزة، منها "الهجر" وهو ذبائح تنحر عند المجني عليه كرد اعتبار مقابل ما ارتُكب ضده من أخطاء، و"التحكيم"، وهو رضا من طرفين أو خصمين متضادين أو مختلفين بتفويض شخصيات لها ثقل قبلي ولديها خبرة بالأحكام والأعراف القبلية وتتمتع بالحياد لحل خلافاتهما.
أما "العدال" فهو أسلحة أو أموال توضع لدى طرف ثالث لضمان تنفيذ حكم المحكمة، أما "الضمناء" فهم أشخاص يتكفلون بتنفيذ الأحكام.
ومن الأعراف أيضا "دم القبيلة"، هو القتلى أو القتيل الذي يطالب أصحابه بأخذ الثأر له من القاتل، ويسمى الدين الواجب اقتضاؤه، ويأتي في مقابله "الوجه" وهو رجل يقدم وجهه لخصمه بالمنع فيصبح الخصم في وجه وحماية من يطلب الثأر منه مهما كانت الأسباب والدواعي، مثل أن يقول شخص لآخر أنت في وجهي، فيصبح في حمايته.
و"عيب القبيلة" هو ارتكاب جريمة القتل بدون ذنب، أو أن يباشر القتل في فترة صلح أو هدنة، والغدر بأنواعه، أما "الأمان" فهو إعطاء العهد أو الوجه بعدم الاعتداء على طالب الأمان، سواء بطريقة الصلح، أو الوجه المباشر في حالة الحرب.
توجهات القبيلة السياسية
بداية القرن الـ20، كان الصراع بين قبيلة حاشد والإمامة من السمات المعتادة للحياة السياسية حتى الإطاحة بحكم الإمامة، وعقب ذلك كانت القبيلة أهم الجهات الفاعلة خلال الحرب الأهلية، وكان رجالها ذوي تأثير قوي داخل الجيش الجديد للجمهورية.
واستخدم زعماء القبيلة القوانين القبلية للتفاوض من أجل إنهاء الصراع خلال الحرب الأهلية، وعُقدت 3 مؤتمرات وطنية للمصالحة أسهمت في وضع حد للحرب الأهلية كما أسهمت في تعزيز نفوذ القبيلة.
وشكلت القبيلة مع القبائل الأخرى المجلس الأعلى للمشايخ، الذي اندمج مع السلطة التشريعية للبلاد، ما منح شيوخ القبائل نفوذا كبيرا في صياغة مسودة دستور الجمهورية الذي أُعلن عنه عام 1970 وضمن نفوذ القبيلة في الدولة.
وبعد صعود علي عبد الله صالح -الذي ينتمي إلى قبيلة حاشد- للحكم، اعتمد سياسة التهدئة ومنح المزيد من السلطة والنفوذ لمشايخ القبيلة والقبائل الأخرى، ليستمر تغلغلهم في الهيكل الإداري والتشريعي والتنفيذي وتقاسمهم السلطة والثروة مع مؤسسات الدولة.
لكن التنافس القبلي بين حزبي المؤتمر والإصلاح اللذين استقطبا رجال القبائل سياسيا منذ 1990، تسبب في شرخ وانقسام القبيلة، واستثمرته جماعة الحوثيين حين سيطرت على جغرافيا القبيلة عام 2014، وضربت بقوة القسم المعارض لها في القبيلة وضمنت ولاء القسم الآخر الذي صار قوة بشرية للجماعة.