[ وفد عماني في صنعاء لتجديد الهدنة ]
يطوي عام 2022 صفحاته ومازال الحال في اليمن يتأرجح بين السلام والتصعيد العسكري، فمنذ تعثر تجديد الهدنة في 2 أكتوبر/تشرين الأول، عادت الحرب إلى مرحلة كتم الأنفاس، فهل يقترب اليمن في هذه المرحلة من السلام أم يبتعد عنه؟.
ينتهي العام مع حدث لم يُعلن عن نتائجه حتى كتابة هذه السطور، والمتمثل في الوساطة العمانية، التي تمثل بارقة أمل صوب السلام، لاسيما وأن المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأوروبيون (الاتحاد الأوروبي) يؤكد على الحل السياسي، مستبعدا الحل العسكري، الذي فشل على مدى ثماني سنوات في الوصول إلى نتيجة تفتح نافذة ضوء في نهاية النفق اليمني حالك الظلمة.
ثمة أحداث شهدها العام 2022 صوب السلام تميزه عن الأعوام السابقة – على صعيد خسائر الحرب ونتائج المحادثات (الهُدنة والوساطة العمانية) – فالحرب وضعت أوزارها لمدة تسعة شهور على صعيد المواجهة في جميع الجبهات، وهذه الجبهات كانت مستعرة منذ بداية العام حتى مستهل أبريل/ نيسان، إذ تم الإعلان عن نجاح جهود المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، في إقناع طرفي النزاع على توقيع اتفاق هدنة. على صعيد وقف إطلاق النار استطاعت الهدنة إيقاف الحرب في كل الجبهات، وعلى الرغم من استمرار خروقات الهدنة، إلا أنها استطاعت إيقاف المواجهات في أكثر من 15 جبهة بالإضافة إلى إيقاف غارات طائرات التحالف بعدما كانت قد نفذت خلال الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام رقما قياسيا من الغارات، ملحقة خسائر مادية وبشرية كبيرة في صفوف المدنيين والأعيان المدنية.
تم تجديد الهدنة مرتين، واستمرت ستة شهور في أطول هدنة شهدها البلد خلال هذه الحرب، ومن ثم تواصلت الجهود الدولية لإقناع الطرفين لاستئناف تجديد الهدنة إلا أنها فشلت حتى الآن في تحقيق نتائج إيجابية.
تحولت هجمات الطائرات المسيرة التابعة للحوثيين صوب الموانئ اليمنية الجنوبية الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها، وهو ما مثل تحديا جديدا لعملية السلام، لاسيما في ظل إصرار الطرفين على موقفهما؛ فالحوثيون يريدون من الحكومة المعترف بها صرف رواتب جميع موظفي الدولة (دون تمييز) في مناطق سيطرتها والحكومة ترفض ذلك.
وصول وفد عماني، أمس الأول، إلى صنعاء مثل بارقة أمل باتجاه حل مشكلة الخلاف بشأن المرتبات.
تأتي الوساطة العمانية لمحاولة حل الخلاف الذي يصر فيه الحوثيون على أولوية الملف الإنساني وضرورة فصله عن الملف السياسي، ويتمثل الملف الإنساني في صرف المرتبات وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة. وهو مطلب في حال تحقق سيضع إحداثيات لمرحلة جديدة.
حمل الوفد العماني بصحبة رئيس الوفد التفاوضي الحوثي، محمد عبد السلام، الذي يقيم وفريقه في سلطنة عمان، لصنعاء خلاصة موقف سعودي أوروبي باتجاه حل الخلاف.
ماذا صدر عن الحوثيين والأوروبيين بهذا الشأن حتى الآن؟
قال رئيس الوفد التفاوضي للحوثيين، أمس الخميس، في تغريدة على صفحته في تويتر: “زيارة الوفد العماني لصنعاء تأتي استكمالا لما يجري من نقاشات حول السبل الكفيلة بإنهاء العدوان ورفع الحصار تلبية لمطالب الشعب اليمني كحقوق طبيعية وإنسانية لا يتم السلام بدونها”.
فيما قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، غابرييل مونويرا فينيالس، في رسالة وجهها لليمنيين، “كان هذا العام بالغ الأهمية لتحقيق السلام في اليمن، لاسيما مع الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة، والتي لا تزال قائمة على أرض الواقع، إلا أنها تظل هشة”.
وأضاف على “تويتر”: “لقد حاولنا في الاتحاد الأوروبي بذل قصارى جهدنا لدعم هذه الجهود. سنواصل إسهاماتنا بل وسنزيد منها إن أمكن من أجل هدنة موسعة وطويلة من شأنها أن تمهد الطريق لعملية سلام شاملة برعاية الأمم المتحدة. فاليمنيون لا يستحقون أقل من ذلك”.
وتابع “أتمنى من القلب للشعب اليمني الرائع، أن يكون عام 2023 عام السلام في اليمن. سأكرس أنا وفريقي كل طاقتنا لهذه القضية”.
الدولة الحضرمية
على صعيد الوضع في جنوب اليمن، يمثل اللقاء، الذي شهدته المكلا عاصمة محافظة حضرموت (شرق)، الثلاثاء الماضي، تحت عنوان “اليوم الوطني لحضرموت” حدثا مفصليا في الطريق للسلام في البلاد، فخلال هذا اللقاء الذي نظمته ما تُعرف بـ”الهبة الحضرمية” تم إعلان العلم والنشيد الحضرمي، والمطالبة بإعلان دولة حضرموت.
هذا الحدث الذي على ما يبدو تموله السعودية، التي تدعم “الهبة الحضرمية”، التي تمثل عددا كبيرا من رجال الأعمال الحضارم المقيمين في السعودية. وعلى ما يبدو أيضا أن المملكة تحاول من خلال مشروع دولة حضرموت مواجهة مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تموله الإمارات، والذي يطالب بإقامة دولة منفصلة عن شمال اليمن في محافظات الجنوب بتسمية أطلقها المستعمر البريطاني لمحمياته في الجنوب اليمني، في النصف الأول من القرن العشرين، وهي “اتحاد الجنوب العربي”. ويريد “الانتقالي” تحوير التسمية إلى “دولة الجنوب العربي”، منكرا يمنية الجنوب تماما في تقاطع مع حقائق التاريخ والجغرافيا.
بهذين الحدثين يطوي اليمن العام 2022، وهو ما نقرأ من خلالهما رغبة دولية في السلام مقابل تشرذم يمني بدعم إقليمي تقف خلفه مشاريع كبرى، وهي المشاريع التي تحول معها اليمن إلى رقعة شطرنج بات فيها اليمنيون كبيادق هناك مَن يحركها من الخارج. لكن إلى متى؟ وهل يستطيع الموقف الدولي المؤيد للسلام أن ينتصر لوحدة اليمن وسلامة أراضيه واستقرار وضعه، كما تعلن الدبلوماسية الخليجية والأمريكية والأوروبية والإيرانية؟. الإجابة على هذا السؤال قد تؤكدها الأيام القليلة المقبلة.