أثار تراجع حزب الإصلاح اليمني عن تنفيذ تهديداته بتجميد مشاركته في سلطة المجلس الرئاسي التي أطلقها عقب أحداث محافظة شبوة، شرقي البلاد، في حال لم يتم الاستجابة لمطالبه، تساؤلات عدة حول مصير تلك التهديدات.
وأصدر حزب الإصلاح بيانا، في 11 آب/أغسطس المنصرم، لوح فيه بوقف مشاركة الحزب في كل مؤسسات الدولة، على خلفية أحداث محافظة شبوة، واستهداف القوات الحكومية بالطيران الإماراتي.
وطالب الحزب مجلس القيادة الرئاسي، بإقالة عوض بن الوزير، محافظ شبوة، وإحالته للتحقيق، كونه من قاد عمليات التحريض والاقتتال بمعية العناصر الخارجة عن القانون، واستخدام أسلحة الإبادة الجماعية، بما فيها الطيران المسير ضد أبناء شبوة ومكوناتها ومنتسبي الجيش والأمن، إمعانا وتنفيذا لأجندات غير وطنية بهدف الاجتثاث والإقصاء.
وأضاف البيان؛ "إن الإصلاح سيضطر إلى إعادة النظر في مشاركته في المجالات كافة، إذا لم تلب مطالبه".
وبعد أسابيع من بيان الإصلاح، ومع غياب أي بوادر تلوح في الأفق لإعادة ترتيب الأوضاع في محافظة شبوة إلى ما قبل أحداث آب/ أغسطس، يواصل المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا نشاطه الميداني الذي يترافق مع حملات تحريض ضد القوات الحكومية في محافظتي حضرموت والمهرة، شرقي البلاد، في مسعى للتمدد نحوه تلك المحافظات، وإحكام هيمنته عليها بدعم من التحالف الذي تقوده الرياض.
قيادة الحزب بالرياض
وفي السياق، قال الخبير في علم الاجتماع السياسي، عبدالكريم غانم؛ إن قرار الاستقالة الذي بادر به عضو مجلس الرئاسة، القيادي في الإصلاح، عبدالله العليمي، احتجاجا على موقف رئيس مجلس الرئاسة، الذي بدا متماهيا مع موقف المجلس الانتقالي الجنوبي من أحداث شبوة، جاء تعبيرا عن استياء الكثير من أعضاء حزب الإصلاح، وكانت خطوة جيدة للتخفيف من حدة الاحتقان ومنسوب الغضب.
وأضاف غانم في تصريح لـ"عربي21": "لكن هذه الاستقالة كان من شأنها وضع الحزب في مواجهة مع الرياض، مهندسة تشكيل المجلس الرئاسي في اليمن".
وتابع: "ولكي يبدو الصراع محصورا بين الإصلاح والقوى الجنوبية المدعومة من الإمارات، تراجع النائب العليمي عن استقالته واكتفى الإصلاح بالتلويح بتجميد مشاركته في المجلس الرئاسي والحكومة، ما لم يتم إقالة عوض العولقي محافظ شبوة وإحالته للتحقيق، ومحاسبة الضالعين في استهداف قوات الجيش والأمن، ومعالجة أحداث شبوة بطريقة منصفة.
ولمعرفة أسباب عدم تنفيذ الإصلاح التهديد بالانسحاب من المشاركة، أرجع الخبير السياسي اليمني ذلك إلى أن "قرار الحزب بيد قيادته التي تقيم في الرياض"، مؤكدا أنه من الصعب أن تقوم بخطوة كهذه من شأنها إظهار فشل جهود القيادة السعودية في توحيد القوى اليمنية الحليفة لها.
كما أشار إلى أن لدى حزب الإصلاح من المرونة ما يمكنه من تقبل الأمر الواقع، فالمتوقع أن يتعاطى مع التطورات العسكرية في حضرموت والمهرة وفق مقولة (أنا رب إبلي وللكعبة ربٌ يحميها).
وأردف قائلا: "فالخاسر الفعلي من هذه التطورات، هي الدولة اليمنية، وبهذا التوجه المهادن ينقذ الإصلاح ما يمكنه إنقاذه من نفوذ سياسي واقتصادي لنفسه ويضمن السقوط بأقل الخسائر".
وأوضح الخبير اليمني في علم الاجتماع السياسي، أن الإصلاح يبدو أنه فهم ما يريد التحالف (تقوده السعودية) تحقيقه عبر وكلاء محليين من تقليم لمخالبه وتقليص لنفوذه، لذا تراجع عن تنفيذ تهديداته، لاسيما وقد بدأت ملامح أزمة غير معلنة داخل المجلس الرئاسي تلوح في الأفق، الأمر الذي استدعى تغيير تكتيكات الإصلاح في التعاطي مع الصراع في الجنوب.
ومضى قائلا: "إذ لم يعد الصراع موجها نحو هذا الحزب فحسب، بل يبدو أن هنالك ضغوطا تمارس لدفع رئيس مجلس الرئاسة ذاته للتخلي عن أدواره لصالح رئيس المجلس الانتقالي، وهو ما دفع الإصلاح لتغيير موقفه من معارضة الرئيس رشاد العليمي والمجلس الرئاسي إلى الوقوف بجانبه، ومناشدة القوى الدولية لدعمه".
وقال: "ومن الطبيعي والحالة هذه ألا ينتظر الإصلاح قرارات قوية من رئيس (رشاد العليمي)، يبدو أنه يتعرض للخذلان من جانب القوى الإقليمية التي نصبته، حيث صار في وضع لا يحسد عليه، في ظل انفراد نائبه بالسيطرة على الأرض وإجباره ـ أي الرئيس ـ للحكم بأمره".
وأكد السياسي اليمني أن الاستهداف لم يعد قاصرا على الإصلاح، بل يبدو أنه يطال مجلس الرئاسة ذاته ورئيسه الذي بات لسان حاله (مجبرٌ أخاك لا بطل) وصار الأولى بالإصلاح الوقوف إلى جانبه، ليتمكن من امتلاك قراره قبل مطالبته بعزل هذا أو ذاك.
وحسب غانم، فإنه من الطبيعي أن يؤجل الإصلاح المطالبة بإقالة محافظ شبوة، وهو مطلب وضعه عندما كان يقف من الرئيس العليمي موقف المعارض.
أما الآن وبعد مضي أسابيع، وفقا للمتحدث ذاته، على عدم عودة العليمي إلى عدن، واستمرار تغول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في السيطرة على السلطة، فقد طُرحت أمام الإصلاح أولويات جديدة، ومنها المطالبة بدعم المجلس الرئاسي ورئيسه العليمي.. ففاقد الشيء لن يعطيه.
ولم تتمكن "عربي21" من الحصول على تعليق من قيادات بالحزب بسبب رفضها الرد على هذا الموضوع.
ردع وانزعاج
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، ناصر الطويل، أن البيان الذي صدر عن الإصلاح الشهر الماضي، جاء في سياق الردع وليس في سياق جدي.
وقال الطويل لـ"عربي21": "كان الهدف، ممارسة أكبر ضغط ممكن على المجلس الانتقالي والمجلس الرئاسي؛ لوقف العمل العسكري في شبوة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في السابق".
وحسب الأكاديمي اليمني، فإن الإصلاح تحمل على عاتقه مسؤولية وطنية لا أظن أنه سيتخلى عنها في هذه المرحلة، لا هو ولا غيره من القوى الوطنية لديها هامش الانسحاب أو الانضواء في هذه المرحلة شديدة الأهمية في التاريخ اليمني.
وأضاف: "ولذلك هدد في هذا الجانب، لإيصال رسالة إلى دول التحالف وتحديدا السعودية بانزعاج الإصلاح من هذا الأمر، ودفعها لتقوم بدورها في تسوية الأوضاع في محافظة شبوة".
وقال الطويل؛ إن القضية اليمنية شديدة التعقيد، مؤكدا أنه أعقب بيان حزب الإصلاح، لقاءات عقدها مع مسؤولين سعوديين ومجلس القيادة الرئاسي.
ولفت إلى أن موضوع شبوة، مازال في طي المعالجة، وتم تشكيل لجنة عليا لتطبيع الأوضاع في المحافظة، وهذه اللجنة من مهامها أيضا "إعادة القوات الحكومية إلى مقارها وترتيب الوضع في مدينة عتق، مركز المحافظة الإداري.
ووفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، فإن انسحاب الإصلاح والقوى الوطنية في هذه المرحلة المهمة من الدفاع عن المكتسبات الوطنية غير مقبول.
وجدد تأكيد أن بيان الإصلاح عقب أحداث شبوة، كان بمنزلة انزعاج، ويبدو أن التحالف تلقفه، وأن الأمور جارية للمعالجة.
انسداد حقيقي
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، ياسين التميمي؛ إن هناك انسدادا سياسيا حقيقيا عنوانه الجمود الكامل لمجلس القيادة الرئاسي، الذي كان التجمع اليمني للإصلاح قد خاطبه في واحد من أكثر بيانات الحزب جرأة بإقالة محافظ شبوة وجبر الضرر، مثلما طالب الأحزاب بإدانة الاعتداء على مقره في مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة ونهبه من جانب العصابات المسلحة، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من التحالف السعودي الإماراتي.
وأوضح التميمي لـ"عربي21" بالقول: "هذا الانسداد يدخل البلاد والسلطة الشرعية في طور جديد، يتآزر مع تعمد المجلس الانتقالي، تحت غطاء التحالف، تفجير حرب ضد طواحين هواء القاعدة وداعش، ضمن مخط لإغلاق المحافظات الجنوبية على النفوذ الكامل للمشروع الانفصالي وأدواته".
وتابع: "غير أن ذلك، في اعتقادي، لم يغير أولويات حزب الإصلاح بقدر ما جعله يعيد ترتيب هذه الأولويات".
وحسب النشاط المعلن لقيادات الحزب، أشار التميمي إلى أن موقفه في تصاعد على خلفية أحداث شبوة، التي اعتبر أنها استهدفت المشروع الوطني وأثرت بشكل كبير على مسار المعركة التي تستهدف دحر الانقلابيين الحوثيين المدعومين من إيران.
وأكد أنه من الواضح أن حزب الإصلاح منخرط بشكل كبير في مواجهة التداعيات الناجمة عن انفراط عقد مجلس القيادة الرئاسي، الذي أصبح محور النقاشات المتواصلة التي يجريها قادة الحزب مع ممثلي المجتمع الدولي.
واستطرد قائلا: "وخلالها تتبدى أولوية الإصلاح في ضرورة استعادة مجلس القيادة الرئاسي لدوره في قيادة المعركة ضد الحوثي وإدارة ملف الاقتصاد، والحفاظ على الشراكة والتوافق في القرارات والإجراءات التي يقدم عليها، بالإضافة إلى ضرورة معالجة آثار أحداث شبوة".
واستبعد التميمي أن يصبح الإصلاح الطرف السياسي الذي تدور حوله وحول مواقفه الأزمة السياسية الراهنة والصراع الخشن المصاحب لها داخل معسكر الشرعية، على ضوء الشلل الذي أصاب مجلس القيادة الرئاسي، ومحاولة الانتقالي مدعوما من التحالف خوض معركة مفتوحة بأولويات غير وطنية، ولا تترتب عليها إنجازات تصب في صالح تقوية مركز الدولة اليمنية.
وحسب المتحدث ذاته، فهو الأمر الذي ستتأجل معه استحقاقات البيان الصادر عن الإصلاح حول أحداث شبوة.
وأظهرت الأحداث الدامية التي شهدتها شبوة، وما أعقبها من سيطرة المليشيات المدعومة من الإمارات، على مركزها الإداري وقطاعات نفطية فيها، تراجعا ملحوظا في دور رئيس مجلس القيادة الرئاسي العليمي وبروز عضو المجلس الزبيدي، كفاعل أول في إدارة المشهد السياسي والعسكري في اليمن، ما أثار أسئلة عدة حول هذا الأمر.