قوات المجلس الانتقالي الجنوبي خلال انتشارها في أبين (رويترز)
عقب أيام وجيزة من عملية "سهام الشرق" التي أطلقتها قواته ضد من وصفتهم بـ"العناصر الإرهابية" فرض المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا سيطرته الكاملة على محافظة أبين جنوبي اليمن بعد أن استعصت عليه قبل 3 أعوام.
وكانت المحافظة قد شهدت نزاعا ومعارك بين قوات الانتقالي والقوات الحكومية منذ أغسطس/آب 2019 حين تفجر القتال بين الطرفين للسيطرة على مدينة عدن العاصمة المؤقتة والمحافظات الجنوبية، وحينها تدخل الطيران الإماراتي وأجبر القوات الحكومية على الانسحاب إلى أبين شرق عدن، لتتمركز هناك وتبدأ سلسلة من المعارك على طول خطوط الاشتباك، قبل أن تهدأ الوتيرة مع توقيع "اتفاق الرياض" في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
ونص الاتفاق على وقف القتال وعودة جميع القوات إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها، وأن تحل مكانها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية خلال 15 يوما من تاريخ التوقيع، لكن أيا من ذلك لم يحدث، ولم يحرز أي طرف تقدما.
ما الذي تغير؟
أذكت سيطرة المجلس الانتقالي على محافظة شبوة شمال أبين مطلع أغسطس/آب الجاري أطماعه للسيطرة على المحافظات الجنوبية، في مسعى منه للسيطرة على جنوب البلاد وتحقيق مشروعه المتمثل في انفصال جنوب اليمن عن شماله.
ودون مقدمات، وجه رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي -وهو أيضا عضو في مجلس القيادة الرئاسي الذي تسلم حكم المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في أبريل/نيسان الماضي- ببدء العملية، في مخالفة لتوجيهات رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي.
وقال مصدر في المجلس للجزيرة نت -فضل عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث للإعلام- إن الزبيدي أراد من خلال إصراره على العملية العسكرية أن يبدو الرجل القوي في السلطة، مستغلا مغادرة العليمي اليمن واستمرار غياب بقية أعضاء المجلس.
وأضاف أن مجلس القيادة كان يعترض على العملية، غير أنه نفى أن يكون هذا إيذانا بتصدع المجلس الرئاسي، مشيرا إلى أن رئيس المجلس كان يرى أن تستبق العملية إعادة تموضع الوحدات العسكرية وفقا لاتفاق الرياض، ورفع خطة عسكرية وأمنية للتصديق عليها.
لكن الباحث اليمني عادل دشيلة قال إن العملية أظهرت أن المجلس الرئاسي ليس منسجما، ولا يوجد أي تناغم أو تقارب يجمع بين القوى التي تديره.
ويضيف دشيلة للجزيرة نت أن "الخطوات التي قام بها الانتقالي من جانب واحد والادعاء بأنه ينفذ اتفاق الرياض ليسا صحيحين، لو لم يكن هناك غض الطرف من قبل التحالف لما تجرأ الانتقالي على التمرد على مؤسسات الدولة في شبوة والسيطرة على محافظة أبين مؤخرا".
خريطة السيطرة على أبين
دفع المجلس بقوات كبيرة للسيطرة على كامل محافظة أبين، إذ كانت القوات التابعة للحكومة تسيطر على مديريات شقرة ولودر والمحفد ومودية والوضيع، وتمثل الجزء الأكبر من المحافظة.
وقال زياد إبراهيم -وهو أحد النشطاء المعارضين للمجلس الانتقالي الجنوبي- إن القوات الحكومية رأت أن دخولها في مواجهة مع قوات الانتقالي مواجهة صفرية كون الأخيرة مدعومة بآليات مدرعة ثقيلة، إلى جانب الطائرات الإماراتية المسيرة.
ويضيف للجزيرة نت أن سيطرة الانتقالي على شبوة بدعم إماراتي خلال الأسابيع الماضية غيّرت موازين القوة على الأرض في جنوب اليمن، إذ لم يعد هناك أي دعم عسكري أو لوجستي للقوات الحكومية.
وبحسب إبراهيم، فإن سيطرة الانتقالي على جميع المحافظة جرت دون معارك، وما حدث هو أن القادة العسكريين فيها المعارضين للانتقالي حاولوا التفاوض لمنع اندلاع مواجهات.
انتهاء اتفاق الرياض
قدمت السعودية نفسها ضامنا لتنفيذ اتفاق الرياض، غير أن التطورات الأخيرة وضعت المسمار الأخير في نعش الاتفاق الذي تحقق منه فقط تشكيل حكومة يضمن الانتقالي وجوده فيها.
وقال رئيس لجنة الوساطة القبلية -التي سعت خلال السنوات الماضية لإنهاء التوتر بين الطرفين- فيصل عيدي إن مهمة اللجنة انتهت مع انتهاء اتفاق الرياض الذي وُقّع حينها بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
وأوضح عيدي للجزيرة نت إن ما جرى هو تفاهمات بين قوات المجلس الانتقالي والقوات الحكومية، من ضمنها أن تتمركز قوات الانتقالي في جميع المحافظة بهدوء ودون قتال، على اعتبار أن كل الأطراف يمنيون يعملون وفق هدف واحد هو حماية الأمن، مضيفا "لم تطلق رصاصة واحدة، ما حدث في شبوة من معارك كان تجربة لنا، والناس تعقلوا".
ووفق عيدي، فإن من ضمن التفاهمات الاتفاق على دخول قوات الأمن الموالية للحكومة إلى مدينة زنجبار مركز المحافظة، واستمرار العميد أبو مشعل الكازمي في مهامه مديرا لمديرية الأمن التي سيديرها من زنجبار.
وكان الكازمي قد قاد المواجهات ضد قوات المجلس الانتقالي، وخلال السنوات الماضية تمركزت قواته في مديرية شقرة شرقي أبين.
وقال عيدي إن العملية العسكرية للمجلس الانتقالي كانت بتوجيه من المجلس الرئاسي في عدن، وهذا ما يعد معارضا لاتفاق الرياض الذي نص على انسحاب من المحافظة، غير أن قوات المجلس فرضت سيطرتها على كامل المحافظة.
السيطرة على الجنوب
واليوم السبت، وصل رتل من قوات الأمن يقوده العميد الكازمي إلى مدينة زنجبار، وسط احتفاء شعبي، لكن تلك الخطوة لن تثني المجلس الانتقالي عن السيطرة على جنوب البلاد.
ويقول الباحث دشيلة إن أجندة الانتقالي واضحة في فرض أمر واقع والسيطرة على المناطق الجنوبية والشرقية، والحديث عن إعادة دمج القوات مسرحية لا يمكن أن تطبق، واستخدام القوة بهذا الشكل دليل على أن تلك القوى غير قادرة على توحيد صفوفها.
ويضيف أن "القوى التي تسيطر على مناطق وسط وشرق البلاد لن تسمح بسيطرة الانتقالي على بقية المحافظات، مما يعني أن القوى المفترض أن تواجه الحوثيين ستتصارع في ما بينها، وبالتالي الرابح الأكبر هم الحوثيون".
ووفق الباحث، فإن مستقبل المجلس الرئاسي سيكون هشا وغير قادر على احتواء المشهد بسبب أجندة القوى الإقليمية والمحلية المنخرطة في الصراع بشكل مباشر، وفي حال لم يتم احتواء الموقف من القوى الوطنية فإن الأحداث ستذهب إلى تمزق اليمن وانهيار ما تبقى من رمزية الدولة.