طرح نجاح إسرائيل في إخراج نحو 19 يهوديّاً من اليمن في عمليّة سريّة ليست الأولى، تساؤلات عدّة، حول الهجرات المتتالية لأقدم المجموعات اليهوديّة في المنطقة العربيّة من وطنها الأصليّ اليمن إلى موطنها البديل إسرائيل.
ارتبط وجود اليهود اليمنيّين، بتقلّبات مشهد الصراع السياسيّ في البلاد، منذ فترة ليست بالقصيرة، غير أنّ الهجرات التي دأبت عليها الأقلّية اليهوديّة، وتحديداً التي جرت في آذار/مارس الماضي نحو إسرائيل، أثارت حالة من الاستياء في الأوساط الشعبيّة والسياسيّة.
وارتفعت الأصوات المناهضة لاستجابة جماعة الحوثيّين التي تسيطر على العاصمة صنعاء، إلى مطالب الوكالة اليهوديّة بتسهيل ترحيل 19 يهوديّاً، وهو ما اعتبرته بـ"التواطؤ المعلن" مع فكرة توطين اليهود في فلسطين.
وعلى الرغم من نجاح الهجرات المتتالية لليهود نحو إسرائيل، إلّا أنّ خلفيّاتها السياسيّة المرتبطة بصفقات، بات بعضها شهير، والبعض الآخر يكتنفه الغموض والسريّة.
وبهذا الخصوص، لم يستبعد الباحث السياسيّ اليمنيّ نبيل البكيري أن تكون عمليّة تهجير يهود اليمن، مرتبطة بصفقات سياسيّة، جرت في الخفاء، مع الحكومات المتعاقبة في البلاد.
وأضاف في تصريح خاصّ إلى موقع "المونيتور" أنّ هجرة الأقلّية اليهوديّة إلى إسرائيل، خلقت نوعاً من التقارب بين سلطات آل حميد الدين الملكيّة، وسلطات الكيان الصهيونيّ، لاسيّما عقب موافقة الأولى على تهجير ما لا يقلّ عن 50 ألف يهوديّ إلى الثانية بين عامي 1949 و1950.
في المقابل، احتفظت إسرائيل بثمن هذه الصفقة، ليقوم طيرانها بمساندة قوّات الملكيّين التابعة للإمام البدر بن حميد الدين، خلال حربه مع القوّات الجمهوريّة المدعومة من قوّات الجيش المصريّ، خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وفقاً للبكيري.
وأشار الباحث البكيري إلى أنّ دوران ملفّ اليهود اليمنيّين في مربّعات الصراعات الإقليميّة، هو دلالة على مدى أهميّة هذا الملفّ، ذلك أنّ تسهيل هجرة اليهود الأخيرة إلى إسرائيل، من قبل الحوثيّين الذين يقودون تمرّداً ضدّ الحكومة اليمنيّة المعترف بها دوليّاً منذ عام ونيّف، جاء لبناء علاقة ارتباط مع المجتمع الدوليّ، لإنقاذهم من الحملة العسكريّة التي تشنّها دول التحالف العربيّ بقيادة السعوديّة، لدعم سلطات الرئيس عبدربه منصور هادي.
وقال لموقعنا إنّه على الرغم من الارتباك الحاصل في الموقف الإقليميّ تجاه الأقلّية الشيعيّة -الحوثيّين-، إلّا أنّ مؤشّرات الدعم الأميركيّ والإسرائيليّ لهم واضح، ولذلك نسج الحوثيّون خيوط التواصل عبر إنجاح عمليّة "بساط الريح 2" في تهجير 19 يهوديّاً.
وبدأت موجات الهجرة اليهوديّة نحو إسرائيل، على محطّات عدّة، كانت الأولى في عام 1882، عندما وصل نحو 150 مهاجراً في رحلة وصفت بـ"الشاقّة" إلى مدينة القدس، كما تؤكّدها العديد من المصادر التاريخيّة، أعقبتها بخمسة وعشرين عاماً، موجة جديدة، من الهجرة الجماعيّة لليهود اليمنيّين، من مواطنهم في شمال اليمن نحو إسرائيل، وتحديداً بين عامي 1907 و1909.
وتعدّ عمليّة "بساط الريح" في عام 1948 أشهر عمليّة جماعيّة للهجرة اليهوديّة استمرّت لعامين، واستهدفت آلاف اليهود من مختلف المناطق اليمنيّة، خلال فترة حكم الإمام أحمد بن حميد الدين، والذي يقال إنّه قبل بتهجير اليهود من بلاده مقابل مبلغ ماليّ يدفع عن كلّ يهوديّ مهاجر إلى إسرائيل، فضلاً عن شراء أملاكهم لدولة الأئمّة في حينها.
وبلغ إجماليّ من تمّ نقلهم إلى تلّ أبيب في عمليّة "بساط الريح" أو "البساط السحريّ" الشهيرة، نحو 52 ألف يهوديّ.
وأعيد مسلسل التهجير لليهود اليمنيّين إلى الواجهة، في تسعينيّات القرن الماضي، حيث جرى ترحيل نحو 800 يهوديّ إلى إسرائيل خلال الفترة الواقعة بين عامي 1992 و1995 إبّان حكم الرئيس اليمنيّ السابق علي عبدالله صالح.
وفي السنوات الأخيرة، غادر نحو 200 يهوديّ يمنيّ مع تزايد الهجمات على اليهود بعد اندلاع الحرب بين القوّات الحكوميّة والمتمرّدين الحوثيّين في صعدة شمال اليمن، وفقاً للوكالة اليهوديّة.
وترافق، مع ظهور جماعة الحوثيّين الشيعة المدعومين من إيران في شمال البلاد، انتشار حملة الكراهية تجاه الأقلّية اليهوديّة، أعقبه قيامها في عام 2007 بترحيل يهود آل سالم من محافظة صعدة إلى العاصمة اليمنيّة صنعاء، بعدما وزّعت منشورات في قريتهم تمهلهم أيّاماً فقط، للمغادرة قبل أن يتعرّضوا إلى القتل.
وتزايد قلق الطائفة اليهوديّة من ارتخاء المنظومة الأمنيّة في اليمن، والتي ألقت بظلالها عليهم، عندما قتل في عام 2008 معلّم يهوديّ يدعى موشيه يايش نهاري، في بلدة ريدة، وهو شقيق حاخام الطائفة اليهوديّة في اليمن العيلوم يحي بن يعيش. كما أقدم أحد الأشخاص في عام 2013 على قتل يهوديّ آخر يدعى هارون زنداني.
وفي هذا السياق، يرى الصحافيّ المتخصّص في شؤون الطائفة اليهوديّة في اليمن فؤاد العلوي أنّ وضع اليهود في اليمن لم يكن جيّداً، فقد عاشوا تهميشاً كبيراً على كلّ المستويات، زادت من حدّته حالة التحريض غير العاديّة ضدّهم من قبل المتمرّدين الحوثيّين الذين رفعوا شعارات معادية لليهود كيهود.
وأضاف العلوي في تصريح خاصّ إلى موقع "المونيتور" أنّ الجميع يعرف شعار "اللعنة على اليهود" الذي يردّده الحوثيّون في كلّ فعاليّاتهم وينقشونه في كلّ المناطق التي ينتشرون فيها، وهذا ما خلق انطباعاً بالغربة داخل الوطن لدى الأخوة اليهود الذين يعتبرون أصول اليمنيّين.
وأوضح الصحافيّ اليمنيّ أنّ اليهود اليمنيّين لم يحظوا بأيّ اهتمام رسميّ على مدى أكثر من نصف قرن، وظلّ اليهود في معزل عن الحكومات المتعاقبة، والدور الوحيد الذي قامت به الدولة هو توفير مسكن لليهود المهجّرين من صعدة، المعقل الرئيسيّ للحوثيّين، الأمر الذي سهّل وصول العون من بعض الجمعيّات الخيريّة في البلاد.
ولفت إلى أنّهم "عانوا من التهميش في التعليم، ومن حصولهم على حقّهم في الوظيفة الحكوميّة مثل غيرهم من اليمنيّين، إضافة إلى أنّ معاناتهم تزايدت أخيراً، عندما وجدوا أنفسهم أمام جماعة تبيح قتلهم ولا ترى لهم أيّ أحقّية في الوجود في بلدهم".
لذا، وجد يهود اليمن أنّ رحيلهم من البلاد هو الحلّ الوحيد للعيش والتعليم والحصول على حقوق المواطنة التي فقدوها في وطنهم، وفقاً للعلوي.
وبيّن الصحافيّ العلوي لموقعنا أنّ لقاء سابقاً جمعه بيهود يمنيّين، أكّدوا له أنّهم "غير راضين عن العيش في إسرائيل، لشعورهم بالغربة، وصعوبة المحافظة على تديّنهم في ظلّ حالة الانفتاح الحاصلة هناك في إسرائيل"، مشيراً إلى أنّ اليهود يرون أنّ اليمن هو أنسب لهم للمحافظة على تديّنهم وعلى تقاليدهم التي تربّوا عليها، فهم بطبعهم محافظون ومتديّنون ويريدون أن يبقوا في موطنهم الأصليّ اليمن.
وتبرز العديد من الدوافع لهجرة يهود اليمن إلى إسرائيل، في مقدّمتها الدين، من خلال الرغبة الجارفة لليهود في رؤية فلسطين، أرض الميعاد، والموت فيها باعتبارها أرضاً مقدّسة، إضافة إلى اعتقادهم بقرب ظهور المسيح المخلّص، وهو ما دفعهم نحوها، ليكونوا فيها وقت تحقيق الخلاص.
أمّا الدافع الثاني فهو اقتصاديّ، هرباً من الجفاف الذي كان يجتاح الأراضي اليمنيّة، ولذلك اندفعوا نحو الهجرة، بحثاً عن مصدر معيشيّ جيّد هناك في إسرائيل، التي كان هدفها إحداث عمليّة إحلال للعمالة فيها، من خلال ضرب العمالة الفلسطينيّة، بتهجير يهود اليمن، الذي عمل معظمهم في مجالي الحرف والزراعة.
ومع التناقص المهول لأعداد اليهود اليمنيّين، نتيجة هجرة الالآف منهم إلى إسرائيل، يبدو أنّ اليمن سيكون خالياً تماماً من هذه الأقلّية، التي لم يبق منها سوى العشرات، كما حدث في معظم الدولة العربيّة، الأمر الذي يطوي حقبة مهمّة عاشتها البلاد في ظلّ تنوّع دينيّ كان اليهود أحد أركانه.