[ جمال مبارك في أول بيان له منذ أجبرت ثورة يناير/كانون الثاني 2011 أباه على ترك السلطة (مواقع التواصل) ]
جدل كبير حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعدما أعلنت أسرة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك "انتهاء" المعركة القانونية الدولية التي استمرت عقدًا من الزمن، وذلك في أعقاب حكم أخير صادر عن المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي.
وأضافت الأسرة -في بيان لها- أمس الثلاثاء أن المحكمة أقرت بأن "التدابير التقييدية التي فرضها مجلس الاتحاد الأوروبي على الأسرة كانت غير قانونية منذ البداية".
وفي أول خطاب له منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ألقى جمال -نجل الرئيس الراحل حسني مبارك- بيانا مصورا للتعليق على ما سمّته الأسرة "الاختتام الناجح لجميع الإجراءات القضائية الدولية الخاصة بالأسرة".
والبيان هو الظهور الأول لجمال مبارك رسميا، حيث لم يسمعه المصريون منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، واقتصرت صوره على جلسات المحاكمات، ولاحقا على الأنشطة الاجتماعية والأسرية، واكتفت الأسرة بتعليقات من الابن الأكبر علاء مبارك عبر تغريدات على موقع تويتر.
وحظي البيان باهتمام واسع من قبل الشارع المصري وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ليس بسبب ما جاء في البيان بقدر كونه الظهور الأول لجمال مبارك منذ تنحي أبيه عن السلطة تحت ضغط ثورة يناير/كانون الثاني 2011، فضلا عن كونه يأتي بعد زيارته وشقيقه الأكبر علاء إلى أبو ظبي لتقديم واجب العزاء في رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
ووصف جمال مبارك الاتهامات بالفساد التي وُجّهت ضده ووالده وشقيقه علاء بأنها "ادعاءات كاذبة استمرت منذ ما يقرب من 10 سنوات"، مضيفا "لقد قررت أسرتي أننا ببساطة لن نستطيع أن نبقى صامتين بعد الآن في مواجهة مثل هذه التقارير التشهيرية.
ورأى أن "الحملة الشرسة من الادعاءات الكاذبة بالفساد ضد الرئيس مبارك وأسرته، التي استغلتها قوى المعارضة للرئيس آنذاك لتأجيج المشاعر الشعبية، قد أسهمت في تأجيج الأحداث والتأثير على مجرياتها عام 2011″، حسب وصفه.
وتابع "لقد حان الوقت لوضع الأمور في نصابها الصحيح، اليوم وبعد 10 سنوات من التحقيقات المستفيضة، فقد ثبت أن جميع الادعاءات الموجهة ضدنا كانت كاذبة تماما. فلا يوجد دليل واحد على أن والدي الراحل أو والدتي قد تملّكا أصولًا خارجية من أي نوع، ولم تثبت صحة الادعاءات بأن أفرادًا آخرين من الأسرة أخفوا أصولا في الخارج"، وفق البيان.
وكانت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي قررت الشهر الماضي إلغاء قرارات تجميد أموال مبارك وأسرته التي اتخذها مجلس الاتحاد سابقا، والصادر عام 2011 والذي ظل يجدد حتى العام الماضي بشأن التدابير التقييدية الموجهة ضد بعض الأشخاص والكيانات والهيئات في ضوء الوضع في مصر.
وتضمن القرار إلغاء التدابير التقييدية بحق سوزان ثابت زوجة الرئيس الراحل، وعلاء وجمال مبارك، وزوجتيهما هايدي راسخ وخديجة الجمال، مما يعني رفع التجميد عن أموالهم.
كما قضت المحكمة بأن يتحمل مجلس الاتحاد الأوروبي تكاليف التقاضي التي تكبدتها أسرة مبارك. ولم تكشف المحكمة عن حجم الأموال التي سيتم رفع التجميد عنها، التي ستكون متاحة بعد انقضاء فترة طعن المجلس في قرار المحكمة، التي تبلغ 70 يوما.
وأكد جمال مبارك أن الأسرة حصلت على مبلغ كبير من مجلس الاتحاد الأوروبي لاسترداد المصروفات القانونية، وفقا لحكم من محكمة العدل الأوروبية، مشيرا إلى أن الأسرة ستسترد المزيد من تلك المصروفات وفقًا لقرار المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، كما أكد أن الأسرة ستطالب مجلس الاتحاد الأوروبي بالتعويض "بسبب سلوكه تجاهي وتجاه أسرتي"، على حد قوله.
وفي الشهر الماضي، أعلن الادعاء السويسري الإفراج عن بقية أموال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك وعدد من المحيطين به، كانت مجمدة في بنوكها ضمن تحقيق استمر نحو 11 عاما، وتعلّق بغسل الأموال والجريمة المنظمة المرتبطة بنظام مبارك.
وقال المدعون السويسريون إنهم سيفرجون عن 400 مليون فرنك (429 مليون دولار) كانت مجمدة في بنوك البلاد، بعدما أخفق الادعاء في توجيه اتهامات إلى أي شخص، لعدم كفاية المعلومات. وقبل هذا القرار، أُفرِج بالفعل عن أكثر من 210 ملايين فرنك سويسري (224 مليون دولار) في مرحلة مبكرة من القضية.
وفي فبراير/شباط الماضي، نشرت صحف أجنبية تسريبات تشير إلى وجود عشرات الحسابات السرية لمسؤولين من دول عدة في مصرف (كريدي سويس) السويسري، بينهم علاء وجمال مبارك.
وأكدت صحيفة "لوماتان ديمانش" السويسرية أن نحو 300 مليون دولار (227 مليون يورو) من الأموال المصرية المجمدة في سويسرا مودعة في حسابات بمصرف كريدي سويس في جنيف، وتعود هذه الأموال -حسب الصحيفة- إلى نجلي مبارك علاء وجمال، ويشكل هذا المبلغ 40% من 700 مليون فرنك سويسري من الأموال التي جمدتها سويسرا في مصارفها.
وردّ ممثلون قانونيون لجمال وعلاء مبارك في بيان، قالوا فيه إنهما كشفا سابقا عن جميع حساباتهما البنكية.
الأحكام التي حصلت عليها أسرة مبارك -سواء بإلغاء تجميد أموالها أو عدم صحة الإجراءات والعقوبات التي اتخذت بحقها- يعيد السؤال من جديد: من أين اكتسبت الأسرة تلك المبالغ الطائلة وإن كانت بمئات الملايين من الدولارات وليست مليارات الدولارات؟ وهل يغير ذلك حقيقة ما تردد بوجود فساد خلال حكم مبارك الذي استمر نحو 30 عاما؟
عقد من الأحكام والبراءات
وهذا ليس أول حكم أوروبي لصالح أسرة مبارك بشأن أموالها المجمدة، إذ صدرت قرارات مماثلة السنوات الأخيرة؛ ففي مارس/آذار من العام الماضي صدر قرار إلغاء العقوبات التي فُرضت عام 2011 على 9 مصريين، من بينهم عائلة مبارك، على خلفية شبهات بشأن سرقة أموال الدولة.
وبعد شهر من إطاحة ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بنظام مبارك (1981-2011) قررت محكمة العدل الأوروبية تجميد أمواله وأفراد من أسرته بأوروبا، باعتبار أنها قد تؤول للحكومة في ظل قضايا داخل البلاد تتهمهم بفساد مالي.
ولا يوجد تقدير دقيق لحجم أموال عائلة مبارك ولا أماكن وجودها، ولم تعلن الأسرة أي بيانات بهذا الصدد.
وفي التاسع من يناير/كانون الثاني قضت محكمة النقض المصرية (أعلى محكمة مدنية) رفض الطعن الثاني المقدم من مبارك ونجليه على الحكم الصادر ضدهم بالسجن 3 سنوات في قضية الفساد المعروفة إعلاميا "بالقصور الرئاسية".
وتضمن الحكم تغريم الثلاثة متضامنين أكثر من 125 مليون جنيه (نحو 15.96 مليون دولار وقتها) وإلزامهم متضامنين أيضا برد أكثر من 21 مليون جنيه إلى الخزانة العامة للدولة.
أول زيارة خارجية لنجلي مبارك
يأتي البيان المصور بعد زيارة قام بها جمال وعلاء مبارك إلى دولة الإمارات، في أول زيارة خارجية لهما منذ 2011، واستقبالهما من قبل رئيس دولة الإمارات الجديد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لتقديم واجب العزاء في وفاة الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات.
وبشأن الخلفيات القانونية لسفرهما للمرة الأولى خارج مصر بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وخروجهما من السجن عام 2015، ذكرت صحيفة "الشروق" المحلية أن القضايا التي يُتهمان فيها ظلت عالقة بعد خروجهما من السجن ووضعتهما على قوائم الممنوعين من السفر بقرارات قضائية.
وخرج نجلا مبارك من السجن في أكتوبر/تشرين الأول 2015 بعد قضاء عقوبة 3 سنوات في قضية الاستيلاء على أموال القصور الرئاسية، والتي امتدت 6 أشهر إضافية لعقوبة الإكراه البدني لعدم سدادهما مبلغ الغرامة والرد المحكوم بها في القضية ذاتها.
وانتهت قضية التلاعب بالبورصة بالحكم ببراءتهما في فبراير/شباط 2020، لكن تبقت لهما قضية واحدة هي غسيل الأموال، التي صدر قرار من النائب العام بموجبها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بمنعهما وأسرتيهما مؤقتا من التصرف في أموالهم الشخصية أو العقارية واستمرار منعهما من السفر.
لكن في يوليو/تموز 2021 ألغي القرار، ليتحرر معه نجلا مبارك من أي اتهامات أو قرارات من شأنها تقييد الحرية والسفر والتصرف في الأموال لأول مرة منذ القبض عليهما في 2011.
تساؤلات وتكهنات
تفاعل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مع الظهور اللافت والأول من نوعه لجمال مبارك، في أشبه ما يكون بالخطاب الرسمي، وأشار إليه البعض بكلمة "الرئيس القادم"، حيث ألقى بيان الأسرة باللغة الإنجليزية.
وأثار ظهور جمال -شبه الرسمي- العديد من التكهنات بشأن توقيت الظهور والهدف منه: هل هو رسالة للخارج؟ أو تبييض صفحة الأسرة بالداخل؟ وتساءل البعض عما إذا كانت السلطات المصرية ستمرر حدث ظهور جمال بهذا الشكل مرور الكرام أم تتخذ منه موقفا؟
واستبعد آخرون أن يكون لجمال أو علاء مبارك دور سياسي في مصر حاليا أو مستقبلا؛ بسبب إدانتهما في قضية فساد، وهي "فساد القصور الرئاسية" بحكم نهائي وأيدته محكمة النقض وقضوا فيه جميعا عقوبة السجن 3 سنوات، وأن زيارتهما إلى الإمارات لا تعدو أكثر من أداء واجب العزاء في صديق والدهم الراحل.
في المقابل، قال آخرون إن جمال يحق له الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد مرور 5 سنوات على خروجه من السجن وحرمانه من مباشرة حقوقه السياسية.
الملفت أن النقد الأشد لجمال مبارك جاء عبر إعلاميين وصفحات معروفة بتأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث شارك بعضهم وسما مسيئا لجمال مبارك، وتصدر الوسم قائمة الأعلى تداولا في تويتر، في حين دشن آخرون وسما بعنوان "جمال مبارك رئيسا لمصر".