[ الأمم المتحدة تحذر من تضاعف معاناة اليمنيين ]
1.3 مليار دولار فقط هو ما تعهد بتقديمه المانحون للأمم المتحدة، في المؤتمر المخصص لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن الذي يشهد حربًا مستمرة أسفرت عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية.
وكانت المنظمة قد دعت لتقديم 4.3 مليارات دولار لمساعدة 17 مليون يمني، واستبقت المؤتمر الذي استضافته السويد وسويسرا، الأربعاء، بتحشيد واسع. وأجرت المبعوثة الخاصة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أنجلينا جولي، جولة في هذا البلد لمعاينة الكارثة الإنسانية عن قرب.
وعقب نهاية مؤتمر المانحين، لم يجد مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توصيفا لقلة المنح المعلنة، وقال "نشعر بخيبة، كنا نأمل بالمزيد".
وعزا المسؤول الأممي تلك الخيبة إلى "إننا لم نحصل على تعهدات من بعض الذين اعتقدنا أننا قد نسمع منهم".
أزمة منسية
وبالنظر إلى حجم المنح المعلنة، يبدو أن الأزمة اليمنية الإنسانية في طريقها للنسيان مع اهتمام العالم بالحرب الروسية الأوكرانية.
وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 584 مليون دولار، الاتحاد الأوروبي 173 مليونا، ألمانيا 123 مليونا، بريطانيا 117 مليونا، كندا 48 مليونا، تليها بقية الدول.
وكان اللافت غياب التعهدات المعلنة من السعودية والإمارات اللتين تُعدّان طرفين رئيسيين في الحرب الدائرة باليمن.
واكتفى مشرف مركز الملك سلمان للإغاثة، عبدالله الربيعة، بالتذكير خلال المؤتمر أن السعودية قدمت خلال السنوات الماضية ما يربو على 19.39 مليار دولار مساعدات إنسانية وإغاثية وتنموية واقتصادية لليمن.
لكن حميد إبراهيم، وهو مسؤول محلي ويعمل منسقا لبرنامج الغذاء العالمي، في قرى ريفية بمحافظة ذمار، وسط اليمن، قال "العالم بدأ ينسانا، ولا أدري كيف سيواجه الناس محنة انقطاع المساعدات، أُسر كثيرة تعيش على السلال الغذائية".
وحسب تصريح ابراهيم للجزيرة نت "وصل سعر كيس الطحين (50 كيلوغراما) إلى 25 ألف ريال (41 دولارا) ومع الحرب في أوكرانيا ارتفع أكثر، وبات توفير الخبز عبئا كبيرا حتى على الأسر متوسطة الحال".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال إن الحرب في أوكرانيا ستُفاقم معاناة اليمنيين جرّاء الارتفاع الصاروخي في أسعار الغذاء والوقود.
وقالت ريم ندا، المتحدثة الإقليمية باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن البرنامج يتكبّد في اليمن 10 ملايين دولار شهريا بسبب زيادة أسعار الغذاء والوقود، بينما ستضاعف الحرب بأوكرانيا من الأزمة اليمنية.
جوع غير مسبوق
وأوضحت ندا أن الوكالات الإنسانية عوّلت كثيرا على أن تمويل المانحين سينقذ اليمن من الوقوع في براثن أزمة جوع قد تكون غير مسبوقة.
وذكرت للجزيرة نت أن هناك 17.4 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة 1.2 مليون عن العام الماضي.
كما أن 31 ألف يمني باتوا في التصنيف الخامس للجوع، وهي مرحلة كارثية تقترب من المجاعة. وحتى منتصف العام الجاري، سيكون العدد قد ارتفع إلى 161 ألف شخص، حسب المسؤولة الأممية.
وقالت ندا إن برنامج الغذاء العالمي لديه 11% فقط من حجم التمويل الذي يحتاجه، إذ يتكفل بتقديم الغذاء لـ 13 مليون شخص.
لكن بسبب نقص التمويل، خفّض البرنامج سلة الغذاء إلى النصف لـ 8 ملايين شخص، وقالت ندا "نحن الآن في موقف صعب، نقص التمويل يعني مزيدا من التقليص، سنأخذ من الجوعى للذين يتضورون جوعا، لذا فالجوعى سيتضورون جوعا من جديد".
وصول معدوم للمساعدات
ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي، فإن نقص التمويل الأخير أجبر وكالات الإغاثة على تقليص عملياتها. ومنذ بداية 2022 تم تقليص أو إغلاق ثلثي برامج مساعدات الأمم المتحدة الرئيسية.
وقال أيضا -في بيان اطّلعت عليه الجزيرة نت- إن هذا يؤثر على ملايين الأشخاص الذين يضطرون الآن للبقاء على قيد الحياة، مع وصول أقل أو معدوم للمساعدات التي يحتاجون إليها.
لكن المخاوف تتّسع في حال تقلص الدعم للقطاع الصحي. ومن جانبها طالبت منظمة الصحة العالمية في اليمن المانحين بملء الثغرات، والحفاظ على الاستجابة للأزمة، وتعزيز النظام الصحي وإنقاذ الأرواح.
ويتهدد تقليص الدعم بفقدان مليون امرأة وفتاة إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية. ويقول عبدالعزيز سالم، وهو طبيب في مستشفى حكومي بالعاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إن القطاع الطبي الحكومي يسير بدعم المنظمات الدولية بعد أن تخلت سلطات الحوثيين عن دعمه.
ويضيف سالم للجزيرة نت "في حال توقفت الخدمات الطبية سنكون أمام كارثة صحية، الملايين من اليمنيين سيموتون بسبب أمراض يمكن الشفاء منها بسهولة".
خلل في تقديم الإغاثة
ويرجع منسق اللجنة العليا للإغاثة بالحكومة اليمنية، جمال بالفقيه، تراجع المنح المعلنة إلى أن الأزمة الإنسانية تتدهور أكثر ولم تتحسن رغم المنح المقدمة خلال المؤتمرات السابقة.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن، تعهّد المانحون بتقديم نحو 15 مليار دولار، غير أن دائرة المتضررين لا تزال تتسع.
وقال بالفقيه -للجزيرة نت- إن استمرار الحرب وتضاعف حجم النازحين وانهيار العملة وتدمير القطاع الصحي ضاعف من الأزمة، وجعل اليمن بحاجة إلى دعم متواصل.
ويعتقد أنه كان من الممكن تجاوز هذه الأزمة لو وُظفت الأموال على مدى السنوات السبع الماضية بشكل صحيح، ولو توفرت الشفافية في العمل الإنساني.
ويضيف المنسق الإغاثي أن المنظمات الأممية والدولية العاملة في اليمن لم تقم بعملها بشكل صحيح ولم تنسق مع الدولة، إضافة إلى أن جزءا كبيرا من أموال المانحين يذهب كنفقة تشغيلية للمنظمات.
ويقول "اقترحنا على الأمم المتحدة تغيير مسار العمل الإنساني، بتنفيذ مشاريع تنموية في قطاعي الزراعة والثروة السمكية بدلًا من توزيع السلال الغذائية، وأن تمر أموال المانحين عبر البنك المركزي اليمني لتتحسن العملة المحلية ونتجاوز الكارثة الاقتصادية".
وختم المسؤول اليمني "لو وظفت 10% من الأموال المعلنة لليمن بشكل صحيح لكان الوضع الإنساني أفضل".