ألقت الحرب المستعرة في اليمن منذ نحو سبع سنوات بظلالها على الوضع العام في البلاد، وكانت القطاعات الحيوية والخدمية في مرمى تأثيراتها الأشد خطورة، وفي مقدمتها قطاع التعليم.
وكان قطاع التعليم يضم أكثر من 4 ملايين طالب، وفق تقديرات غير رسمية، إضافة إلى النسبة الأكبر من موظفي الدولة، ما بين مدرّسين وعاملين في الإدارات التعليمية المركزية وعلى مستوى المحافظات.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016، قررت الحكومة الشرعية نقل البنك المركزي اليمني إلى العاصمة الموقتة عدن، قبل أن يعلن الحوثيون عجزهم عن صرف رواتب الموظفين ومنتسبي القطاع التعليمي، ما انعكس سلباً على العملية التربوية برمتها.
وخلال العامين 2018 و2019، أقدمت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) على صرف حوافز للمعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين، بدعم من السعودية والإمارات. غير أنها لم تكن كفيلة بحل المشكلة أو حتى جزء منها، خصوصاً أن عملية الصرف شابها تجاوزات واتهامات للمنظمة بالرضوخ لتأثير الحوثيين.
وتفاقمت الأمور إثر الانقسام في إدارة العملية التربوية، بين الحكومة الشرعية وسلطة الحوثيين، الذين يحكمون سيطرتهم على المحافظات الأكبر كثافة سكانية، ونزوح آلاف المدرسين وعشرات آلاف الطلاب من مناطقهم إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، لا سيما محافظة مأرب، التي تكتظ بالنازحين، ما ضاعف العبء هناك.
كما أن انصراف آلاف المدرسين إلى البحث عن مصادر للعيش، إثر انقطاع الراتب، ضرب التعليم. وضاعف المأساة لجوء أعداد كبيرة من الطلاب، الذين ينتمون إلى الأسر الفقيرة والأشد فقراً، إلى البحث عن مصادر للعيش، جراء تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي بسبب الحرب.
وتتهم منظمات محلية وأخرى دولية جماعة الحوثي باستقطاب طلاب المدارس إلى جبهات القتال، من خلال التجنيد، إذ امتلأت جدران بعض المدارس بصور الضحايا من الطلاب الذين تم تجنيدهم.
** انتهاكات مهولة
يقول المسؤول الإعلامي لنقابة المعلمين اليمنيين يحيى اليناعي إن الحرب حرمت ملايين الطلاب من التعليم، وأفقدت آلاف المدرسين حقوقهم الأساسية، وأهمها الحق في الحياة والسلامة والحرية الشخصية، إضافة إلى حرية التنقل والتعبير والحقوق المادية.
ويوضح اليناعي أن النقابة وثقت أكثر من 25 ألف انتهاك ضد المدرسين في اليمن منذ اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014 وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بينهم 81 إدارياً تربوياً و1499 مدرساً فقدوا حياتهم، و14 توفوا في أقبية السجون، إضافة إلى 2642 تعرضوا لإصابات، و621 تعرضوا للاعتقال و36 للإخفاء القسري على أيدي الحوثيين.
كما رصدت النقابة 20142 مدرساً وإدارياً تركوا منازلهم وأعمالهم في مناطق سيطرة الحوثيين، واتجهوا إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
ويرجع جزء من المسؤولية في ارتفاع أرقام الضحايا إلى صمت المجتمع الدولي، وإفلات الجناة من العقاب، الأمر الذي ضاعف انتهاكات الحوثيين بحق منتسبي قطاع التعليم.
** منظومة مشلولة ونتائج كارثية
ومنذ أكثر من أربع سنوات، انقطعت مرتبات 130 ألف مدرس في مناطق سيطرة الحوثيين، باستثناء نصف راتب يُصرف كل ستة أشهر من جانب سلطة الحوثيين، لكنها مؤخرا انقطعت هي الأخرى منذ نحو سنة.
ويرى اليناعي أن ذلك أدى إلى تصدعات كبيرة في بنية النظام التعليمي وطابعه الوطني والمدني، متهماً الحوثيين بعسكرته وتسييسه بما يخدم الحرب والتحشيد للقتال، معتبرا أن هذا الأمر "يهدد المنظومة التعليمية الوطنية بالشلل الكامل، كما يتسبب بحرمان مليون طالب من الدراسة".
ويشير إلى أن "الحوثيين يتدخلون في العملية التعليمية من خلال استبدال المدرسين الذين انصرفوا إلى البحث عن بدائل للدخل، بعناصر من الجماعة لتدريس منهج تم تعديله وفق فكر الحوثيين وأجندتهم".
ويعرب اليناعي عن قلقه من عدم استيعاب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والمجتمع الدولي، لآثار انقطاع الرواتب بشكل فجائي وكامل عن أهم وأكبر شريحة عاملة ومؤثرة في حاضر أجيال اليمن ومستقبلها.
ويضيف: "تبعاً لذلك، لم يضمنوا قدرة المدرسين على أداء وظائفهم وتوفير مرتباتهم بانتظام لمساعدة الطلاب على اختيار الالتحاق بالتعليم عوضاً عن الانضمام إلى المليشيات، بعد تدهور فرص التعليم".
ويشير إلى أن إيقاف رواتب العاملين في التعليم في مناطق سيطرة الحوثيين انعكس على حياة الطلاب، وشكل زيادة متصاعدة في نسبة تجنيد الصغار للحرب.
** مستقبل مفزع
يرى اليناعي أن استمرار الحرب ينذر بمستقبل قاتم للتعليم في اليمن، مشيراً إلى دور النقابة في دعم الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، ومطالبتها المستمرة للمدرسين بالذهاب إلى المدارس على الرغم من عدم دفع أجورهم، لحماية الجيل من الضياع والأمية واللا عودة واليأس، ما يوفر ظروفا مثالية للتطرف بين الأطفال.
ويحذر من العواقب الكارثية لنشوء جيل مشرد من الأطفال بلا تعليم، يتجهون إلى حمل البنادق، معتبرا أن هؤلاء يشكلون "مأساة اليمن في المستقبل".
كما يحذر من استخدام التعليم كوسيلة ضغط تمارسه الجماعات المسلحة، والتأثير السلبي لتقسيم اليمن على وحدة التعليم والوئام الاجتماعي.
وينبه من "مخاطر ثقافية وفكرية جراء تسييس الحوثيين للتعليم وتعديلاتهم للمناهج، وفق أجندة طائفية ستغير النسيج الاجتماعي وتعمق الفجوة الثقافية والفكرية في البلاد، وتنتج جيلاً محاصَرا بالأفكار الطائفية والإقليمية، إضافة إلى ثقافة العنف والكراهية"، وفق تعبيره.
** إنقاذ استثنائي وخيبة أمل
لا يرى اليناعي إمكانية حماية قطاع التعليم وإعادة بنائه في اليمن، إلا من خلال دعم إقليمي ودولي.
ويوضح أن نقابة المعلمين أطلقت مبادرات مع الأمم المتحدة ومنظمات محلية ودولية، بهدف الوصول إلى المعلمين والطلاب الأكثر تضرراً من الحرب، لكنه يبدي أسفه لأن "المجتمع الدولي خذل النقابة وقطاع التعليم في هذه المساعي".