[ من مراحل صنع التنور من الطين والذي تقوم به امرأة في جنوب اليمن (الجزيرة) ]
مع كل صباح تحزم نساء مديرية المضاربة (150 كيلومترا غرب مدينة عدن) جنوب اليمن أمتعتهن سيرا على الأقدام ويقطعن مسافة زهاء 4 كيلومترات من مساكنهن للوصول إلى الأراضي الترابية، حيث يعد الطين مصدر العيش للعديد منهن ولا سيما خلال السنوات الأخيرة حيث تصاعد الفقر وتردي وضعهن المعيشي.
تقضي علياء عبد الله ساعات في حفر الأرض وتجميع التراب ونقله على رأسها نحو مسكنها على مراحل، وهي مهنة اضطرت إليها في سنوات ما بعد الحرب بسبب وفاة معيلها وثقل الحمل عليها للحاجة للإنفاق على أطفالها لتدني راتب زوجها المتوفى (25 دولارا)، وجراء الاستقطاعات تقبض الأسرة 20 دولارا فقط.
عملية شاقة ومضنية تمر بها صناعة التنور الطيني الذي يستخدم في الأغراض المنزلية لطبخ الطعام من خلال إيقاد الشجر فيه، ووفق علياء يبدأ العمل عقب جلب الطين من الأراضي الزراعية وإحضار مخلفات بعض الحيوانات ثم عجنه مع الماء.
تبدأ بعدها مرحلة العمل من خلال صناعته على مراحل حيث يتم صناعته بالأيدي فيتم إنجاز تنورين على مدى يومين إلى 3 أيام بسبب ترك التنور تحت الشمس لبعض الوقت أثناء العمل ليجف البلل ويساعد على إنجازه بدون خلل.
ويسمح ملاك الأراضي الزراعية في اليمن في جلب بعض منهن للطين لمن لا يملكن أرضا، بدون أخذ أجر مقابل ذلك، فيما تملك أخريات أراضي زراعية إرثا من أجدادهن.
عمل شاق بثمن بخس
وتواجه العاملات في مهنة صناعة التنانير الطينية كثيرا من المعوقات، وتقول نجاح الأغبري العاملة في صناعة هذه التنانير للجزيرة نت إنهن يعانين من مشقة العمل غير المربح من حيث نقل التراب من الأرض على الرؤوس أو على ظهور الحمير لمكان الإنتاج بجوار المنازل.
ووفق الأغبري فإن العمل الشاق والعمل البدائي في الصناعة يضعف الإنتاج كون العاملات يعملن دون مساعد لهن ويحتجن بين كل مرحلة وأخرى لبعض الوقت لتعريضه للشمس والريح كي يجف ويتم إكمال بقية التنور.
وأضافت أن بيع هذه التنانير لا يتم بشكل يومي وإنما على أيام مختلفة وفق طلب الزبائن، الذين يطلبون من الصانعات سواء تنور جاهز أو تجهيز مقاس وفق الحاجة، وتختلف أسعار التنور وفق الحجم وتتراوح بين 3 و8 دولارات، وهو مبلغ لا يكفي لتوفير أدنى الاحتياجات مقابل الجهد الذي يتم بذله في الإنتاج.
الفقر وفقدان المُعيل
وترى الدكتورة أشجان الفضلي -وهي مختصة الدعم النفسي والإرشاد الأسري بجامعة عدن- للجزيرة نت أن عامل الفقر وفقدان المعيل هما الدافع الرئيس لعمل كثير من النساء في مهن شاقة ومتعبة، وأن هذا الأمر لا يعود لحالة التطور الذي تشهده المرأة؛ بل للظروف الاقتصادية التي دفعت النساء بما فيهن كبيرات السن للعمل بأي حرفة من أجل لقمة العيش بسبب الغلاء وفقدان أرباب الأسر وشح الأجور من دون النظر للمشاريع الصغيرة المدرة للدخل.
ويكشف تقرير لمنظمة العمل الدولية خسارة 293 ألف امرأة عاملة في مجال الزراعة وتربية الحيوانات ومنتجات الألبان في وقت تسببت الحرب الدائرة في البلد بانخفاض العمالة إلى 28%.
غياب التسويق
وتقول سهام الصالحي رئيسة جمعية "حرفتي" النسوية للجزيرة نت إن النساء العاملات في هذه المهنة يحتجن لتسويق منتجهن بشكل أفضل يتناسب مع حجم الجهد المبذول، حيث يعملن بمفردهن في المنازل ولا يجدن الإمكانات لنقل منتجهن للأسواق.
وتلفت الصالحي أيضا لدخول التنور الحديدي الذي نافس هذا المنتج الطيني التقليدي الذي ما يزال كثير من سكان الأرياف يستخدمونه في ظل أزمة الغاز في البلد.
وتؤكد الصالحي أن صانعات التنور يعملن في العراء وتحت الشمس الحارة، وتواجه صناعتهن خطرا في مواسم الأمطار لعدم وجود أماكن مناسبة لحفظ ما ينتجنه.