في صحراء مترامية الأطراف وبين الكثبان الرملية، يعيش عبده أحمد فايد (49 عاما) وأسرته المكونة من 8 أفراد في منزل من القش والطين، بعد رحلة نزوح ومعاناة من مديرية حرض إلى عزلة بني فايد في مديرية ميدي الساحلية بمحافظة حجة غربي اليمن.
وفايد أحد اليمنيين الذين تشردوا من منازلهم غربي اليمن؛ بسب تحول مناطقهم إلى ساحات حرب، جراء قتال مستمر منذ نحو 7 سنوات.
هذه الحرب قائمة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
** نازح إلى المجهول
عن رحلة معاناته هو وأسرته، قال فايد للأناضول: "كنا نعيش في أمان بمديرية حرض قبل خمسة أعوام، تغير وضعنا وحالنا، ووقعت اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية والحوثيين، وبعد عام من المعارك ونحن في رعب وخوف على أهالينا وأطفالنا، خرجت مع أسرتي تاركا منزلي وكل ما أملك، نازحا إلى المجهول".
وتابع: "كل يوم يمر وأنا وشريكة حياتي نعيش الخوف على أطفالنا، لدي سبعة أطفال منهم أربعة لم يحصلوا على اللقاحات.. للعام الرابع على التوالي لم تصل الطواقم الصحية الخاصة باللقاحات (المضادة لأمراض الأطفال) إلى قريتنا".
وهو جالس في فناء منزله مع أطفاله وأخيه الأكبر الذي يعاني مرضا نفسيا، أردف فايد: "أشعر بسعادة وراحة في قلبي عندما أرى ابني الأصغر سند وهو يمشي (ما يعني عدم إصابته بشلل الأطفال)".
وزاد بأن "جميع الأطفال دون سن الخامسة في قريتي والقرى المجاورة لم يحصلوا على اللقاحات، ومن ضمنها لقاح شلل الأطفال".
** شلل الأطفال
ووفق إدارة مخيمات النازحين في حجة، تواجه أكثر من 4200 أسرة في المديريات المحررة من الحوثيين شمال غربي اليمن، وضعا إنسانيا يزداد سوءا، وسط تصاعد حادة المعارك، وحركة النزوح المتواصلة، وتبعات حصار الحوثيين لهذه المناطق.
بجوار منزل فايد، يقف عبد الله عبده عثمان (في العقد السادس من عمره)، وهو عائد إلى قريته بعد رحلة نزوح تجاوزت عامين.
وقال عثمان، وهو رب أسرة من عشرة أطفال وزوجة، للأناضول: "أطفالنا يواجهون خطرا حقيقا يتمثل في شبح الإصابة بفيروس شلل الأطفال".
وتابع: "ابنتي أماني، البالغة من العمر ثلاث سنوات وشهر، إلى الآن لم تحصل على لقاح شلل الأطفال، وأنا أعيش الخوف يوميا عليها".
وشدد على أن "الطواقم الطبية المتخصصة بلقاح ضد فيروس شلل الأطفال في غياب تام عن المنطقة منذ أكثر من أربعة أعوام".
وبينما طفلته تجلس بجواره في خيمة متداعية، أردف عثمان: "ابنتي أماني لم تحصل على حقها في الرعاية الصحية، فهي طفلة الحرب والنزوح.. معظم الأطفال لم يتلقوا لقاح ضد فيروس شلل الأطفال وغيره من اللقاحات".
وهو يعود بذاكرته إلى بدايات الحرب، قال عثمان: "اعتقدنا أن الأمر سيستغرق أشهر ثم سنعود هربنا بملابسنا التي كنا نرتديها، ثم عادنا إلى بيوتنا وهي مدمرة بسبب الحرب وأصبحنا نعتمد على المساعدات المقدمة من المنظمات الخيرية.. فصول معاناتنا ومأساتنا مستمرة، والخوف يحيط بنا وأطفالنا".
** تهديد خطير
وفيروس شلل الأطفال يشكل تهديدا خطيرا للأطفال دون سن الخامسة إذا لم يتلقوا اللقاح، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".
ووفق المنظمة، فإن شلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي، وهو كفيل بإحداث شلل تام خلال ساعات، وينتقل بالانتشار من شخص لآخر بصورة رئيسية عبر البراز، وبصورة أقل عبر وسيلة مشتركة كالمياه الملوثة أو الطعام، وتؤدي حالة عدوى واحدة من أصل 200 إلى شلل يصيب الساقين عادة.
وفي 24 يونيو/ حزيران 2021، قالت "يونيسف" في تقرير، إن "التقديرات في اليمن تفيد بوفاة طفل كل 10 دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها بالتطعيم، رغم أن التطعيم من بين التدخلات الصحية الأكثر أمانا وفعالية من حيث التكلفة، لحماية الأطفال من أمراض كشلل الأطفال".
وقال مدير مكتب الصحة بمديرية حيران، الدكتور طارق مسواك هبه، للأناضول، إن "أبناء المناطق المحررة شمالي محافظة حجة، وخاصة الأطفال والأمهات الحوامل والمرضعات، يعانون من انعدام الرعاية الصحية الأولية، منذ نحو أربعة أعوام، بسبب الحصار الخانق عليهم من قبل الحوثيين، ما انعكس سلبا على حياة الأم والطفل".
وأفاد بأن "نحو 2450 طفل دون سن العام، ونحو 9000 طفل دون سن الخامسة شمالي حجة لم يتلقوا أي نوع من اللقاحات، بما فيها لقاح شلل الأطفال، ولم يحصلوا على الرعاية الصحية الأولية، مما انعكس سلبا على حياتهم".
ووفق إحصاءات مركز الجعدة الصحي في مديرية ميدي، يستقبل المركز يوميا أكثر من 300 حالة مرضية، معظمهم أطفال ونساء حوامل، بسبب ضعف المناعة وسوء التغذية .
** أمراض مستعصية
وقال الدكتور محمد الفهيدي، طبيب بمركز العزل في حيران، للأناضول، إن "شلل الأطفال أحد الأمراض المستعصية التي عانى منها اليمن لفترة طويلة".
وأردف: "وقد أعلنت وزارة الصحة عام 2006 خلو البلاد من فيروس شلل الأطفال، لكن الآن ومع موجات النزوح والنزاع الدائر، يوجد عدد كبير من الأطفال لم يحصلوا على اللقاح".
وأوضح الفهيدي أن "أهم التطعيمات التي يجب تزويد الأطفال بها، هي شلل الأطفال والدفتريا والحصبة والالتهاب الكبدي ب والسعال الديكي والحصبة الألمانية، وهي تطعيمات في غاية الأهمية؛ فعدم حصول الطفل عليها قد يؤدي لإصابته بأمراض خطيرة أو إعاقة مستديمة".
** اتهام للحوثيين
وناشد الدكتور محمد رزاز الشرعبي، طبيب بمركز العزل في حيران، بـ "سرعة وصول اللقاحات الضرورية للأطفال في ظل الفقر المدقع لأغلب الأسر وحالات سوء التغذية وانتشار الأمراض الوبائية في أوساطهم".
وأفاد بأن "تجمعات النازحين تنتشر فيها العديد من الأمراض الجلدية والتنفسية وأمراض سوء التغذية؛ نتيجة الظروف القاسية التي يعيش فيها النازحون، ناهيك عن النقص الغذائي والمياه الملوثة".
ومؤخرا، اتهم وزير الصحة اليمني، قاسم بحيبح، الحوثيين بالتسبب في عودة ظهور حالات شلل أطفال في البلاد؛ بسبب عدم تنفيذ حملات التطعيم بشكل سليم، وعدم تعاون الجماعة التي تسيطر على مدن شمالي وغربي البلاد ذات الكثافة السكانية العالية.
وقال بحيبح، عبر تويتر: "تم إعلان خلو اليمن من فيروس شلل الأطفال عام 2006، واستلام شهادة خلو اليمن من هذا المرض المعدي من منظمة الصحة العالمية في ذلك العام، إلا أنه ظهرت مؤخرا حالات شلل أطفال لعدم تعاون حركة الحوثي التي لا تزال ترفض تنفيذ حملات اللقاح رغم توفر اللقاحات".
ولم يتسن الحصول على تعقيب من الحوثيين، لكنهم عادة ما ينفون أي إضرار بالمدنيين، ويحملون الحكومة والتحالف المسؤولية عن تدهور الأوضاع.
وحتى نهاية 2021، أودت الحرب بحياة 377 ألف شخص، وكبدت اقتصاد اليمن خسائر 126 مليار دولار، وبات معظم السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، وفق الامم المتحدة.