في خضم ما يعيشه اليمن من أحداث مؤلمة منذ سبع سنوات، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الحرب، يحاول بعض المواطنين على استحياء الاحتفال بيوم الحب.
فالحب في زمن الحرب يأتي في ذيل قائمة كماليات اليمنيين علاوة عن أن يكون من الأولويات، فلا مظاهر بادية للاحتفال بهذا اليوم، سوى النزر اليسير من محال بيع الورود والهدايا المغلفة باللون الأحمر.
** حضور الحرب غياب الحب
وإن حدث، فإن المحتفلين بالمناسبة وهم عدد قليل، يكتفون بطقوس خاصة داخل منازلهم، وتبادل الرسائل الغرامية، إذ يبدو جلياً أن ملايين اليمنيين المتضررين بشكل مباشر من آثار الحرب، لم يعودوا حتى يتذكرون هذه المناسبة.
فملايين النازحين والمهجرين يقاسون لهيب الحرب وآثارها النفسية وتداعياتها على الاقتصاد والحياة المعيشية، وهؤلاء ليس لهم علاقة بعيد الحب، في ظل أزمة إنسانية صنفتها الأمم المتحدة بأنها الأكبر في العالم.
وفي حين انصرف غالبية الناس عن الاحتفال بالمناسبة لسوء ظروفهم، فإن آخرين في العاصمة وصنعاء ومحافظات أخرى، واجهوا صعوبة في الاحتفاء، بسبب إجراءات جماعة الحوثيين التي تحارب أي مظهر للمناسبة وتعتبرها دخيلة على المجتمع.
وفيما أغلقت جماعة الحوثي، محلات بيع الهدايا الخاصة بالمناسبة قسراً، وفق رصد لمراسل الأناضول ومهتمين بمواقع التواصل، فإن الأمر في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، يبدو مسموحاً، ومع هذا فإن مظاهر استقبال عيد الحب تبدو خافتة، بسبب الحرب وتداعياتها التي أصابت الاقتصاد وحياة الناس المعيشية.
ورغم ذلك، يصر بعض اليمنيين على أن يحيوا عيد الحب ولو بأقل المظاهر، وأرخص الهدايا، ويرون في ذلك تخفيفاً من الآثار النفسية للحرب، بحسب جولة لمراسل الأناضول في مدينة تعز (جنوب) الخاضعة لسيطرة الحكومة.
** منع الحب قسراً
ومن تعز قال الناشط المدني محمد الحريبي، للأناضول، إنه يشاهد العالم يحتفل بعيد الحب، في مقابل ذلك تتصاعد حدة خطاب العنف والكراهية في اليمن، ويزيد الصراع يوماً تلو الآخر.
وأبدى استهجانه لتوجه جماعة الحوثي نحو إغلاق محلات بيع الهدايا والتحف والتدخل في خصوصيات الناس، وقمع الحريات المدنية.
وطالب المجتمع الدولي بالضغط على الجماعة للالتزام بالقانون الدولي والإنساني، وقوانين حقوق الانسان، وإيقاف هذه التدخلات، في الحياة العامة والحريات المدنية.
بدوره، رأى الناشط الحقوقي فيصل العسالي أن "العالم الذي يحتفي بعيد الحب يعيش حياته الطبيعية في أفراح وإخاء إنساني، بينما في اليمن نعاني من الحرب، التي يشنها الحوثيون على المحافظات اليمنية، وكذلك انتهاكهم للحريات العامة، ومصادرة كل فرحة وبسمة من حياة اليمنيين".
وقال للأناضول وهو من تعز أيضا: "نحن في هذا اليوم نعيش في جحيم، فالعالم يفرح ويغني ويرقص ويتبادل الورود ونحن نسعف المرضى والجرحى لا نستطيع النفاذ من المعابر إلى المدن، والسبب في ذلك مليشيات الانقلاب التي حولت الحياة إلى جحيم".
** عيد الحب رغم المآسي
أما المواطن عبد الرحمن الصامت فرأى أن عيد الحب لن ينسي الناس المآسي وأزمة الحروب وآثارها من أزمة اقتصادية، لكنه قال إنه يجب تناسي ذلك في هذا اليوم بقدر الاستطاعة، "ونحاول أن نحب بعضنا".
وأعرب في حديثه للأناضول عن تمنياته بالسلام الدائم في جميع محافظات اليمن، وأن يتبادل الناس الحب من قلوبهم، وليس حب الساسة، موضحا أن عيد الحب لا يعني حب الزوجة والأم والأقارب فحسب، بل أنه يعني بنظره حب الوطن بكل قوة، عبر التعايش.
ومن داخل محل لبيع الهدايا في تعز، تحدث المواطن مكين العوجري للأناضول وهو يحمل بيده وردتين لزوجته، مؤكدا أنه اقتسم مصروف اليوم الذي كان مقرراً لسد احتياجات المنزل، وأحضر لها وردتين وهدية متواضعة كتعبير عن تمسكه بحبها التي قاست معه ظروف الحرب وغلاء المعيشة.
ويحتفل العالم في 14 فبراير/شباط بما يسمى "عيد الحب" أو "فالنتين داي" وتكتسي الشوارع بالورود الحمراء، والألوان التي تشي بتفاصيله.
ووفقا لأساطير رومانية فإن "عيد الحب" هو يوم "القديس فالنتين" الذي ارتبط اسمه بمفهوم الحب الرومانسي.
ويشهد اليمن منذ نحو 7 سنوات حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران، المسيطرين على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
وأودت الحرب، حتى نهاية 2021، بحياة 377 ألفا، وكبدت اقتصاد اليمن خسائر 126 مليار دولار، وبات معظم السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.