تنافس رسامون يمنيون في نشر لوحاتهم الكاريكاتيرية ضمن حملة "مش شرف" التي انتشرت على منصات مواقع التواصل الاجتماعي باليمن والتي تستهدف التوعية المجتمعية على خلفية تزايد جرائم العنف ضد المرأة. وتدفقت المشاركات في الحملة من جميع مدن اليمنية، معبرةً باللون والريشة عن المآسي والآلام التي تعانيها المرأة في زمن الحرب والفقر والحصار. أكثر من 50 مبدعاً شاباً، من الجنسين، جسدوا قصصاً مرعبة لانتهاكات طالت أرواح نساء أصبحن في عداد الضحايا وسط تكتم قانوني. وأغلب هؤلاء الفنانين نساء، وهنّ رقية الحبابي من تعز، وانتصار الآنسي من صنعاء، وهنادي حليس من عدن، وردينا غيلان من الحديدة، ومروى محمد من إب، ونور جهاد من حضرموت، وغيرهن إلى جانب رسامين شباب أظهروا تعاطفهم وحملوا رسائل صادمة بالفرشاة.
وحملة "مش شرف" التي أطلقتها "منصتي 30"، وهي صفحة شبابية مستقلة على "فيسبوك"، رافقتها سلسلة مبادرات إنسانية تسعى إلى نقل صوت الشباب اليمني إلى العالم، عبر إشراكهم في استطلاعات رأي وتكريس إبداعاتهم للتوعية وخدمة قضايا مجتمعية، وبمعزل تام عن حرب الأجندات وعنصرية الانتماءات والتوجهات. وتأمل المبادرات أيضاً إلى "حشد الرؤى والحلول والتطلعات بغية تحرير الوعي من نفق المعاناة وأكوام الضغوط إلى فضاءات التفكير والوئام والسلام".
انتهاكات تحت غطاء القانون
تؤكد منظمات حقوقية وإنسانية أن معدل العنف ضد المرأة ارتفع في اليمن إلى 63% منذ بداية النزاع في 2015. وتُصنف جرائم الشرف بأنها إحدى أخطر أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويرتكبها أفراد العائلة ضد النساء تحت غطاء القانون وخلف ستار "الدفاع عن الشرف"، بينما يصف كثير من النساء الضحايا بأن العنف الموجه ضدهن هو مسألة طبيعية، لذلك يحاولن فقط تخفيف شكله وليس مواجهته.
ووفق نتائج استطلاع أجرته "منصتي 30" على مواقع التواصل وشمل 1799 شخصاً، يرى معظم الشباب اليمني أن قتل الرجل لامرأة في عائلته تحت مبرر "غسل العار" هو "جريمة، يتحول فيها البلد إلى غابة تنفذ فيها الأحكام خارج سلطة القضاء". وتأتي هذه النسبة العالية (94%) بمقابل 3% قالوا إنه "شرف وحق للرجل يفتخر به"، ونسبة مماثلة اعتبروا أن لا رأي لهم بالموضوع. واختفت الفروق العمرية هنا أو ظهرت بالكاد، وكذلك الفروق الجغرافية، فيما ظهر فارق بسيط من حيث النوع، حيث قالت 98% من الإناث إنه جريمة بمقابل 92% من الذكور.
إلى ذلك، تفاعلت شروق الرمادي مع هاشتاغ "مش شرف" قائلةً: "قتل النساء مش شرف"، موضحةً أن "قتل النساء فقط بسبب نوعهن الاجتماعي يأتي ضمن اعتقاد الرجل بحقه في قتل المرأة تحت مسمى غسل العار لإرضاء المجتمع والقبيلة. وتأييد بعض العوائل هذا الفعل بسبب الضغوطات المجتمعية والخوف من الفضيحة"، معتبرةً أن هذه الأفعال تمثل صورة مريعة من أشكال الخزي الإنساني".
"الأمثال الشعبية خطر على الذهنيات"
وتجاوب آلاف من الشباب اليمني مع الحملة والهاشتاغ، وحملت ردودهم نقاشات كثيرة. كما تبادلوا قصصا مختلفة عن العنف تعرضت له بعض الفتيات، بالضرب أو بالتشهير أو بجرائم شرف. كما اعتبروا أن العنف ضد المرأة في اليمن سببه الجهل والأمية وبعض العادات والتقاليد، إلى جانب بعض الموروثات الشفهية مثل الأمثال الشعبية التي ساهمت في تبني ثقافة خاطئة. واعتبروا أن بعض الأمثال الرنانة لها تأثيراً خطيراً على الذهنيات والسلوكيات من منطلق أنها تمثل حكمة الأجداد.
وتعد جرائم الشرف في اليمن واحدة من الجرائم المتفاقمة، نتيجةً لعدم معاقبة أولياء الأمور على ارتكابهم تلك الجرائم تحت مبرر الشرف، فضلاً عن عدم وجود نصوص قانونية تقتص للضحية. يذكر أن المادة 59 من قانون الجرائم والعقوبات في اليمن تنص على التالي: "لا يقتص من الأصل بفرعه، وإنما يحكم بالدية أو "الأرش" على حسب الأحوال".
من جهتها، قالت الفنانة التشكيلية عبير الحضرمي: "من المحزن أن بعض الرجال يتجرأون على قتل النساء تحت ذريعة الشرف! لكن الأسوأ هو أن القانون يقتل حق النساء عبر تسامحه مع القاتل".
من جانبها، اعتبرت عبير عارف أن تعنيف الذكر للمرأة "ناجم عن الضعف والافتقار لشعور الرجولة"، مشيرةً إلى أن العنف بشتى أنواعه سواء جسدي أو لفظي أو نفسي "جرائم لا يُقبل بها إطلاقاً".
وأضافت: "أدعو المرأة لأن تطلب الانفصال عن كل من يقلل من قيمتها". كما اعتبرت أنه "إذا وُجِد قانون يأخذ للمرأة حقها لن يتجرأ أحدٌ على تعنيفها".
من جانبه، قال الدكتور محمد عبد العزيز، عميد كلية الحقوق في جامعة تعز: "تعد جرائم الشرف ثغرة معيبة في القانون اليمني، حيث إنه يساعد في انتشارها. إلا أن القانون اليمني لا يُعرّف استخدام مصطلح جرائم الشرف بهذا المفهوم، ولا يفرّق بين هذه الجرائم وغيرها من الجرائم الأخرى".
وشرح قائلاً إن منطلق "التخفيف الخاص بعقوبة القتل في حال مفاجأة الزوجة أو أحد المحارم بالزنا إلى الحبس.. هو مراعاة الحالة النفسية والذهنية التي يصل إليها الشخص نتيجة الصدمة والغضب الذي ينتابه، وليس لأنها ماسة بالشرف".
تبعات خطيرة نفسية وجسدية
في سياق آخر، اعتبر الناشط محمد أمين الوتيري أنه "من المقلق تزايد حدة العنف والجرائم تجاه النساء، خاصةً القتل، والتي غالباً ما يفلت مرتكبوها من العقاب بسبب التقاليد المغلوطة والعادات الخاطئة التي تدين النساء وتحمّلهن مسؤولية ما يتعرضن له من ظُلم بمبررات مختلفة من ضمنها الشرف".
أما سعد العجمي فرأى أن هذه الظاهرة تحتاج لتوعية الناس بمخاطر العنف ضد المرأة لما لذلك من تبعات خطيرة نفسية وجسدية للضحايا وعلى الأسرة وعلاقاتها وكذلك على المجتمع برمته.
من جهته، أعرب عبدالرقيب يحيى عن اعتقاده بأن "هذه الظاهرة جاءت من القبيلة والتعصب القبلي منذ قديم الزمن، وكذلك عدم وجود الوعي الكافي لدى أفراد المجتمع، إلى جانب النظرة الدونية للمرآة، والسلطة الذكورية السائدة في المجتمع، لذلك فإن المجتمع ذاته مساهم بها كونه يؤجج النار لدى الجاني وقد يكون مشجعاً له".
وبحسب رأي الصحفية وداد البدوي، فإن "اليمن يصنف كبلد غير مناسب لعيش النساء فيه، نظراً للعنف والانتهاكات التي تمارس ضدها بطرق مختلفة، وترتبط عادة بالعادات والثقافة والبيئة والسلطة الذكورية". وأضافت: "في اليمن تفقد المرأة لكل حقوقها، ويمكن أن يقتلها الرجل بسهولة بحجة الشرف، والقانون يدعم ذلك والمجتمع يصفق لهُ".