مرت 10 أشهر مكتملة، منذ أن كثفت جماعة الحوثي هجماتها بشكل غير مسبوق على القوات الحكومية في محافظة مأرب النفطية الاستراتيجية وسط اليمن، للسيطرة عليها.
ومنذ فبراير/ شباط الماضي، ضاعف الحوثيون هجماتهم في مأرب، كونها أهم معاقل الحكومة ومقر وزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز، ومحطة الغاز التي كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالتيار الكهربائي.
وتقع مأرب في الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء على بعد 173 كيلو مترا وتبلغ مساحتها أكثر من 17 ألف كيلو متر مربع.
وخلال الأشهر الماضية شهدت عدة جبهات في مأرب، معارك ضارية لم يسبق لها مثيل في اليمن، أدت إلى تغيير خارطة السيطرة في المحافظة لصالح الحوثيين، وسط خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف طرفي النزاع.
ومنذ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، صعد الحوثيون من هجماتهم بشكل أوسع، ونجحوا في التقدم بعدة مديريات، مثل العبدية والجوبة وجبل مراد وحريب جنوبي محافظة مأرب.
وتقول جماعة الحوثي، إنها باتت تسيطر على كامل مديريات مأرب، باستثناء مديرية مأرب التي تحوي مركز المحافظة، ومديرية الوادي التي تحوي حقول النفط والغاز وتعد من أكبر المديريات مساحة.
فيما تفيد المصادر العسكرية الحكومية، بأن قوات الجيش ما تزال تتواجد في مناطق بمديريات صرواح والجوبة ورغوان، وأن الحوثيين لا يسيطرون على كامل هذه المديريات.
ورغم الهجمات الحوثية المكثفة، إلا أنها لم تستطع تحقيق أي تقدم استراتيجي حيوي، باستثناء تحقيق مكاسب ميدانية في ريف المحافظة.
خسائر بشرية باهظة
أدت المعارك المستمرة في مأرب، إلى تكبيد القوات الحكومية والحوثيين خسائر بشرية ومادية باهظة.
وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، أن خسائر جماعة الحوثي، تتجاوز 15 ألف قتيل، منذ يونيو /حزيران المنصرم فقط، وفق وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ).
وأضاف: "تحولت جبال وصحارى ووديان وهضاب مأرب إلى مقابر جماعية لقيادات وعناصر الميليشيا الحوثية".
وأشار إلى "استمرار جماعة الحوثي في الزج بكتائب النخبة والآلاف من عناصرها المغرر بهم من أبناء القبائل والأطفال في هجمات انتحارية على شكل أمواج بشرية على الطريقة الإيرانية".
وفي الجانب الآخر، سقط آلاف القتلى والجرحى من القوات الحكومية، منذ تكثيف الحوثيين هجماتهم على مأرب، وفق تقديرات محلية، دون وجود إحصائية رسمية.
وأسفرت المعارك عن مقتل قيادات بارزة في القوات الحكومية بينهم قائد المنطقة العسكرية السادسة اللواء أمين الوائلي، وقائد قوات الأمن الخاصة في مأرب العميد عبدالغني شعلان، ورئيس دائرة القضاء العسكري التابع للحكومة اللواء ركن عبد الله الحاضري، وعشرات الضباط بينهم من يحملون رتب رفيعة.
وكان آخر القيادات التي سقطت في مأرب، العميد هلال الخالدي، قائد "لواء المجد" حرس حدود، الذي قتل في معارك ضد الحوثيين الجمعة الماضي.
وفي المقابل، أدت معارك مأرب إلى مقتل عشرات من القيادات الحوثية البارزة الذين منحتهم الجماعة رتب لواء وعميد وعقيد، آخرهم القيادي الميداني العميد عبدالناصر علي عيضة، قائد اللواء الرابع حرس حدود.
تكلفة إنسانية كبيرة
تستمر موجة النزوح في مأرب مع تواصل المعارك العنيفة بين القوات الحكومية والحوثيين.
ومنذ سبتمبر، أعلنت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 45 ألف شخص جراء تصاعد القتال في مأرب، بينما أفادت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين التابعة للحكومة اليمنية، أن عدد النازحين خلال الفترة ذاتها بلغ نحو 100 ألف.
وحول إجمالي النازحين منذ بدء الحرب تقول الأمم المتحدة، إن مدينة مأرب لوحدها تحوي أكثر من مليون نازح، كأكبر تجمع للنازحين، فيما تقدر السلطات الحكومية بأن عدد النازحين في المدينة تجاوز مليونين، يشكلون أكثر من نصف نازحي اليمن البالغ عددهم 4 ملايين.
ويعيش هؤلاء النازحين ظروفا إنسانية بالغة الصعوبة، وتقول الأمم المتحدة إن معظمهم بحاجة ماسة للمساعدات.
ومنتصف نوفمبر الماضي، أعلن وكيل محافظة مأرب عبدربه مفتاح، أن "آلاف الأسر ممن هجرتها المليشيات الحوثية مؤخراً من مديريات مأرب الجنوبية، لا تزال تعيش في العراء وتفتقر لأبسط مقومات الحياة".
ودعا مفتاح "كل شركاء العمل الإنساني إلى تقديم مزيد من الدعم وتوسيع تدخلاتهم العاجلة في مجالات الإيواء والغذاء والمياه والصحة".
وفي 24 نوفمبر الماضي، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أن مواقع النزوح البالغ عددها 137 موقعا في محافظة مأرب، شهدت زيادة بنحو 10 أضعاف في عدد الوافدين الجدد منذ سبتمبر.
وأضافت المنظمة في بيان: "نرى في بعض الأحيان، ما يصل إلى 40 شخصاً ليس لديهم خيار سوى مشاركة خيمة واحدة صغيرة".
دعوات هدنة بلا مجيب
خلال الفترة الماضية، كثفت الأمم المتحدة من دعواتها واتصالاتها الدبلوماسية المتكررة بغرض وقف التصعيد في محافظة مأرب، لكن دون جدوى.
وكذلك دعت جهات دولية فاعلة إلى وقف التصعيد، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول والمنظمات الإنسانية والحقوقية.
والجمعة، عقدت مباحثات بين المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي.
وأبدى الجانبان قلقهما العميق بشأن ازدياد القتال حول مدينة مأرب وفي أماكن أخرى باليمن وفق تغريدة نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية.
وأكد ليندركينغ وبيزلي أن "التصعيد لن يؤدي إلا إلى المزيد من المعاناة.. اليمنيون يريدون السلام".
وتتهم الحكومة اليمنية الجماعة بأنها هي من تسببت في استمرار التصعيد العسكري بمأرب، داعية المجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط من أجل وقف الهجمات على المحافظة.
فيما أكدت جماعة الحوثي مؤخرا أنها ماضية في السيطرة على مأرب وكافة أرجاء اليمن، متهمة الحكومة اليمنية والتحالف العربي بعرقلة التوصل لحل سياسي عن طريق التفاوض.
ويشهد اليمن منذ نحو 7 سنوات حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران المسيطرين على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر 2014.
وتقول الأمم المتحدة، إنه بنهاية العام 2021، ستكون الحرب في اليمن قد أسفرت عن مقتل 377 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر.
وأدت الحرب إلى خسارة اقتصاد البلاد 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 30 مليونا على المساعدات، وفق الأمم المتحدة.