لم تنجح الدعوة لـ"تحالف إنقاذ وطني" والتي أطلقها مسؤولون بارزون في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أخيراً، في تحريك المياه الراكدة للمشهد السياسي المشوّه منذ 7 سنوات، بقدر ما كشفت عن تصدّع "الشرعية"، ومحاولة بعض القادة المحسوبين عليها استثمار حالة التيه الذي تعيشه، لتسويق أنفسهم حتى ولو كان ذلك عبر خطوات بعيدة عن الواقع.
ومنذ أواخر الأسبوع الماضي، أثارت الدعوة المشتركة التي أطلقها رئيس مجلس الشورى، أحمد عبيد بن دغر، ونائب رئيس البرلمان، عبد العزيز جباري، لتشكيل تحالف إنقاذ وطني يوقف الحرب ويؤسس لعملية سلام، حالة من الجلبة في المشهد اليمني الملبّد، وردود أفعال واسعة، ما زالت تتوالى.
وباستثناء جدل في وسائل التواصل الاجتماعي وتصريحات منددة، لم تحقق الدعوة المفاجئة التي روّجت حصولها على دعم مصري، أي نتائج ملموسة. ففي حين انهالت الانتقادات من القوى والمكونات السياسية والدوائر الرسمية الموالية للحكومة الشرعية، بدت جماعة الحوثيين شامتة، ولم تبادر لالتقاط الدعوة للحوار، بل اعتبرت ما أعلنه بن دغر وجباري بمثابة دليل على صواب موقفها من "انتهازية التحالف الذي تقوده السعودية وانحراف أهدافه".
وغداة انتقادات من حزب المؤتمر الشعبي العام وهيئة رئاسة البرلمان ووزارة الدفاع، خرج حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي، الذي كان يُتهم بتبني القياديين من الباطن، مساء أول من أمس الخميس، بموقف مشابه، إذ اعتبر ما ورد في بيان بن دغر وجباري "دعوات لا تنسجم مع تضحيات الشعب اليمني الكبيرة، وتتجاهل موقف الانقلاب الرافض للسلام".
ونقل موقع حزب التجمع اليمني للإصلاح عن مصدر مسؤول في الأمانة العامة للحزب قوله إن "التحديات التي تعاني منها الدولة لا ينبغي أن تكون مبرراً لاتخاذ خطوات غير مدروسة، وقد تتسبب بإهدار كل ما ناضل الشعب اليمني من أجله، وما ضحى الأبطال في سبيله، وتُعرّض كل ذلك للضياع".
وعلى الرغم من الرفض الصريح لما جاء في بيان بن دغر وجباري، إلا أن حزب الإصلاح رحّب بـ"حلول قابلة للتطبيق ولا تزيد الوضع تعقيداً"، وبشرط أن تصدر عن "كافة القوى والكيانات الوطنية الرافضة للحرب التي تشنها جماعة الحوثيين ضد الشعب اليمني".
وعلى الرغم من الإجماع الحزبي والرسمي على رفض المبادرة، إلا أن رئيس مجلس الشورى اليمني، عاد مساء أول من أمس الخميس للدفاع عن دعوته إلى الإنقاذ، مستخدماً الأسلحة ذاتها الرامية لحشد التأييد الشعبي، تارة عبر الحديث عن السيادة ومسألة تقسيم الدولة، وتارة عبر التحذير من كارثة ومجاعة وتعالي صيحات المعدمين.
وفيما لفت إلى أن الشعوب الحية "لا ترضى بالقهر طويلاً"، أشار بن دغر إلى أن ما يحدث في اليمن "قهر وضيم وتهديد حقيقي لثلاثين مليوناً؛ الحوثيون وإيران سببه الأول، وبعض التحالف سببه الآخر"، في إشارة ضمنية إلى الدور الإماراتي في اليمن وأجندة التقسيم من خلال دعم المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويبدو الثنائي مصمماً على المضي قدماً في تأسيس تحالف الإنقاذ، وقد أعلن نائب رئيس البرلمان، عبد العزيز جباري، أخيراً، أنهما سيعودان إلى اليمن خلال الفترة المقبلة من أجل بحث ترتيبات إطلاق التحالف الغامض.
استثمار وخلط أوراق
ولم تكن الشواهد التي سردها البيان المشترك لرئيس مجلس الشورى ونائب رئيس البرلمان شيئاً صادماً بالنسبة للشارع اليمني، فالوضع الكارثي على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لم يعد خافياً على أي متابع للمشهد.
لكن مكمن الغرابة كان في أن من يدعو لتشكيل تحالف إنقاذ، هما اثنان من أبرز أقطاب الحكومة الشرعية. ففي حين تقلّد أحمد عبيد بن دغر منصب رئيس الحكومة منذ أولى سنوات الحرب وحتى أواخر عام 2018، قبل أن يعود إلى مقعد رئيس مجلس الشورى مطلع العام الحالي، شغل البرلماني المثير للجدل، عبد العزيز جباري، منصب نائب لرئيس الحكومة ثم أصح مستشاراً سياسياً لرئيس الجمهورية قبل أن يتم تعيينه نائباً لرئيس البرلمان في إبريل/ نيسان 2019، بعد تفعيل مجلس النواب الموالي للشرعية.
ووفقاً لمصادر سياسية مطلعة على عملية السلام في اليمن، فإن التصريحات التي أطلقها بن دغر وجباري لا تحظى بأي دعم دولي أو أممي، كون الرجلين لا يحظيان بثقة اللاعبين في الملف اليمني؛ إقليمياً أو دولياً.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إنه "من الواضح أن الخطوة كانت غير محسوبة، بل هي محاولة لاستثمار احتقان الشارع عقب الانهيار المريع للعملة، فلا وجود لأي تنسيق مع قوى وطنية فاعلة وذات قواعد شعبية كبيرة بمقدورها تبني هذه المبادرة على الأرض، ولا مؤشرات على وجود أي دعم أممي أو دولي لها". وأشارت المصادر إلى أن المبادرة "تحاول استثمار الأنباء التي تتحدث عن تقسيم اليمن، وذلك بتأليب الشارع على الرئيس عبد ربه منصور هادي والشرعية، بالقول إن الشرعية تتمثل باليمن الواحد وليس بشخص الرئيس".
ولطالما ظهر أحمد عبيد بن دغر بمظهر الحريص على وحدة اليمن، من خلال بيانات سابقة له، كان يعمل على كتابتها بنفسه، ودائماً ما كان يبدو فيها أكثر جرأة بمواقفه ضد السعودية والإمارات.
من جهته، اعتبر المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات، ماجد المذحجي، في تغريدة على "تويتر"، أن بيان جباري وبن دغر "كانت له ارتدادات عدة، إذ نشط الجدل الموسمي بين دعاة السلام وخصومهم، وأثار مخاوف السعودية وغضبها، وأخاف هادي وأصابه بالتوتر". وقال المذحجي إن من ارتدادات البيان أنه "دفع أيضاً بانقسامات إضافية لشرعية ضعيفة، وحشر مصر في المنتصف بدون سبب".
وبعيداً عن الجانب السياسي، تلقى المرابطون في جبهات القتال التصريحات التي أطلقها بن دغر وجباري، حول فشل الخيار العسكري بنوع من الصدمة، خصوصاً أن هذه التصريحات جاءت في وقت بدأت فيه القوات الحكومية باستعادة زمام المبادرة في مأرب وشرقي شبوة والساحل الغربي. وقال مصدر عسكري في مأرب لـ"العربي الجديد"، إن المواقف التي أطلقها رئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر، ونائب رئيس البرلمان عبد العزيز جباري "جاءت كطعنة من داخل مكوّن الحكومة الشرعية، وفي توقيت غير ملائم إطلاقاً، بل في لحظات يحتاج الجيش فيها لمزيد من المعنويات".
كما تزامنت الدعوة الرافضة لاستمرار الخيار العسكري، مع تطورات نوعية أخرى، عاد فيها التحالف الذي تقوده السعودية لتقديم إسناد نوعي للمعركة، وذلك بشن ضربات مُحكمة على أهداف ذات ثقل لجماعة الحوثيين في صنعاء وصعدة، مستفيداً من معلومات استخباراتية يُعتقد أنها مقدمة من واشنطن.