في طريق صحراوي وعر متعرج، ينطلق مئات الطلاب اليمنيين من كلا الجنسين بعضهم بدون أحذية، أغلبهم مترجلين على أقدامهم وقليل منهم بواسطة الدواب.
المشهد يستمر بحمل هؤلاء الطلاب في أيديهم أكياس الدقيق والأرز الفارغة كحقائب مدرسية لحفظ كتبهم وأقلامهم، في رحلة تتجسد فيها المعاناة والمأساة الإنسانية التي تدخل عامها السابع جراء الصراع الدائر في البلاد.
تنتهي رحلة الطلاب اليومية هذه إما في خيمة أو عدة خيام، وأحيانا عدة أكواخ، تلك التي أصبحت بديلة للمدارس وفصولها الدراسية التي دمرتها الحرب.
عن ذلك المشهد، قال عبدالله طيب، مدير "مدرسة علي بن أبي طالب" المدمرة بمدينة ميدي التابعة لمحافظة حجة (جنوب): "يوجد لدينا أكثر من 350 طالب وطالبة، ثلثيهم لا يمتلكون حقائب ولا زي مدرسي نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية لأهاليهم".
وفي حديثه للأناضول، أكمل: "يستخدم أغلبية الطلاب أكياس الدقيق والأرز كحقائب لحفظ أدواتهم الدراسية، وهناك عدد من الطلاب يأتي إلى المدرسة حافي القدمين".
وأضاف وهو جالس على كرسي قرب مدخل كوخ دراسي قائلاً: "كانت رحلتنا إلى المدارس المدمرة في مدينة ميدي محفوفة بالمخاطر والتحديات؛ من أجل جلب المقاعد الدراسية للطلاب من بين أكوام الدمار"، مؤكداً أن "جميع المدارس في المدينة الساحلية مدمرة بشكل كامل، ومحاطة بالألغام والعبوات الناسفة".
وتابع: "أثناء بحثنا عن المقاعد الدراسية وجدنا بمساعدة الفريق الهندسي لنزع الألغام أكثر من 15 عبوة ناسفة في مدرسة واحدة فقط".
عن هذه الألغام، قال العميد ياسر الروحاني، رئيس شعبة هندسية لنزع الألغام بالجيش اليمني، للأناضول: "نزعنا منذ اندلاع المعارك في 2015 أكثر من 50 ألف لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير متفجرة في المديريات المحررة بمحافظة حجة"، مؤكداً أن "أغلبها كانت مزروعة بالقرب من مساكن وطرقات ومدراس".
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، أن "أكثر من 2500 مدرسة تعرضت للضرر أو التدمير بسبب النزاع في مختلف مناطق اليمن، مما أدى إلى حرمان أكثر من 2 مليون طالب من التعليم".
ووفق مديرة مكتب التربية والتعليم بمديرية ميدي الساحلية فاطمة جمال جربحي، فإن "ما يربو عن 70 في المئة من الطلاب يستخدمون أكياس المواد الغذائية مثل الدقيق والأرز والسكر كحقائب مدرسية".
وأضافت في حديثها للأناضول أن "نحو 80 في المئة من مجموع الطلاب في المديرية وهم حوالي 800 طالب لا يمتلكون زي مدرسي نتيجة الوضع الاقتصادي في الوقت الراهن لمعظم أهالي الطلاب".
وأشارت إلى أن "جميع الطلاب يدرسون تحت حرارة الشمس وغبار الصحراء وفي خيام متهالكة وأكواخ منذ ثلاثة أعوام، وسط بيئة قاسية ومن حولهم أصوات الدواب والدراجات النارية".
وبحسب جربحي، فإن "العملية التعليمية تتوقف في جميع المديريات ومنها ميدي عند المرحلة الإعدادية، نتيجة نزوح الكادر التعليمي المختص لمرحلة ما بعد الإعدادية والحصار القائم، ولذلك يتجه عدد كبير من الأطفال للعمل في الأسواق وترك الدراسة".
وفي سياق متصل، قال مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية حيران بمحافظة حجة، محمد حسين عوام: "يوجد لدينا 11 مدرسة، أغلبها بحاجة إلى ترميم منها مدرستان دمرتا بشكل كامل".
وأكد أن "أكثر من 3400 طالب في المديرية يدرسون تحت الأشجار وفي الأكواخ وفي المساجد وفي ظروف بيئية غير ملائمة".
وأضاف للأناضول، وهو جالساً وممسكاً في يده هاتف في غرفة ضيقة لا تتجاوز مترين في متر: "جميع بيانات وكشوفات الطلاب في عموم المديرية في هذا الهاتف".
وكشف أن مكتب التربية وجميع المدارس في المديرية لا تمتلك جهاز حاسوب لأرشفة بيانات الطلاب.
وأوضح عوام أنه بعد دخول الحرب عامها السابع: "يواصل الأطفال في المديريات المحررة دفع ثمن الحرب والحصار، إذ يعاني نظام التعليم من الإجهاد الكبير وانعدام التمويل والتفكك وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لكل الأطفال".
ورداً على سؤال حول العملية التعليمية، أجاب: "يمكن القول إن التطوع هو العصب الرئيسي لاستمرار العملية التعليمية في جميع المديريات والقرى وفي مخيمات النازحين".
وأشار إلى أنه "رغم وجود المنظمات الإنسانية الداعمة في اليمن، إلا أنها في غياب تام عن هذا المناطق وسط انقطاع رواتب الكادر التعليمي منذ فترة طويلة".
وبنظرات من الحزن الممزوج بالألم، التقط أطراف الحديث المعلم التربوي علي عبده طيب، قائلا: "17 عاماً في قطاع التعليم كافية لأن تنهي رغبتنا ويضعف حماسنا وتتلاشى أحلامنا في ظل انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار".
وفي حديثه للأناضول، أشار إلى أن مزرعته البسيطة هي مصدر رزقه الوحيد "وسط حصار خانق ومنع تصدير المنتجات الزراعية للأسواق من قبل الحوثيين".
وأضاف وهو يستعد لإلقاء الدرس في خيمة للطلاب: "نواجه صعوبات وتحديات تتزايد وتتفاقم بتسارع عجيب دون حل في الأفق" لافتاً إلى أن "المعلم والطالب في رحلة بحث عن مصدر رزق لإعالة أسرهم".
وفي يوليو/تموز الماضي، حذرت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة "يونيسف" في تقرير، من أن "عدد الأطفال الذين يواجهون اضطرابات في التعليم باليمن قد يصل إلى 6 ملايين (عدد السكان نحو 29 مليونا)".
وأكد التقرير أن "ثلثي القوة العاملة في التدريس (أكثر من 170 ألف معلم) لم يتلقوا رواتب منتظمة لمدة أربع سنوات، ويضطر المعلمون للتوقف عن التدريس لإيجاد سبل أخرى لإعالة أسرهم، الأمر الذي يعرّض ما يقرب من أربعة ملايين طفل إضافي لخطر فقدانهم فرص الحصول على التعليم".
وأشار التقرير الى أنه "تم تجنيد أكثر من 3600 طفل ضمن أطراف النزاع باليمن في السنوات الست الماضية".
كما قتل نحو 3 آلاف و336 طفلا، وتم الاعتداء على 465 من المرافق التعليمية واستخدامها لأغراض عسكرية خلال الفترة بين 26 مارس لعام 2015 و 28 فبراير لعام 2021، وفقاً للتقرير.
التقرير ذاته ذكر أنه "انخرط 17 بالمئة من أطفال اليمن ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما مجموعهم 3.1 ملايين، في عمالة الأطفال، ومن المحتمل أن يكون هناك المزيد من الأطفال العاملين بالوقت الراهن بسبب الانهيار الاقتصادي الذي يشهده اليمن".
ويعاني اليمن من صراع دموي منذ سبع سنوات بين الحكومة وجماعة الحوثي المسلحة التي تسيطر على صنعاء ومعظم محافظات الشمال بقوة السلاح، ولم تفلح جهود إقليمية ودولية في وضع حد للصراع الذي خلف مأساة إنسانية.