[ مراسم توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والانتقالي ]
تعيش مدينة عدن اليمنية هذه الأيام على صفيح ساخن، فالتظاهرات الشبابية التي تتواصل منذ أيام ضد الانتقالي والتحالف السعودي الإماراتي قد وضعت قيادات المجلس الانتقالي ومن خلفهم السعودية والإمارات في مأزق كبير.
فهل ستؤدي هذه التظاهرات إلى تغيير حقيقي وواقع جديد على الأرض؟ أم ستقوم الإمارات والسعودية بوأدها عبر حكومة معين عبد الملك كخطوة تكتيكية للحفاظ على الانتقالي باعتباره الأداة التي يجب المحافظة عليها؟ وهل سيقبل شباب عدن والمكلا بالحلول الترقيعية أم سيمضون في تظاهراتهم حتى تحقيق كافة أهدافها؟
تساؤلات سنحاول الإجابة عليها في هذا التحليل..
في 25 أبريل نيسان 2020، أعلن المجلس الانتقالي ما اسماها "الإدارة الذاتية" في المحافظات الجنوبية، وذلك بالتزامن مع إعلانه لحالة الطوارئ، وبعد هذا الإعلان الذي قال الانتقالي فيه إنه تحرك لإنقاذ الجنوب من فساد الشرعية، أعلن الانتقالي مرة أخرى في 29 يوليو/تموز 2020 تخليه عن "الإدارة الذاتية" ليتيح للحكومة تطبيق "اتفاق الرياض" الذي وقعه معها، ظل الانتقالي في الواقع يسيطر على عدن ولحج وأجزاء من أبين بقوة السلاح، وبعد عودة الحكومة إلى عدن رفض الانتقالي تنفيذ أي بند من بنود "اتفاق الرياض" التي وقع عليها وخصوصا بنود الشق العسكري والأمني، كانت الحكومة بلا صلاحيات وبلا حماية وتحت رحمة الانتقالي، ولذا غادرت بعد هجوم مسلح لمليشيا الانتقالي على القصر الجمهورية "قصر المعاشيق"، وعندما حاولت الحكومة العودة إلى عدن منعها الانتقالي من العودة وهدد بقصف الطائرة التي ستنقلها إلى عدن.
لقد كان "اتفاق الرياض" بإجماع كافة المراقبين مجرد مسرحية سعودية إماراتية مكشوفة لتسويق الانتقالي وتحويله من مليشيا مسلحة متمردة إلى شريك أساسي في السلطة وتسويقه كممثل للجنوبيين، وكانت الحكومة التي لم تعد تمتلك قرارها مجرد شاهد زور على هذه المسرحية المكشوفة، لذا فقد رفض الانتقالي تنفيذ أي بند من البنود التي وقع عليها والتي يمكن أن تجعله يخسر بعض مكاسبه العسكرية على الأرض، حدث هذا بتواطؤ مع الإمارات والسعودية التي لم توجه للانتقالي أي لوم أو حتى عتاب على تعنته ورفضه تنفيذ أي بند من بنود "اتفاق الرياض" الذي رعته كعادتها في رعاية المليشيا وتمويلها وتدليلها على حساب مشروع الدولة اليمنية وأمن واستقرار اليمن ووحدته وحاضره ومستقبله.
الانتقالي وحصاد سنوات من الفشل
ظل الانتقالي يسيطر على عدن بحكم الأمر الواقع وازداد الحال في مدينة عدن تدهورا في كافة المجالات الخدمية والأمنية والصحية والاقتصادية والحقوقية حتى نفد الصبر لدى أهالي عدن، فخرجوا منذ أيام يتظاهرون احتجاجا على غياب الخدمات وتردي الأوضاع وانهيار العملة المحلية وغيرها من الأزمات التي تجعل حياتهم في بؤس لا مثيل له، خرجوا يهتفون ضد الانتقالي والتحالف، هذه التظاهرات تزامنت مع تظاهرات أخرى في المكلا بحضرموت، ورغم كل هذا فلم يعترف قادة الانتقالي بعدن أنهم قد فشلوا في تحقيق حتى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطن بعدن رغم كل عوامل النجاح التي توفرت لهم، لم يقولوا: نحن قصرنا وهناك فساد وهناك أخطاء، فقط ظلوا وما يزالون يواصلون عزف الأسطوانة المشروخة وهي اتهام الإصلاح والإخوان بأنهم سبب ما يحدث في عدن.
وخلال الأيام الماضية كانت قيادات الانتقالي في موقف صعب جدا يهاجمون حزب الإصلاح ونائب رئيس الجمهورية علي محسن والإخوان ويتوعدون بمظاهرات في شبوة وباعتقادهم أن هذا هو الحل وأن هذا هو الرد على التظاهرات الحقوقية للمواطنين في عدن.
ورغم أن قيادات الانتقالي يديرون مدينة عدن بالأمر الواقع فلم يقدموا للناس أي خدمات أو حقوق وظلوا يعلقون فشلهم على شماعة حزب الإصلاح الذي لم يعد له وجود في عدن ظنا منهم أن هذا الخطاب العقيم سيعفيهم من المسؤولية وربما يوفر لأهالي عدن كهرباء وخدمات.
لقد فشلت قيادات الانتقالي في عدن ولكنها نجحت في مجال آخر، لقد نجحت بأن نالت الجنسية الإماراتية ورتبت أوضاعها مالياً في أبوظبي فلل ومشاريع تجارية وانخرط أبناء قيادات الانتقالي في صفوف القوات المسلحة الإماراتية كجنود أوفياء لوطنهم الجديد، بينما أبناء عدن والجنوب في غاية البؤس والمعاناة.
مؤخراً عاد الانتقالي وتحت ضغط الرأي العام يطلق بعض التصريحات والوعود، رغم أنه قد يعد سكان عدن منذ سنوات بأن يقدم لهم الخدمات وينهي مشكلة الكهرباء ويجعل من عدن مدينة نموذجية.
لم ير أبناء عدن من الانتقالي سوى وعود وتصريحات في الهواء وفي الواقع لا جديد سوى القتل والقمع والنهب والبسط على الأراضي وتكريس الفشل والمناطقية والعنصرية والفساد، ولذا خرجوا إلى الشوارع يتظاهرون ضد الانتقالي في مواجهة القمع والرصاص إذ لم يعد لديهم ما يخسرونه.
الحل الأمني في مواجهة المتظاهرين السلميين
في 15 سبتمبر/ايلول الجاري وعلى وقع التظاهرات الشبابية في عدن والمكلا، خرج رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي بخطاب أعلن فيه حالة الطوارئ والجاهزية والاستنفار وقام باستدعاء المليشيا التابعة له والممولة من الإمارات وتوجيهها بالضرب بيد من حديد وقمع المتظاهرين السلميين بكل قسوة ووحشية، مما يدل على مدى هلع الانتقالي وانهزامه وارتباكه وخوفه، فبدلا من الاعتراف بالفشل والدعوة للتهدئة قام الانتقالي بالتصعيد دون أن يمتلك أية رؤية للحل، وكل ما يقوم به هو مواجهة التظاهرات بالحل الأمني، أطلقت ميلشياته الرصاص العشوائي على المتظاهرين السلميين فقتلت شابا من المتظاهرين وجرحت العشرات وقامت باعتقال المئات من الميادين العامة وخلال مداهمة منازلهم، كما قامت بالاعتداء على الكثير من شباب عدن، وهو ما أعطى لهذه الانتفاضة الحقوقية الرافضة للانتقالي وسلطته وفساده وقودا وزخماً وزاد من اشتعالها.
الانتقالي من خلال تقييم موضوعي للأوضاع في مناطق سيطرته يتضح للجميع أنه لا يمتلك مشروع دولة، هو مجرد أداة وعصابة من المرتزقة لا تمتلك قراراها، مليشيا مسلحة تديرها الإمارات بالريموت كنترول وتستخدمها لمصالحها وأجندتها وضد مصالح أبناء الجنوب، ولذا فإن هذه الانتفاضة الحقوقية التي يقوم بها أبناء عدن هي في الحقيقة ثورة على الإمارات وأدواتها وتواصل هذه الانتفاضة هو الحل حتى تخرج الإمارات والسعودية من عدن وتنفرج الأوضاع فيها، فالإمارات والسعودية لم تقدما لأبناء عدن سوى الموت والقتل والتصفيات الجسدية والاغتيالات والفوضى والعنف والظلام والانهيار الاقتصادي، ولذا فإن بقاء النفوذ الإماراتي السعودي في عدن ممثلا بالانتقالي يعني تدهور الوضع في عدن من سيئ إلى أسوأ.
تكتيك سعودي إماراتي لإنقاذ الانتقالي
بعد أن شعر الانتقالي بأنه في ورطة كبيرة ولا يدري كيف يخرج منها ألقى بالحمل على السعودية والإمارات، فأدركت السعودية والإمارات أن هذه الانتفاضة الشبابية الحقوقية تستهدفها بالأساس وذلك لأن الانتقالي مجرد أداة طيعة لها وطرده من عدن يعني فشل مشروعها في الجنوب، ولذا تتحرك السعودية والإمارات الآن لإعادة حكومة معين عبد الملك إلى عدن وتقديم بعض المساعدات وبعض الحلول لمشكلة الكهرباء المزمنة، وفي حال عودة حكومة معين عبد الملك إلى عدن فإن هذه العودة الهدف منها هو تحمل تبعات فشل الانتقالي وإنقاذه من غضب الشارع وتهيئة الأوضاع له.
حكومة معين عبد الملك لا تمتلك قرارها لذا لا نستبعد أن تعود إلى عدن للالتفاف على الانتفاضة الشبابية ولإنقاذ الانتقالي الذي طردها سابقا من عدن، خاصة إن كانت تلك العودة إلى عدن قبل إعلان الانتقالي تنفيذه الشق العسكري والأمني من "اتفاق الرياض" وحل جميع المليشيا التابعة له، وتسليمها السلاح ودخول قوات الجيش الوطني إلى عدن ولحج وغيرها والمسارعة بدمج مليشيا الانتقالي في قوات الجيش والأمن التابع للحكومة، عدا هذا فإن عودة الحكومة مجرد إنقاذ للانتقالي ووأد للانتفاضة الشبابية وتكتيك سعودي إماراتي جديد ومرحلي ريثما تعود الأمور إلى سابق عهدها ويعود الانتقالي لطرد الحكومة من عدن والتموضع فيها من جديد باسم القضية وتحقيق دولة الجنوب وغيرها من الشعارات التي مل الناس منها ولم تعد تستمع لها حتى قيادات الانتقالي نفسه.
فهل تنجح السعودية والإمارات وعبر حكومة معين عبد الملك في وأد الانتفاضة الشبابية بعدن وانقاذ الانتقالي؟ وهل سيقبل شباب عدن والمكلا بالحلول الترقيعية أم سيمضون في انتفاضتهم حتى تحقيق أهدافها كافة؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة وحينها لكل حدث حديث.