رسميا، تسلم الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ، الأحد، مهام منصبه كرابع مبعوث للأمم المتحدة إلى اليمن منذ عام 2011، بالتزامن مع تصعيد عسكري وسياسي ملحوظ ينبئ -وفق خبراء- باشتعال أكبر للصراع بين القوات الحكومية والحوثيين.
وفي أول بيان له بمناسبة تسلمه مهامه، أقر غروندبرغ بتعقيدات وتحديات الملف اليمني، مشددا على أنه سيبذل كل ما بوسعه لتحقيق السلام في البلد الذي يشهد حربا منذ نحو 7 سنوات.
وأعرب المبعوث الأممي الجديد عن تطلعه إلى "تفاعلات تتسم بالصراحة، وتشمل الجميع، وتسودها الجدية في المقام الأول، مع النظراء اليمنيين والإقليميين والدوليين".
وللنزاع اليمني امتدادات إقليمية، فمنذ 2015 ينفذ تحالف تقوده الجارة السعودية، عمليات عسكرية دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 2014.
وفي 6 أغسطس/آب الماضي، عَيَّنَ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، غروندبرغ مبعوثا خاصا إلى اليمن، خلفا للدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث، وقبله الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والمغربي جمال بنعمر.
وشغل غروندبرغ، منذ سبتمبر/ أيلول 2019، منصب سفير الاتحاد الأوروبي إلى اليمن، ويمتلك خبرة أكثر من 20 عاما في الشؤون الدولية، بينها أكثر من 15 عاما في مجال حلّ النزاعات والتفاوض والوساطة، وفق الأمم المتحدة.
وتسلم مهامه بعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع السعودية تدميرها 3 صواريخ باليسيتة و3 طائرات مسيرة مفخخة أطلقها الحوثيون صوب المملكة، مساء السبت.
وقال المتحدث العسكري للوزارة تركي المالكي، في بيان، إن "طفلين أصيبا وتضرر 14 منزلا أثناء اعتراض وتدمير صاروخ باليستي حوثي في منطقة الدمام (شرق)".
فيما أعلن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي، في بيان، أن الجماعة استهدفت منشآت لشركة "أرامكو" السعودية للطاقة بـ 10 مسيرات و6 صواريخ باليستية.
وتوعدت الجماعة السعودية بهجمات "أوسع وأكبر"، معتبرة أنها "عمليات مشروعة التزاما بموقفها الدفاعي".
وهذا هو أكبر تصعيد عسكري يشهده صراع اليمن منذ شهور، تزامنا مع تصعيد في المعارك بمحافظة مأرب (وسط)، حيث شهدت بالأيام الماضية مواجهات شرسة، خلفت قتلى وجرحى من القوات الحكومية والحوثيين، وفق مراسل الأناضول.
ويؤكد هذا التصعيد العسكري أن مهمة المبعوث الأممي الجديد، ستكون معقدة بشكل كبير، لاسيما وأن كل طرف يحاول أن يثبت ذاته على الأرض، سعيا لتحقيق مكاسب سياسية في أي مفاوضات مقبلة.
تصعيد سياسي
ويأتي التصعيد العسكري بالتزامن مع تصعيد سياسي وإعلامي، عبر تصريحات مسؤولين في الحكومة وجماعة الحوثي، حيث تنبئ مواقف الطرفين بأن ثمة فجوة كبيرة في وجهات النظر، ما قد يُعَقِّد عملية إيجاد أرضية خصبة لصنع توافق بين الطرفين.
وفي 30 أغسطس/ آب الماضي، اتهم رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك، جماعة الحوثي بأنها "أسقطت كل خيارات السلام، ولم تضع أي اعتبار للتحركات الأممية والدولية للحل السياسي"، وفق وكالة الأنباء الرسمية (سبأ).
وجاء ذلك بعد يوم واحد من مقتل 30 جنديا من القوات الحكومية في هجوم صاروخي استهدف قاعدة "العند" العسكرية بمحافظة لحج (جنوب)، واتهمت الحكومة الحوثيين بالوقوف وراء الهجوم، فيما تلتزم الجماعة الصمت.
ومؤخرا، صرح مسؤولون حوثيون بأنه لا حل لأزمة اليمن إلا بتوقف الغارات الجوية والحصار المفروض على البلاد.
وفي 2 سبتمبر/ أيلول الجاري، قال زعيم الجماعة، عبد الملك بدر الدين الحوثي، إن جماعته حسمت خيارها بالسيطرة على أراضي اليمن بالكامل، بحسب خطاب تلفزيوني بثته قناة "المسيرة" الفضائية.
ويرى مراقبون أن مواقف الحوثيين تشير إلى أن الأزمة في اليمن تنتظرها المزيد من التصعيدات العسكرية سيتحمل تبعاتها الملايين من المواطنين الذين باتوا على حافة المجاعة.
وأودت الحرب بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من سكان اليمن، البالغ عدهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
أوضاع غير مهيأة
وقال عبد السلام قائد، محلل سياسي، للأناضول، إن "الأوضاع في اليمن ما تزال غير مهيأة لإنهاء الحرب وإحلال السلام".
وأضاف أن "مهمة المبعوث الأممي الجديد تبدأ وسط استمرار التصعيد العسكري للجماعة المسيطرة على مناطق الكثافة السكانية في اليمن، واستحالة تفريطها بما حققته من مكاسب عسكرية ميدانية نتيجة تخاذل الأطراف الأخرى".
وتابع: "يقابل ذلك إضعاف متعمد من التحالف للسلطة الشرعية، وتشكيل مليشيات مناهضة لها في المناطق التي يفترض أنها محررة من الحوثيين".
ورأى أن "إحلال السلام في اليمن يتطلب أولا عودة الحكومة الشرعية إلى البلاد، وتفعيل مؤسسات الدولة، ثم مصادرة سلاح المليشيات التي لا تحتكم للحكومة وتسليمه للدولة".
كما يتطلب أيضا "شن حملة عسكرية واسعة تشمل مختلف الجبهات، بما يفضي إلى تحرير أهم المحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، لإجبارها على الإذعان للسلام"، بحسب "قائد".
ومنذ شهور، تمارس الحكومة اليمنية مهامها من الرياض ومحافظات يمنية، مثل حضرموت (جنوب شرق) وشبوة (شرق)، إثر توتر العلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة المؤقتة عدن. (جنوب)
تصعيد أكبر
ورجح يعقوب العتواني، كاتب سياسي، أن اليمن مقبل على تصعيد عسكري أكبر، وأن خيار السلام يبدو مستبعدا خلال الفترة المقبلة.
وأضاف العتواني للأناضول، أن "الأيام الماضية شهدت تصعيدا كبيرا من قبل الحوثيين، الذين يودون أن يظهروا للعالم أنهم أكثر قوة، وأن صواريخهم باتت تصل إلى مسافات بعيدة في السعودية".
وأردف: "هذا التصعيد تزامن مع بدء مهمة المبعوث الأممي الجديد، يريد الحوثيون إرسال رسائل بأنهم قادرون على مواصلة الحرب، من أجل أن يقدم الطرف الحكومي تنازلات كبيرة تحقق مكاسب للحوثيين في أي مفاوضات مقبلة".
واستطرد: "لا توجد أي مؤشرات فعلية تنبئ بأن طريق السلام بات مواتيا.. الواقع يتجه إلى مزيد من التصعيد العسكري".
ومتفقا مع العتواني، قال عادل دشيلة، باحث سياسي، عبر "تويتر"، "استقبلت الحركة الحوثية غروندنبرغ بحزمة من الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه السعودية والأراضي اليمنية المحررة.. يبدو أن مسار التسوية غير وارد حاليا وخيارات المبعوث الحالي ضئيلة".